نحن نعد شيئًا رائعًا من أجلك.

كنز النبي سليمان عليه السلام
الكنوز العربية

كنز النبي سليمان عليه السلام

كنز النبي سليمان عليه السلام

خريطة استخدمها بعض المسافرين لتحديد منطقة أوفير - افترضت هذه الخريطة أنها تقع بالقرب من الهند.

بقلم غادة المھنا ابا الخیل
April 25th, 2022

عندما نهمّ باستكشاف التاريخ الإنساني فإننا نسمع بكثير من ملاحم الممالك والامبراطوريات. فواحدة من أشهر هذه الملاحم هي قصة الملك سليمان، والذي يعرفه المسلمون باسم النبي سليمان عليه السلام. حكم هذا النبي الجليل مملكًة مترامية الأطراف زاخرة ومترفة، وعُرفت بأشياء كثيرة من ضمنها ثروتها العارمة، والتي جعلت النبي سليمان واحدًا من أثرى ملوك زمانه. 

لقرونٍ طويلة كانت هناك تكهّنات بأنه قد تم تجميع وكَنز هذه الثروة. وقد أشار كثيرون إلى المناجم والمعادن الطبيعية التي تم العثور عليها واستخراجها من مناطق قريبة ومحيطة لمملكة النبي، وتم التوصّل كذلك لأحد المناطق التي أمكن استخراج ذهب خالص صافٍ منها، وتُدعى منطقة أوفير، حيث ذُكرت أوفير في العهد القديم كمكان يُستخرج منه الذهب والفضة والنحاس، ويحوي كثيرًا من القردة والطواويس. 

كانت المملكة منعمّة راغدة نظرًا لموقعها، ولكن بمرور الزمن تضاءلت المعرفة بموقعها حتى اختفت في طيّات التاريخ؛ لتصبح أرضًا غامضًة نعرفها فقط من الأساطير. 

كان الاهتمام بموقع أوفير يزيد وينقص من حين لآخر، إلى أن أولى العلماء الأوروبيون عنايةً حقيقة بالبحث عنها إبّان الحقبة الفيكتورية. انطلق بعض الأفراد والباحثين مثل كريستوفر كولومبوس وكارل بيترز وغيرهم الكثير في بحثٍ واسع ومضن يعبرون المحيطات والقارات طلبًا لهذه المناجم القديمة وكنوزها وحواياها، إذ تم نشر هذه الرحلات لاحقًا في الروايات الفيكتورية حيث يقرأ القرّاء فيها عن المناجم التي قد تكون إما في غرب أفريقيا أو الهند أو الفلبين أو استراليا.

لكن وحتى عند ذهابهم لهذه المناطق، لم يعثروا على هذه المناجم، وسرعان ما اختفى الأمل في العثور عليها شيئًا فشيئًا. 

إلا أنه وفي عام 1932م ومع تأسيس المملكة العربية السعودية، بدأت الأمور تتغيّر قليلًا. فقد وكّل الملك عبد العزيز -رحمه الله- في هذا العام رجل الأعمال الأمريكي تشارلز ريتشارد كرين بالبحث والتنقيب عن الموارد الطبيعية في البلاد. وعليها تنقّل العديد من المهندسين وعلماء الجيولوجيا الذين عيّنهم سيد كرين حول المملكة، من ضمنهم كي.اس. تويتشل الذي تم ابتعاثه إلى مهد الذهب مع خبراء آخرين. 

تقع منطقة مهد الذهب على بعد 380 كيلو متر من شمال شرقي المدينة المنورة في الجانب الغربي من المملكة. وبمجرد وصوله مع فريقه المنتدب إلى المنطقة المعنية وبدئهم عمليات البحث والتنقيب الأولية، أفاد تويتشل أن حفريات الذهب في مهد الذهب، هي أكبر مما قد رأى قطّ داخل المملكة، بل ويمكن التخمين بأن تكون هذه المنطقة هي المصدر الأصلي لذهب الملك (النبي) سليمان. 

يشكّك الكثيرون في صحة بيانه، ربما لنقص الدليل على وجود منطقة أوفير. فالمنطقة على أية حال ذُكرت في قصص الكتب المقدسة فحسب، فلا يمكننا التأكّد بقدرٍ كافٍ. إلا أنه وبحلول 1946م، تغيّرت هذه الرواية بالكامل؛ حيث توجّه الانتباه إلى مهد الذهب باعتباره الموقع الفعلي للمناجم القديمة للنبي سليمان.

