فنُّ الفَرحِ في الضَّوءِ والفيلْم
ميناء جدة، تصوير الأميرة ريم الفيصل، حيث يصبح الرتيب باهرًا. مصورة شهيرة، وهي حفيدة الملك فيصل آل سعود الراحل.
"أجد متعة في التقاط الأشياء المألوفة والبسيطة والتي نراها كل يوم، كي أخرجها بصورة مميزة، كما أكشف عن القصة الخفية وراءها والجمال الكامن فيها. أسعى من خلال فني إلى إظهار دلالات الإله في الطبيعة وفي الإنسان. بالنسبة لي، الضوء هو أحد مظاهر الله العديدة، الذي ألقاه في طريقي في هذه الحياة ليذكرني بحضوره الدائم في أنفسنا وفي كل مكان. كل صورة هي نمط من الضوء والظل. بالنسبة لي، فإن تصويري الفوتوغرافي هو وسيلة لتمجيد ملكوت الله في هذا الكون..."
أثناء التجوال في أبعد أركان الصحراء، إلى تسلق الجبال، إلى الوقوف بلا حراك تمامًا للحصول على نقرة واحدة مثالية، كانت الأميرة ريم الفيصل تصوِّر العالم من حولها - وعالمها الشخصي - على مدى العقود الثلاثة الماضية، من خلال رفيقة دربها: الكاميرا.
وفي إحدى مقابلاتها مع إثرائيات، تقول الأميرة ريم: "صورة واحدة يمكنها أن تحكي الكثير من القصص"، وتتابع قائلة: "الفن بالنسبة لي شيء مقدس، إنه تعبير عن الروحانية والتواصل. لذا في صميم أعمالي، تكمن الرسائل الإلهية، وخطوط التواصل التي تشبكنا مع بعضنا بعضًا، سواء كان مع العالم أو مع الله".
المصورة والفنانة المعروفة التي وثقت الحياة من خلال صور خالدة التقطتها في عدة دول، مثل: الصين، وكوريا، واليابان، والمغرب، ومصر، وإيران، وتركيا، والولايات المتحدة، بالإضافة إلى وطنها المملكة العربية السعودية. كانت صورها بمثابة (سفراء للثقافة) في المملكة العربية السعودية، وذلك قبل زمن بعيد من عصر وسائل التواصل الاجتماعي، والهواتف الذكية، والصور الرقمية الفورية.
صورها الخام والصادقة والقوية والحساسة، تشبه اللوحات متعددة الأبعاد، كل منها مصقولة بضربات من الحقائق القاسية التي تم تلطيفها بروح كامنة.
قطعة فنية رائعة من كوريا مبهجة للأميرة ريم الفيصل. مصورة شهيرة، وهي حفيدة الملك فيصل آل سعود الراحل.
سوق أهريد
جيزان
المدينة
وللأميرة ريم رأي آخر عن نوع الصورة، تقول: "أبتعد عن الوسائط الرقمية في التصوير، وبدلًا من ذلك أستخدم الفيلم لعمقه ودقته التصويرية التي يجسدها، وله قدرة على التقاط روح الصورة. كما أن استخدام الفيلم يعلم المرء أن يتحلى بالصبر، وتخيل الصور قبل التقاطها، كما أنني أتعمدُ استخدام الأبيض والأسود، حيث ترى بعدًا لما هو مخفي، بعيدًا عن كل الألوان والضوضاء، سترى جوهر الصورة".
كسرت الأميرة ريم العديد من الحواجز مع أكثر من 30 معرضًا في جميع أنحاء العالم - بما في ذلك كونها أول مصورة من منطقة الخليج تعرض أعمالها في فلسطين. كما أنها أول امرأة تقوم بتصوير مواقع فريدة من نوعها، مثل معرضها السياحي الشهير 1996 - 1999 - سلسلة الأسود والأبيض ميناء جدة الذي تم عرضه في فرنسا والصين والمملكة العربية السعودية ومصر. وهي مشهورة أيضًا بمجموعة مطبوعات "الحج"، من 1999 إلى 2003، والتي تجسد جوهر الإخلاص.
تقول الأميرة ريم: "أقضي وقتًا طويلًا في مكان ما، أبحث بداخله، وأشعر بقيمته، قبل أن أبدأ في التقاط أي صور، كما أحب بشكل خاص زيارة الأماكن التي لا يزال الناس فيها على اتصال بثقافتهم، حيث الإنسانية هي الثقافة، وليس فقط المباني والمواقع الثقافية. لقد نأت العديد من المدن الحديثة بنفسها عن أصولها وروحانياتها، ولذلك تكون صورها مسطحة".
أهم صورتين من الصين ومسجد مصر ومنزل في اليابان.
بدأت علاقة حبها بالكاميرا في طفولتها، عندما كانت في السابعة من عمرها، لقطة!
من الكراسي في منزلها إلى الدمى وحتى الجدران، كل شيء حولها وكل شخص كان جزءًا في حياتها؛ انتهى المطاف بهم ليصبحوا تكوينًا في صورها. تقول الأميرة ريم: "الكاميرا منحتني زاوية مختلفة لرؤية العالم بشكل أفضل، لقد ساعدتني في التركيز على الأشياء التي لا أنتبه لها عادة في خضم الحياة المزدحمة".
