القصص العربية المصوّرة في تسعة عقود
كان الأديب والروائي نجيب محفوظ - الحائز على جائزة نوبل للآداب - في المرحلة الأخيرة من حياته، إلا أنه ما يزال يتذكر روايته المفضلة التي قرأها عندما كان في العاشرة من عمره، وهي رواية بوليسية لحافظ نجيب، والقصص المصورة العربية على الرغم من أنها كانت تُعتبر - ولفترة طويلة - مخصصة "للأطفال فقط"، فقد شهدت مؤخرًا نهضة وتجديدًا، حتى إن الأعمال التي تُصنف ضمن هذه الفئة لم تقتصر على المجموعات القصصية المصورة المعاصرة، بل شهدت أيضًا مشاريع تبحث في تاريخ القصص المصورة، مثل مبادرة مركز رادا، ومعتز الصواف للقصص المصورة العربية في الجامعة الأمريكية في بيروت، والمعرض المتنقل للقصص المصورة العربية، الذي أشرف على تنظيمه نديم الدملوجي، وشقيقته منى.
يبدو أن مجلة "الأولاد" كانت أول مجلة مصورة عربية تُصدر وتستمر لفترة طويلة، حيث ظهر العدد الأول منها في مصر عام 1923، عندما كانت القصص المصورة المتسلسلة لا تُنتج إلا في عددٍ محدودٍ من البلدان. وقد بدأ إصدار "الأولاد" قبل ست سنوات من بدء هيرجيه في نشر قصته الشهيرة "مغامرات تان تان" عام 1929، واستمر إصدارها حتى عام 1932.
وكان كلٌ من تلك الأعداد يتألف من ثماني صفحات بالأبيض والأسود، تضمنت قصصًا لأطفال مشاغبين يستعرضها المؤلف في نصٍ نثريٍ مرحٍ وممتعٍ ومقفى. كما شهدت العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين اقتباسات معربة من قصص ميكي ماوس المصورة في مجلات مثل مجلة "الأطفال" التي صدرت في عام 1926.
كان عقد الأربعينيات بمثابة العصر الذهبي للقصص المصورة في كافة أنحاء العالم، وفي هذا العقد، ابتكر الفنانون العرب شخصيات أصلية، إلا أنهم قاموا أيضًا باقتباس العديد من الشخصيات العالمية المصورة وإدخال تعديلات عليها للجمهور المحلي. وقد ترجمت مجلة "كتكوت" - التي صدرت عام 1946 - "مغامرات تان تان"، إلا أن "تان تان" أصبح فيها "همام" وكان يرتدي - على سبيل المثال - طربوشًا بدلًا من قبعة رعاة البقر. كما اقتبست مجلات أخرى مثل بلبل (1946)، وبابا شارو (1948)، والمستقبل (1948)، شخصيات وأساليب أخرى شائعة.
شهدت خمسينيات القرن العشرين ظهور مجلات مصورة مصرية قوية مثل "سندباد" و"سمير". وعندما صدرت "سندباد" في عام 1952، كانت تتضمن بعض القصص المحلية، لكنها تناولت أيضًا قصصًا عن "فرفور وبسبوس"، والتي كانت على غرار توم وجيري بشكل واضح. وأخذت مجلة "سمير" فنّ القصص المصورة إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث تميزت بأساليب متنوعة ومبتكرة واستخدمت اللغة المحكية. وتضمنت مجلة "سمير" بعضًا من قصص جحا التراثية، إذ كان:
"الأحمق الحكيم" في التراث الشعبي العربي.
يتقاسم مساحة النشر مع قصص "تان تان " المقتبسة.
على الرغم من أن الحرب الأهلية كانت قد بدأت في لبنان، فإن فترة الستينيات والسبعينيات شهدت انطلاقة هائلة للقصص المصورة اللبنانية. ولم يقتصر الأمر على اقتباس القصص المصورة الشهيرة والشعبية لشخصيات مثل: ميكي وسوبرمان (والتي أصبح فيها "كلارك كينت" بعد تعريبه "نبيل فوزي")، بل كان هناك أيضًا الإنتاج المحلي لقصص"بساط الريح"، ووفقًا للباحث اللبناني جورج خوري، فقد شهدت الستينيات ظهور أكثر من 35 مجلة مصورة في لبنان. وفي أواخر الستينيات والسبعينيات، بدأت بعض البلدان الأخرى في إصدار مجلات مصورة أخرى، بما في ذلك مجلة "أسامة" في سوريا ومجلة "مجلتي" في العراق.
شهدت فترة الثمانينيات مجموعة واسعة من القصص المصورة للأطفال، بما في ذلك مجلة "باسم" في المملكة العربية السعودية، و"افتح يا سمسم" في الكويت، ومجلة "ماجد" الشهيرة في دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تحولت قصصها مؤخرًا إلى عرضٍ تلفزيوني.
ومن الشخصيات المتكررة في مجلة "ماجد"؛ ولدٌ يُدعى "ماجد"، وآخر يُعرف بـ "كسلان جدًا". وقد أُنتج مسلسل "ماجد" في عام 1979، وبيعت منه ملايين النسخ وما يزال يحظى بشعبية كبيرة حتى اليوم.
مع بداية التسعينيات، ابتعد العديد من فناني القصص المصورة الشباب والموهوبين العرب عن إعداد القصص المصورة للأطفال، وكانت هذه الحركة قد بدأت في منتصف وأواخر الثمانينيات، مع انطلاق مجموعات مثل ورش عمل "جاد" في بيروت، وأول مهرجان للقصص المصورة في الجزائر العاصمة في عام 1986.
وبعد فترة هادئة نسبيًّا خلال التسعينيات، شهد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين موجة من المجلات المصورة للكبار، على غرار فن المانجا الياباني، والتي كانت تفيض بالمواضيع الصعبة والحزينة. وبدأ ذلك مع إطلاق مجلة "السمندل" في بيروت عام 2007، وتبعها العديد من المجلات الأخرى مثل "توك توك" و"الجراج" في مصر، و"لاب 619" في تونس، و"السكفكف" في المغرب، وغيرها.
م. لينكس كويلي هو رئيس تحرير مجلة ArabLit ومؤسس موقع ArabLit.org، وهو موقع إلكتروني يجمع المترجمين والمؤلفين والناشرين والنقاد والأكاديميين والقراء حول مناقشات الأدب العربي المترجم.