ثراء الطفولة يضمن حياة فنية غنية
لوحة للفنان ضياء عزيز ضياء
لا يزال ضياء عزيز ضياء يحتفظ بوهج فنّه العريق، وهو أحد رواد المدرسة الانطباعيّة الواقعيّة الحديثة، بدأ رحلته مع الفنّ منذ العام 1960م، بفضل طفولة سخيّة وعامرة أثرت تجربته وغذّت عطاءاته الفنية، طفولة تشكّلت في كنف والده الأديب السعوديّ الكبير عزيز ضياء، ووالدته الإذاعيّة السابقة أسماء زعزوع، وما يتصل بحياتهما من صنوف الأدب والثقافة والفنّ، تعلم خلالها العزف على آلة الكمان والعود وهو في الثامنة من العمر، وغنّى للأطفال عددًا من الأغاني التي كتبها والده وأذاعتها الإذاعة السعوديّة عبر برامج الأطفال.
يقول ضياء: "لقد عشت طفولة مستقرة وسعيدة مع والدتي وأبي وأختي المحبة، وما زلت أتذكّر كلّ الألعاب التي كنت ألعبها مع أختي وأصدقائي خلال حياتي في مكة والطائف، الطفولة هي جزء أساسي من الحياة التي تشكّل شخصيّة الإنسان في مرحلة البلوغ، وبالتالي فهي تشكل جزءًا أساسيًّا من فنّي".
ولا تزال سنوات الطفولة الكريمة بهذا التنوع والثراء، تمدّه بالقدرة واللياقة الفنيّة الكاملة لمواصلة مشواره وعطائه، وبرأيه فإنّ "حياة الطفل المستقرة والهادئة السويّة سوف تساعد على بناء شخصيّة سويّة بغض النظر عن اتجاهات الطفل. فإذا كان الطفل موهوبًا فإنّ الحياة الخصبة والسويّة ستساعد على تركيز وتوجيه الموهبة بشكل أفضل".
"بالمثابرة والتشجيع، والثقة بالنفس"، تلك هي المعادلة التي يطمئن إليها ضياء لاكتشاف الفنان الطفل مبكرًا، وعبر التدريب والصقل يتحسن مردوده الفنّي، ضياء الذي رسم إحدى لوحاته وهو بعمر 14 عامًا، وعرضت في مناسبة استقبال الملك سعود بن عبدالعزيز بجدّة، بعد عودته من رحلة علاجيّة سنة 1961.
وحين كان عمره 15 عامًا، رسم لوحة تفاعليّة مع إحدى الأحداث الوطنيّة، وتمّ إرسال اللوحة للملك فيصل بن عبدالعزيز، وفوجئ بعد فترة بوالده يخبره أن مكتب الملك يطلب مقابلته، وذهب في اليوم المحدد وقابل الملك وتلقى تشجيعًا كبيرًا منه.
أصبح بعد ذلك واحدًا من الشخصيّات الرئيسة في الفنّ في العالم العربيّ، ويقتني لوحاته محبون بارزون للفنون في السعوديّة، كما أن كثيرًا من منحوتاته موجودة في بعض الشوارع والمؤسسات الرئيسيّة في جدّة.
من أبرزها معلم بوابة مكّة الذي يقع على الطريق السريع المؤدي إلى الحرم المكيّ الشريف، يعرف أيضًا باسم (بوابة القرآن)، وقد صممه الفنان ضياء عام 1979 وتم بناؤه على مساحة 7296 مترًا مربعًا بطول 152 مترًا وعرض 48 مترًا.
لوحة للفنان ضياء عزيز ضياء
يقول ضياء: "بوابة مكة من أكثر أعمالي فخرًا، لقد أصبحت بوابة لقلوب كلّ المسلمين، يشرفني أن أكون جزءاً من خلق إحساس جماعيّ بالحنين إلى الماضي وذاكرة رحلة لجميع أولئك الذين مروا بها.
