الطبيعة والذهب
من مجموعة "صحراء من الذهب" لناصر التركي، بإذن من الفنان
كانت الطبيعة الساحرة وأسرارها هي مصدر الإلهام الأول لذلك الفنّ البارع الذي أبدعه الفنّان ناصر التركي والذي يُعرض الآن في معرض نايلة.
بدأ التركي رحلته الفنية منذ 40 عامًا عندما كان في التاسعة من عمره، حين سأله معلمه إذا كان يرسم ما يراه حقًّا أم ينسخ ما يرسم أقرانه. وفي تلك اللحظة بعينها، أدرك أن عليه أن يتأمل ويتبصّر بما يراه من حوله.
تعلّم التركي أساسيات الفنّ من المدرسة، ومارس الرسم من المناظر الساحرة التي تطل عليها نافذته، وبحث متعمّقًا في الكتب، وجرّب واستكشف بالمواد والألوان.
يعتبر التركي الفنّ شغفه ومحور يومه؛ فهو يقضي معظم وقته في مرسمه متمعنًا في فنّه إلى حد أنه ينسى نفسه تمامًا. وقد قيل له غير ذات مرّة أن بعض الزوّار والأصدقاء كانوا في ضيافته أثناء عمله لكنه لم يلحظ وجودهم قط. لا عجب إذن أنه يصف فنّه بأنه أشبه بحلمِ يقظة؛ ليبصر الكون من منظور آخر.

من مجموعة "صحراء من الذهب" لناصر التركي، بإذن من الفنان
يقول التركي: "جميع معروضاتي هي دراسة امتدت لأبعد من مجرد حدود لحظة فريدة". وتعّد دراسته التي ألهمته لإبداع مجموعته البارعة "صحراء من الذهب" هي المنظر الطبيعي الذهبي الممتد والطبيعة الساحرة المحيطة بمسقط رأسه حائل. حيث بدأت هذه الدراسة على مراحل منذ عام 2018م حتى اليوم، وهي دراسة تتناول الصحراء وتكويناتها من الجبال والصخور وحتى النباتات والطبيعة بشكل مجمل.
"كانت الصحراء أرضًا فضاءً بلا كنوز ولا ثروات ولم يستطع البشر التنقل فيها دون معرفة بمواقع النجوم والمياه". أسرتْ هذه الفكرة اهتمام الفنان ودفعته للمضيّ قدمًا في استكشافه واستقصائه، بما في ذلك بحثه حول أدوات الملاحة مثل "الاسطرلاب"، والتي تعّد موضوعًا مركزيًا لبعض أعماله الفنّية.
علاوة على ذلك، فقد أراد استكشاف نسيج وبنية وألوان الطبيعة وما يحيط به، بما في ذلك ألوان الصخور والحجارة الفعلية على الأرض.
"لترجمة دراستي ورؤيتي إلى أعمال فنّية حقيقية، صنعت بنفسي اللون والملمس الذي استخدمته في عملي". لا تعجب الألوان الاعتيادية المألوفة التركي ولا ترضيه؛ لذا فقد صنع كل لونٍ استخدمه في تحفته الفنيّة بمزج ألوان موجودة بالفعل حتى حصل على نتيجة ولون مرضيين، وهي عادة بدأها وطوّرها منذ عام 2008م. وفي مجموعة الأعمال هذه بالذات، كان مهتمًا كذلك بملمس الألوان ليتقن توصيل احساس الصحراء للرائي؛ لذلك أضاف بعض الشمع إلى المزيج ليمنحها شعورًا ثلاثي الأبعاد. وقد تمكن من تنفيذ أمواج الرمال من خلال هذه الخلطات. لم يصنع لون الذهب فحسب في عمله، لكنه صنع كافّة الألوان كذلك في أعماله كجزء من عمليته الفنّية واستكشافه.
"تعلّم القواعد ثم تمرّد عليها لتخلق شيئًا مبتكرًا حقيقيًا" هكذا كان التركي قد تعلّم كيفية تطويع الألوان لصالحه، بالإضافة إلى خرق القواعد، وذلك من خلال صنع ومزج ألوانه الخاصة لينتج شيئًا يتناغم مع رؤيته.

من مجموعة "صحراء من الذهب" لناصر التركي، بإذن من الفنان
يقول التركي: "الثروة ليست مقتصرة على الذهب فحسب". ثروة الذهب لا تكمن في ماديته فقط، إنما في ترجمة عاطفة وشعور الثروة، فقيمة الذهب الكبرى تكمن في استخدامه لغويًا؛ إذ يستخدم كوسيلة أدبية أكثر منها حرْفية. ربما قد يكون له بعض الدلالات المادية، لكن ما يمثله أكثر بكثير مما يعنيه معناه الحرفي. تسمية المجموعة باسم "صحراء من الذهب"، هي طريقة للتعبير عن لون الطبيعة، ولكن أيضًا "للتعبير عن القيمة التاريخية والتراثية للأرض".

من مجموعة "صحراء من الذهب" لناصر التركي، بإذن من الفنان

من مجموعة "صحراء من الذهب" لناصر التركي، بإذن من الفنان
"راقب، ارصد، ابحث، اطّلع، تأمّل، تعمّق، اختبر، استكشف، واطرح الاسئلة". لقد قام التركي بكل ما سبق لكي يفهم بشكل أفضل كيف يريد إنتاج أي عمل فنّي. ففي بعض الأحيان، لا تسفر الجهود عن أي شيء حقيقي أو متماسك، مثل تعمّقه في دراسة الطاقة النووية كمصدر مستدام للطاقة. بحث التركي في أمر الطاقة من أجل السلام ومحطات توليد الطاقة والتقدم التقنيّ والمعمار؛ سعيًا لاستخدام بعض العناصر لصنع شيء ما، إلا أن هذا البحث لا يزال يعد (شعلة فضول) قيّمة. يقيّم التركي تفكيره وانحيازاته وأبحاثه وأعماله وآرائه؛ ليترجم تجاربه الحياتية إلى عمل فنّي على أفضل وجه.
أصدر ناصر التركي مجموعًة تسبر أغوار الطبيعة وتفسّرها من خلال عينيه وبحثه، ويتطلّع لصناعة محتوى يشرح ويفسّر تجاربه وعالمه أيضًا. ولما كان الفنّ يمثله، فإن فنّه يصفه بأنه: مذهل وغامر وذهبي!