نحن نعد شيئًا رائعًا من أجلك.

“العصور الذهبية”
إطلالة

“العصور الذهبية”

“العصور الذهبية”

أسمهان ( 2021 ) للفنان حمزة لافي. بإذن من الفنان

بقلم الجوهرة العذل
April 25th, 2022

ما هو العصر الذهبي؟ هل هو حقبةٌ من الماضي؟ وهل اللحظات في التاريخ الثقافي ذهبية حقًا أم أنه مجرد شعور بالحنين نقارنه بالماضي؟ يُقصد بالعصر الذهبي تلك الحقبة الزمنية، حيث كان لكل شيء تم انتاجه تأثير كما يعدُّ ذا قيمة بالغة إلى حد اعتبارنا له ذهبًا. نحن أحيانًا ما نكون شديدي التعلّق بالماضي كما لو أننا لا يمكننا إبداع شيء خارق ومُلهم بأنفسنا في حاضرنا هذا، وكما لو أن المستقبل

لا يحوي مفاجآت لم نكتشفها بعد. وبتأمل مدى تعظيمنا لماضينا، هل يا ترى ستمجّد الأجيال القادمة إبداعاتنا الحالية كذلك؟ 

والسؤال الذي نتركه لكم هو: هل اندثر العصر الذهبي حقًا أم أنه لم يُصنع بعد؟ 

إليكم على سبيل المثال عددًا بسيطًا من القطاعات للتفكير بشأنها:

السينما

باعتبارها لونًا من ألوان الفنّ، تفسح السينما مجالًا لسرد القصص متعددة الفصول والأوجه بطريقةً آسرة ورشيقة. وحين ظهرت السينما على الساحات لأول مرة في أواخر القرن التاسع عشر، جعلتها طبيعتها المبتكرة وحداثتها خيارًا فاتنًا للرواة العرب الشغوفين بغزل الحكايات. بدأت السينما بدايات متواضعة للغاية ضمّت حفنة قليلة من الأفلام الصامتة، ثم لاحقًا جاءت طفرة أفلام فترة ما بين الأربعينيات والستينات، والتي تُعرف الآن باسم العصر الذهبي للسينما المصرية.

“العصور الذهبية”
العندليب الأسمر ، عبدالحليم حافظ (2021) لعبد المجيد العتيبي. بإذن من الفنان.

حظيت هذه الأفلام التي تضم كوكبةً من النجوم العرب اهتمام وإعجاب الجميع، وتم تصديرها لجميع أقطار المنطقة العربية. أسرت السينما المصرية في ذروتها المخّيلة للعالم العربي بأكمله، وخلقت تجربة ثقافية مشتركة، إذ مثّلت روح العصر ببراعة بالغة. 

حتى أن صناعة الأفلام المصرية احتلت في خمسينيات القرن الماضي المركز الثالث عالميًا لأضخم صناعات الأفلام، لذلك وبطريقة أو بأخرى، فإن السينما المصرية كانت بمثابة رد الشرق الاوسط على هوليود؛ فباتت هوليود جديدة على ضفاف النيل، حيث يُصنع هنالك النجوم والفن الهادف.

لهذه الأسباب، من بين أسباب أخرى كثيرة، يسهل معرفة لماذا ترسّخت حقبة فاتن حمامة وليلى مراد وعمر الشريف ويوسف وهبي في الوعي الشامل، ولمَا لازالت تُذكر بكثير من الولع والاعتزاز. 

شهدت صناعة الأفلام والتلفزيون الكويتية والفلسطينية واللبنانية وأخرى كثيرة عربية كذلك، شعبية وشهرة ولازالت تتمتّع بها على المنصات الجديدة مثل نتفليكس وغيرها، إلا أن العصر الذهبي المصري يبقى واحدًا من ألمع العصور، لاسيما انه كان فعلًا عصرًا ذهبيًا بكل ما تحويه الكلمة من معانٍ، لدرجة يصعب معها تكراره أو إعادته. ومع ذلك، فسوف يبقى بمثابة أساسٍ يبني عليه العصر الذهبي القادم للسينما العربية نفسه بأيدي الجيل الواعد من الرواة المبدعين.

الأدب

يقول الكاتب المصري «نجيب محفوظ»: «الكاتب يضفر مع القصة شكوكه وأسئلته وقيمه، هذا هو الفنّ!». يبقى نجيب محفوظ الكاتب العربي الوحيد الذي نال جائزة نوبل للآداب وذلك عام 1988م. 

لطالما كان العرب فصيحي وبليغي اللسان ودائمًا ما يكون لدينا حكايًة ما لنرويها من عصور الجاهلية، خصوصًا من خلال الشعر، وصولًا للكم الهائل من الإنتاج الحديث من الروايات والمذكرات، فأولئك الذين يظنون أن ألف ليلة وليلة هي ذروة الأدب العربي لم يقرؤا أو يجرّبوا حقًا ما يعتبره العرب قصًة جيدة، فضلًا عن كونها رائعة.

“العصور الذهبية”

ومع ذلك، فإن تحديد حقبة بعينها على أنها العصر الذهبي لهو أمر يصعب على الجميع، خصوصًا وأننا دائمًا ما تفوّقنا في الشعر على الكتب، وقد يزعم البعض أن العصر الذهبي للأدب كان إبّان العصر الإسلامي الذهبي من العصور الأمويّة وحتى الأندلسية. متجاهلين بهذا تمامًا أن لدينا مثلًا شهيرًا من منتصف إلى أواخر القرن العشرين يقول: القاهرة تكتب، بيروت تنشر، وبغداد تقرأ. 