ومثل العديد من الفنانين، لم تخطط الأميرة ريم لأن تكون مصورة محترفة، كانت ببساطة تستمتع بالتقاط الصور. وبدعم من أسرتها، غيرت اتجاهها عندما تركت دراستها في الأدب العربي في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، لتلتحق بـ Spéos، وهي مدرسة للتصوير الفوتوغرافي في باريس. تقول في حديثها: "أنا لا أخطط للأشياء، أنا فقط أذهب أينما تأخذني الحياة".
أسست الأميرة ريم معرض الربع الخالي المرموق في دبي في عام 2006، للمساعدة في عرض المواهب الرائعة للمصورين العرب. تحدثنا قائلة: "أردت أن أظهر للمجتمع العربي أن التصوير الفوتوغرافي فن، وأن لدينا مصورين رائعين في المنطقة". سافرت الأميرة ريم حول العالم وعاشت في العديد من الأماكن، وهي الآن تقيم في جدة، حيث منزلها. وعن جدة تخبرنا: "جدّة من نواح كثيرة مثل نيويورك، جاء فنانوها من مناطق مختلفة من البلاد، واستقروا فيها، مما جعل منها واحدة من أهم المراكز الثقافية في البلاد. إنها من أكثر الأماكن حيوية، وبسبب الحج، هي أيضًا من أقدم الحضارات التي اختلطت فيها الأعراق والجنسيات".
الأميرة ريم هي نفسها فنّانة فنون جميلة ومعجبة بالفن، حيث تقوم بجمع الفنون ودعم المواهب المحلية التي تحوز على إعجابها. تقول: "أنا أبحث عن الفنّ الصادق، أجد الكثير من الفنّانين اليوم يلجؤون إلى عنصر الصدمة، كمن يواجه المجتمع ويريد بدء الشجار. عن نفسي أحب الفنّ الذي يرفعنا لنصبح نسخًا أفضل من أنفسنا". نصيحتها للمصورين والفنّانين الجدد: "كونوا مخلصين في مهنتكم، لا تقلدوا الآخرين ولا تفعلوا ذلك من أجل استقطاب الإعجاب أو لفت الانتباه. استدركوا فهمًا عميقًا للتاريخ والفلسفة وثقافتكم الخاصة، وشاهدوا كيف أن هذه المعرفة ستحول إبداعاتكم إلى شيء أعمق".
مشروع قريب من قلبها، تشرع الأميرة ريم حاليًا في مغامرة جديدة لتوثيق قصة بلدها. تقول الفنانة: "سأذهب عبر المملكة العربية السعودية، وأعيد اكتشاف دياري واتساعها وتنوعها. كل جزء منها له أسلوب مختلف ولهجة مختلفة ومواطنون بسمات وعادات مختلفة". كانت قد بدأت بالفعل في تصوير جيزان والجوف، ولاحظت كيف أن سكان الشمال يتمتعون بسمات مختلفة عن تلك الجنوبية، حيث يكون سكان جيزان أصغر في الهيئة البدنية وتلك الموجودة في الجوف أطول وأكثر تحفظًا.
. وتتابع: "لقد أمضيت أكثر من 20 عامًا في اكتشاف عوالم وثقافات أخرى، والآن سأركز على إعادة اكتشاف دياري والبحث بين قصصه العديدة". أحدث أعمالها قد يستكشف اللون والشكل الرقمي، كما تخطط لتوثيق صناعة النفط، بدءًا من المواقع إلى الأشخاص وراء الكواليس الذين كان لهم دورهم في هذا الفصل المهم من تاريخ السعودية. وهناك مشروع آخر كانت تخطط له منذ فترة هو مشروع يروي قصة "اللاجئات"، ويسجل قصص أجزاء كثيرة من العالم العربي تسكنها اللاجئات. تقول الأميرة ريم: "النساء يحملن البلاد معهم". ومع الكثير من الأفكار والمشاريع، تصرح الأميرة ريم أنها ستبقى: "مشغولة حتى الموت". كما تقول: "ليس هناك وقت للملل، هناك الكثير لرؤيته والقيام به"
خلال واحدة من أصعب اللحظات التي واجهتها عندما أخذت استراحة من التصوير، لتلمح مخلوقًا صغيرًا يحتاج إلى المساعدة والرعاية. ولمحنا ذلك في إنسانيتها حين حدثتنا وقالت: "رأيت هذه الهرة البنغالية الصغيرة التي أسيئت معاملتها في متجر للحيوانات الأليفة، لقد لمست قلبي وأنقذتها، حنونة هي الآن واحدة من أعز أصدقائي". لقد تعلمت الأميرة ريم من خلال رعايتها لهذه الهرة كيف تتغلب على المصاعب الشخصية التي كانت تتحملها هي نفسها في نفس الوقت. بحياة مليئة بالإلهام والحب والجمال، تتطلع الأميرة ريم إلى رؤية ما ستلتقطه كاميرتها بعد ذلك. فتقول: "في ثقافتنا الحديثة، تم تدريبنا على التركيز على البعد المادي الذي نراه من خلال أذهاننا وإرادتنا وعواطفنا. لكن هناك بُعد روحي يتم التعبير عنه من خلال الجمال والإبداع، وهذا ما أحاول تحقيقه لنفسي وإظهاره من خلال عملي". أما شعارها في الحياة فهي تستلهم من النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي قال: "كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل".