“عصر الاسـتدامة”

حصريـاً فـي هـذا العـدد الخـاص مـن إثرائيـات، نقـدم لقـاء مــع ســعادة باتريــك ســيمونيه، ســفير وفــد الاتحــاد الأوروبــي لــدى المملكــة العربيــة الســعودية ومملكــة

البحريـن وسـلطنة عمـان، حيـث يشـاركنا رؤيتـه وآرائـه حـول الاسـتدامة والفـن والمشـاريع الحاليـة والمسـتقبلية بيـن الاتحــاد الأوروبــي والمملكــة العربيــة الســعودية.

ماذا يمثل الفن بالنسبة لك؟

يمثــل الكثيــر لــي ولعائلتــي، فبعــد أن عملــت والدتــي كممرضــة، أصبحــت مؤرخــة فنيــة وتخرجــت مــن كليــة اللوفــر، ثــم عملــت فــي العديــد مــن المعــارض الفنيــة فــي باريــس. لقــد اســتطاعت تحريــر نفســها عبــر الفــن، وقــد صحبتنــي أنــا وأختــي لزيــارة العديــد مــن المتاحــف التـي يصعـب حصرهـا، وغرسـت فـي أذهاننـا الكثيـر، ولا تــزال أختــي تعمــل فــي مجــال النحــت والرســم، حتــى أنــا قضيـت جـزءاً مـن شـبابي فـي الرسـم والتلويـن، وكنـت أرســم علــى أي شــيء حتــى علــى الأرض أو الجــدران فــي باريــس. ثــم قمــت بنقــل هــذا الشــغف إلــى أبنائــي وهــم الآن مــن الفنانيــن الناشــئين، بالرغــم مــن أنهــم لا يفضلــون الذهــاب للمتاحــف كثيــراً، ولكــن لا غنــى لــي عــن الفــن فــي حياتــي، حيــث يســاعدني علــى إيجــاد معنــى لهــا.

هـل هنـاك أي مبـادرات حاليـة أو مسـتقبلية بين الاتحـاد الأوروبـي والمملكـة العربية السـعودية؟ وهـل يتعلـق أي منهـا بالثقافـة أو الفنون؟

نتابــع بحمــاس واهتمــام شــديدين تطــورات المشــهد الثقافــي فــي المملكــة، حيــث يوجــد العديــد مــن المحترفيــن مــن مختلــف المجــالات الفنيــة لعــرض إبداعاتهــم ومهاراتهــم. كمــا ســعدت أيضــا بحضــور مختلــف الفعاليــات مثــل أســبوع مســك للفنــون أو بينالـي الدرعيـة للفنـون المعاصـرة، وأتمنـى أن أسـتطيع حضـور أكبـر عـدد مـن الفعاليـات الثقافيـة فـي المملكـة، ً وهــي فعاليــات رفيعــة المســتوى أبهرتنــا جميعــاً.

وكمــا يعــرف العديــد مــن الســعوديين، تحتــل الثقافــة أهميــة تاريخيــة واجتماعيــة واقتصاديــة فــي أوروبــا، ونحـن حريصـون علـى تقديـم الثقافـة الأوروبيـة للشـعب الســعودي وتســهيل التبــادل الثقافــي مــع الشــعوب الأوروبيــة فــي العديــد مــن المجــالات كالموســيقى أو الســينما أو التعليــم. فضــلاً عــن الأنشــطة التــي تقــوم بهــا حاليــا ســفارات عشــرين دولــة مــن الــدول الأعضــاء بالاتحـاد فـي الريـاض. كمـا نحـرص علـى تسـهيل عمليـة بنــاء القــدرات ومشــاركة الخبــرات. وفــي هــذا الصــدد، لدينــا القــدرة علــى جلــب الخبــرات الأوروبيــة فــي العديــد مـن المجـالات، إذا مـا كان مفيـدا لنظرائنـا السـعوديين.

أمـا بالنسـبة للفعاليـات القادمـة، فإننا نجهـز حاليا لتنظيم مهرجــان الســينما الأوروبيــة فــي المملكــة. فالســينما فـن عالمـي يسـاهم فـي فكـرة تسـهيل التبـادل الثقافـي مـن خـلال هـذا المهرجـان. سـتعرض أفـام مـن مختلـف الـدول الأوروبيـة، لكـن نعمـل أيضـا علـى دعـوة عـدد مـن صنــاع الأفــلام الأوروبيــة إلــى الريــاض للتواصــل مــع نظرائهــم الســعوديين. كمــا نرغــب فــي إقامــة مهرجــان الطعـام الأوروبـي هـذا العـام فـي الريـاض، ونحـن نعـرف مـدى حـب السـعوديين للطعـام، ونشـاركهم هـذا الولـع

مــا هــي الاســتدامة، ومــا هــي المشــروعات الحاليـة أو المسـتقبلية الأكثـر أهميـة المتعلقـة بالاســتدامة فــي الاتحــاد الأوروبــي؟

أضحـت الاسـتدامة أمـرا لا بُـد منـه، فالنـاس مـن جيلـي عاشـوا جميعـا بمحدوديـة عالمنـا ومـوارده. لـم يعـد هـذا ً الأمـر ممكنـا آلان، وعلينـا أن نعـرف ماهيـة الاسـتدامة. باعتقــادي أن الاتفــاق الأخضــر الأوروبــي هــو المبــادرة الأكثــر أهميــة فــي هــذا الشــأن، وهــو باختصــار عبــارة عــن مجموعــة مــن المبــادرات السياســة التــي تتخذهــا المفوضيــة الأوروبيــة بهــدف جعــل الاتحــاد الأوروبــي محايــداً مناخيــا بحلــول عــام 2050.

يتخــذ الاتحــاد الأوروبــي إجــراءات حازمــة لتحقيــق هــدف خفــض صافــي الانبعاثــات بنســبة 55 %علــى الأقــل بحلــول عــام 2030 ،وفــي ســبيله لتحقيــق حياديــة المنــاخ بحلــول عــام 2050 .أصبــح كلا الهدفيــن مــن ضمـن الالتزامـات القانونيـة فـي قانـون المنـاخ بالاتحـاد الأوروبــي، لكــن لــن يُكتــب لهــذه الخطــة النجــاح مــا لــم نتعــاون ســويا مــع شــركائنا.

يقــدم الاتفــاق الأخضــر الأوروبــي فرصــة رائعــة للمزيــد مــن المشــاركة الإســتراتيجية مــع شــركائنا فــي الخليــج فــي هــذه المســاعي، والمملكــة العربيــة الســعودية لديهــا خطــة طموحــة، تحــت قيــادة صاحــب الســمو الملكــي الأميــر محمــد بــن ســلمان ولــي العهــد، حيــث شــهدنا إعــلان مبادرتــي الســعودية الخضــراء والشــرق الأوسـط الأخضـر فـي شـهر أكتوبـر مـن العـام الماضـي. ونحــن نرغــب فــي العمــل ســويا، حيــث يمكــن للاتحــاد الأوروبــي أن يشــارك خبراتــه ومعارفــه لتســريع الانتقــال نحــو خفــض الانبعاثــات وتحقيــق الاقتصــاد الدائــري كمحفــزات للتنويــع للاقتصــادي، مــع التركيــز بصفــة خاصـة علـى الاسـتثمارات المسـتدامة والنمـو الأخضـر.  وقــد أظهــرت دول الخليــج اهتمامــا ً خاصــا بمثــل هــذا النــوع مــن التعــاون، ونحــن نّعــول علــى منطقــة الخليــج والمملكــة بشــكل خــاص كمصــدر مســتقبلي لصــادرات أوروبــا مــن الطاقــة المتجــددة، لا ســيما الهيدروجيــن الأخضــر والأزرق.