أودّ أن تتذكّرني الأجيال القادمة بصفتي الفنان الذي جسّد الحياة في الحجاز، وصمّم باب مكة".
للجوائز الفنيّة قيمة ودور في تنشيط حركة الفنّ، وتشجيع النشء والمواهب الصاعدة على التمسك بمواهبها ومواصلة مشوارها، ويقول ضياء: "الجوائز الفنيّة والمسابقات هي من أساسيات تقدّم الفنان وإحساسه بالثّقة بنفسه بمساره الفنّي، فهي الدعم المعنويّ والماديّ الذي يحتاجه لترسيخ مسيرته الفنيّة".
عاش ضياء عزيز حياة طويلة وعريضة في الفنّ، عاصر خلالها مراحل مختلفة من الصعود والهبوط، لم تكن حالة الفنّ لدينا بأفضل مما هي عليه الآن في ظلّ الفرص الواعدة، وقد أضافت المنصّات الاتصاليّة المعاصرة زخمًا للحركة الفنيّة، وحسب ضياء فإنها ساعدت على توسيع الحركة الفنيّة، وساهمت في توسيع آفاق الفنان أو المنشغل بالفنون عمومًا،
إذ أصبح في مقدور الفنان الوصول إلى شتى أنواع المدارس والنشاطات الفنيّة العالميّة بالصوت والصورة بما في ذلك المتاحف والمعارض في العالم، بالإضافة إلى إمكانيّة عرض أعماله الفنيّة على المنصات المختلفة والحصول على آراء الجمهور الإيجابيّة أو السلبيّة مما يساعد على تشجيعه وتصحيح مساره.
في حديثه إلى إثرائيات، يقول ضياء: “أحاول دائًما أن أجعل عائلتي سعيدة قدر الإمكان”، وقد رزق مع زوجته ليلى، بولد وبنتين وثمانية أحفاد يجددون في نفسه الدافع لمواصلة مشواره الفني السخ ّي بالإبداع والجمال.
لوحة للفنان ضياء عزيز ضياء
استبشر الفنان ضياء بخطوة اقتناء الأعمال الوطنيّة في المقارّ والمؤسسات الحكوميّة السعوديّة، لكنّه شدّد على تعيين لجنة ذات خلفيّة علميّة لاختيارها وترشيحها، وقال: "أرى أنّ لجنة اختيار الأعمال يجب أن تكون لجنة ذات خلفيّة أكاديميّة وأن تكون محايدة واحترافيّة لرفع المستوى الفنّي بشكل عام، وتقييم الأعمال المنتقاة بشكل صحيح لا مبالغة فيه ولا إجحاف".
ويشجّع ضياء على ابتكار وإنتاج وسائل ترفيهيّة منافسة، متقنة وغزيرة، لمقاومة اكتساح الثقافة الأجنبيّة للناشئة وتأثيرها على اللغة والمبادئ، بما يخلق "أمّة مقلدة لا تاريخ لها ولا أصالة"، ويضيف: "هناك فارق بين إذابة الفوارق الثقافيّة بوسائل الاتصال العالميّة، وبين إذابة - بل وتعطيل - لغة الأم بين الأطفال والشباب، وإذابة الثوابت العقائديّة والدينيّة، والملاحظ أن هناك تحولًا في طريقة تفكير بعض الشباب المتأثرين بالميديا الأمريكيّة الغربيّة الهوليوديّة المسيطر عليها من قبل فئات يهمّها نشر وترويج الأفكار التي تتنافى مع مبادئ ديننا الحنيف.
وأرى أن دول الخليج بالتعاون مع دول أخرى مثل مصر ذات الإمكانيات العريقة في صناعة الإنتاج السينمائيّ وما إلى ذلك، قادرة على إنتاج أفلام ووسائل ترفيهيّة بالميديا وغيرها تقاوم هذا الفكر المتفسخ، بشكل ترفيهيّ مشوق، وباللغة العربيّة بالشكل الذي يحافظ على المبادئ والهويّة التي نحرص على ألا تذوب وتفقد".