الذهب من أوفير وحتى بيت حورون - 30 شيكل

في تل قسيل، المدينة الأثرية القريبة من تل أبيب، وُجِدت قطعة فخار منقوشة تُؤكّد أن أوفير هي المكان الذي جاء منه الذهب بالفعل. تم فك شفرة من النقش تقول (الذهب من أوفير وحتى بيت حورون - 30 شيكل). ما أثبت أن هذه المنطقة موجودة فعلًا، ومن هنا تأجّج الحماس للبحث عن المناجم من جديد في كثير من المجتمعات وعليها وفد كثير من الرحّالة مجددًا إلى المناطق السابق ذكرها؛ ليتتبعوا خطوات من قبلهم في أمل بالعثور على الكنوز.

الذهب من أوفير وحتى بيت حورون - 30 شيكل

بين عامي 1939 و1954م، تواصلت الجهود لاستخراج الذهب في مهد الذهب. وكان لازال هناك الكثير من الشكوك لدى المنقّبين، إلا أن المعادن عُثر عليها أخيرًا ما بين عامي 1972 -1975 م وخلال هذه السنوات الثلاث، نفّذت المديرية العامة للثروة المعدنية في المملكة بتعاون مع المسح الجيولوجي للولايات المتحدة بعثات استطلاعية؛ لاستكشاف وفحص مستودعات ورواسب الذهب القديمة في المنطقة بشكل أكثر عمقًا. 

وما توصّلوا إليه هزّ مجتمع المنقّبين بالكامل! 

أثبتت تحرياتهم أن المناجم القديمة في مهد الذهب قد تكون بقدر ثراء ووفرة مناجم النبي سليمان، ما يعني أنها قد تكون فعلًا مناجم أوفير القديمة وفي محاولة لإثبات أو دحض هذه الفرضية، أجروا اختبارين، أولهما هو المسافة بين ميناء خليج العقبة ومهد الذهب والمدة التي استغرقها اجتيازه، والثاني هو احتماليّة أن تكون كميّة الذهب في مستودعات مهد الذهب هي ذاتها الكمية التي امتلكها النبي سليمان.

في اختبارهم الأول، وجدوا أنه يسهل الوصول إلى مهد الذهب من ميناء خليج العقبة بحرًا بالسفن، وخلصوا كذلك إلى سهولة الوصول إليه بالبر إذ كان في مسار الطرق التجارية القديمة في الجزيرة العربية، وبالأخذ في الاعتبار أن التنقيب والتعدين هو جزء من تاريخ المملكة القديم حيث يعود لعام 3000 قبل الميلاد، فهذا الافتراض لن يكون بعيدًا للغاية. 

وفي اختبارهم الثاني، أخذوا عينات من بعض المنحدرات التي من شأنها إظهار أعمار عمليات الحفر وتقدّير كمّ الذهب الذي كان سيتم إنتاجه على إثرها. وجاءت النتائج أن عمليات التعدين كان بإمكانها إنتاج 31 طنًا متريًا من الذهب، والذي سيكون قيمته اليوم بأكثر من مليارات الدولارات. علاوةً على ذلك فقد عقدوا مقارنة بين كمية الذهب تلك بكمية الذهب التي قيل إنها القدر التي امتلكته مملكة النبي سليمان. 

وبهذه التجارب والاختبارات التي تثبت الفرضية، فإن هؤلاء العلماء الآن يثقون بأن منطقة مهد الذهب قد تكون أرض أوفير المفقودة. وللأسف، فإنه لم يجر التعمّق في التاريخ العريق لهذه المنطقة منذ حينها، لذلك فإنه من الأهمية بمكان أن يتم تدارس ومباحثة تاريخ مهد الذهب؛ لكشف مزيد من قصص الجزيرة العربية الخفيّة، والتي بدورها لن تثري الجزء الخاص بنا من تاريخ المملكة فحسب، ولكن تثري كذلك تاريخًا عالميًا مشتركًا.

كنز النبي سليمان عليه السلام
إعادة تعيين الألوان