لم يتوقف إنتاج الروايات والحكايات بكل صورها وألوانها، ولن تتوقف قط، فكيف يمكننا أن نقرّر أي عصر هو الذهبيّ إذًا؟ واحدة من الأماكن التي تجسّد قيمة الأدب الذهبي بحق هو شارع المتنبي في بغداد، الذي سُمّي على اسم شاعر القرن العاشر الشهير "المتنبي"، والذي تصطف المكتبات والأكشاك من جميع جوانبه. 

ومن بين الأماكن الأخرى متحف دبي للمستقبل، حيث تمثل واجهته من النوافذ لوحًة تضم شعر رئيس الوزراء وحاكم دبي الشيخ "محمد بن راشد آل مكتوم" تزدان بخطوط الفنّان "مطر بن لاحج". 

علاوةً على ما سبق، فإن معارض الكتاب المختلفة التي تزخم بها جميع أقطار المنطقة العربية، تشهد أن العصر الذهبي لا يزال قائمًا ومستمرًا مع بعض المبدعين والكتّاب يتم الاحتفاء بهم وتقديرهم أكثر من غيرهم. ما الذي يجعل بعضهم أشهر من بعض؟ هذا سؤالٌ يستحق التأمل.

“العصور الذهبية”
الفنّ

مع كل التطوّرات والحركات والمفاهيم والثورات الثقافية الجديدة التي تنبثق هنا وهناك، هل لايزال بإمكاننا تسمية سادة وأرباب الفنّ بهذا الوصف؟ تعتبر الفنون الكلاسيكيّة البارعة والحديثة وفنون ما بعد الحداثة والمعاصرة بالغة الأهميّة لقانوننا وشرعتنا. فما هو العصر الذهبي للفنّ إذن؟ كانت هناك حركة ضخمة لفنانين الحداثة في العالم العربي من ضياء العزاوي ومحمود سعيد حتى أيمن بعلبكي وتغريد درغوث، وكذلك عبد الحليم رضوي وعبد الرحمن السليمان ومحمد السليم وصافية بن زقر ومنيرة موصلي وكثيرون ممّن عبّدوا الطريق للفنّ في المملكة العربية السعودية.

“العصور الذهبية”
“العصور الذهبية”

يعدّ هؤلاء الفنانون أساطيرًا للفنّ، ولكن هل هم التقاطه الحقيقة لبداية الفنّ في المنطقة؟ فربما تعّد الرسوم والنقوش المصرية البارعة والتحف الفنيّة النبطية والعديد من الفنون الصخرية على امتداد تضاريس المنطقة الجبلية بعضًا من المساعي الفنية القديمة التي لاتزال تلهمنا لليوم. فهل تمثّل العصر الذهبي للفنّ؟

الفنّ في جوهره مفهوم مرن، والقدر الهائل الذي تم إنتاجه في المملكة العربية السعودية والمنطقة يظهر أنه لا ينبغي التقليل من أهمية الحركات المعاصرة، خصوصًا في الفنون الأدائيّة والتجريبية والتعاونية حيث يظهر هذا الإحياء والتجديد الكبير للمجال أننا قد نكون على أعتاب عصر ذهبي جديد.

الموسيقى

يمكن تمييز العصر الذهبي للموسيقى فورًا بالأوركسترا الرنّانة والأصوات الآسرة لأعلام كأم كلثوم وأسمهان وفيروز وفريد الأطرش، الذين قد أنتجوا أغانٍ وشاركوا في أفلام غنائيّة في فترة ما بين الخمسينيات وستينيات القرن الماضي. 

هناك كذلك عزف لا مثيل له للعود في أغان العظماء كالفنّان طلال المدّاح ومحمد عبده وكثير من نجوم شبه الجزيرة العربية. تركت موسيقى وفنانين هذه الحقبة أثرًا لا ينضب في المنطقة، ويمكن التماسه حتى اليوم في كلًا من الذوق الثقافي والفنّي. لقد كان بلا شك عصرًا ذهبيًا بكل معنى الكلمة.

صوت الأرض ، طلال مداح (2021) لعبد المجيد العتيبي. بإذن من الفنان

أسفر تنامي منصات البث والتطوّر الكبير في التقنيات عن ظهور قرية معولمة، وأثّرت بشكل هائل في كيفية استهلاك وتذوق الموسيقى وحتى توزيعها. 

أتاح هذا العالم الافتراضي الذي كسر كل قيود الجغرافيا لأشخاصٍ منهم بيلي آيليش استكشاف موسيقيين من العالم العربي مثل عمر سليمان، الذي لولا التطور الواقع، لما أمكن الوصول إليه.

تفتح هذه التطوّرات المثيرة فرصًا للفنانين من كل أنحاء العالم للتعاون سويًا وقد كانوا في الماضي بعيدين كل البعد عن بعضهم، كما تجعل من الممكن إنشاء مجتمعات ذات ذوق عالمي متقارب، وتعرّف الأشخاص على موسيقى لم يعرفوا قط أنهم قد يحبونها. تضع هذه الثورة التقنية حجر الأساس لما يشبه أن يكون البيئة المثالية لقيام العصر الذهبي القادم.

العصور الذهبية

لا ينبغي على العصر الذهبي أن يكون ذكرى بديعة ضبابية تُطوى في غيابات الزمان، لأن الفن أشبه بدورة ولادة وإحياء جديدة، حيث يخلق التفكّر لمن كانوا قبلنا فهم حافزًا لخلق عصرٍ جديد من الانجازات. 

لا ينبغي أن يعيق الحنين مسير أو حماس اليوم أو أن يصرفنا عن التطلّع للمستقبل. فمن الممكن أننا اليوم نحيا في زمان سيدعوه أحفادنا بالعصر الذهبي، وقد تفوّته في أقل من طرفة عين.

إعادة تعيين الألوان