البطة التي نقرت على القمر

تحظى القصص والروايات التراثية بمكانة خاصة في ثقافات الشعوب الإسلامية عبر الزمان والمكان، وتنبع شعبية هذه القصص والروايات مما تتضمنه من خبرات وحكم خالدة وقيمة تعليمية عالية. خذوا على سبيل المثال مجموعة القصص الفارسية "أنوار سهيل"، وهي مجموعة قصص عن الحيوانات مستمدة من حكايات كليلة ودمنة الشهيرة، ممثلة هنا بلوحة مصغرة من مخطوطة في متحف الآغا خان، رُسمت في قزوين في إيران في عام 1593 م.
 

كان المنشأ الأصلي لهذه القصص في الهند القديمة، ولكنها اكتسبت شهرة تُعزى في المقام الأول للترجمة العربية التي قام بها ابن المقفع في القرن الثامن، قبل أن تُترجم إلى الفارسية ولغات أخرى في القرون التالية. وقد سُمِّيت المجموعة على اسم حاكم من الأسرة التيمورية، وهو نظام الدين شيخ أحمد السهيلي، الذي أهدى له المؤلف هذا العمل. وينطوي هذا العنوان على تلاعب ذكي بالألفاظ، لأنه يشير أيضًا إلى أنوار النجم سهيل، ألمع نجم في كوكبة الجؤجؤ الجنوبية.
 

تُظهر هذه اللوحة بطة تنقر على صورة القمر المنعكسة على سطح الماء، ووفقًا للحكاية الأسطورية، فقد حدث ذات يوم أن رأت بطة صورة القمر منعكسة على سطح الماء وظنتها سمكة، فظلت تنقر عليها في محاولة للإمساك بها دون جدوى. ونتيجة لما حلَّ بها من جوع وما أصابها من يأس، قررت من تلك الليلة فصاعدًا ألا ترتكب الخطأ نفسه مرة أخرى، وهكذا، كلما رأت سمكة في الماء بعد ذلك، تجاهلتها وصرفت النظر عنها، باعتقادها خدعة ناتجة عن ضوء القمر، حتى أصبحت تعاني من الجوع الشديد.
 

فما هي الحكمة المستفادة من هذه الأسطورة؟ لا تدعوا تجربة سيئة واحدة تؤثر على جميع مواقفكم أو تصرفاتكم اللاحقة، بل احرصوا على ابقاء العقول متفتحة وحاولوا مجدّدًا، مع مراعاة الفروقات والخصائص في الموقف الذي تواجهونه، أو الفرصة التي تظهر أمامكم. وعلى الرغم من أن هذه القصة كُتبت منذ مئات السنين، إلا أنها تظل قصة ذات أهمية تنطوي على رسالة ذات صلة بواقعنا اليوم.

بقلم ضيف خاص:

الدكتورة أولريك الخميس، المدير التنفيذي لمتحف الآغا خان في تورنتو.

في كل عدد من المجلة، نعرض كنزًا خاصًا من متحف (آغا خان) حيث يسرد حكاية ويقتبس إلهامًا ويفتح أفقًا للتواصل.