لــذا، فنحــن نتابــع بالمزيــد مــن الاهتمــام التطــورات الرئيســية التــي حدثــت فــي المملكــة فيمــا يتعلــق بالهيدروجيــن، أحــد العناصــر المهمــة فــي الاقتصــاد الدائــري الكربونــي، بالإضافــة إلــى المشــروعات الرائــدة كمدينــة نيــوم. كمــا نتطلــع لتنفيــذ كافــة أوجــه مبادرتــي الشــرق الأوســط الأخضــر والســعودية الخضــراء. هــذه مبـادرات واعـدة، ونحـن حريصـون علـى استكشـاف أوجـه الترابــط وســبل تعزيــز التعــاون عبــر الحــوار بيــن الاتحــاد الأوروبــي والمملكــة العربيــة الســعودية.

ما هي بعض المفاهيم الخاطئة الموجودة لدى الناس هنا عن الاتحاد الأوروبي؟

أقول بأنه بينما يعرف الشعب الكثير عن أوروبا والدول الأوروبية، إلا أنهم لا يعرفون الكثير عن الاتحاد الأوروبي. لذا، فالتحدي الذي يواجهنا هو رفع مستوى المعرفة بالاتحاد الأوروبي بين الشعب السعودي. وبالرغم من غياب المعرفة، فإن علاقاتنا تضرب بجذورها في العديد من المجالات من بينها العلاقات السياسية والاقتصادية والتعاون التجاري والطاقة والتغير المناخي والثقافة والتعاون الأمني. ونحن فخورون بأننا ثاني أكبر شريك تجاري للمملكة في العالم.
 

وفيما يتعلق بالمفاهيم الخاطئة أو الفجوات المعرفية، نأمل في المزيد من التواصل والتبادل الثقافي لرأب الصدع وبناء التفاهم المتبادل. على سبيل المثال، نظمنا هذا الشهر بالتعاون مع معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية دورة تدريبية مكثفة لخمسة وثلاثين دبلوماسياً من السعودية وعُمان والبحرين حول شؤون الاتحاد الأوروبي، وذلك للمساعدة في عملية إعدادهم لتمثيل بلادهم لدى العديد من العواصم الأوروبية.

ما هو شعارك في الحياة؟

هناك العديد من الشعارات التي أتبعها. لكن شعاري المفضل من فيلم “جول وجيم” للمخرج فرانسوا تروفو، عندما ذكرت إحدى الشخصيات بأنها ترغب في أن تتمتع “بالفضول المهني”. وأنا أحب أن ينتابني الفضول حول الناس والأشياء والطبيعة. واهتمامي بالفنون ينبع من هذا الفضول. إذا انتابك الفضول نحو شيء ما، سوف تعيش مغامرات رائعة وتتعلم احترام الشعوب وعاداتهم ومعتقداتهم.

ما هي الأماكن التي زرتها في المملكة، وأيها أعجبتك ولماذا؟

زُرت العديد من المناطق حول المملكة مثل جدة والعُلا والدمام والقصيم وأبها، وأخطط إن شاء الله لاستكشاف المزيد من المناطق الرائعة هذا العام 2022. إذا ما كان هناك مكان واحد أثار اهتمامي فهو منطقة حائل. حيث كانت رحلتي هناك لا تُنسى، نظراً لما لمسته من كرم الضيافة وحُسن المعاملة، فضلاً عن مواقعها التراثية. وقد سنحت لي الفرصة لزيارة جبل راط والمنجور، واللذان يُعدان من الكنوز التراثية السعودية. وتشهد الأعمال الصخرية التي تركتها حضارة ثمود والأنباط على تاريخ المملكة الممتد لأكثر من 10 آلاف عام. انبهرت للغاية برؤية النقوش الأثرية تلك، والتي ذكرتني بأهمية الحفاظ على كوكبنا وتراثنا الإنساني للأجيال القادمة. والمملكة العربية السعودية تتمتع بالعديد من المواقع الأثرية ولديها الإمكانات الهائلة لكي تصبح مقصداً سياحياً مهماً لجميع محبي التاريخ والفنون والثقافة.

هــل يمكــن أن تُرينــا بعضــاً مــن الأعمــال الفنيــة المُ فضلــة لديــك (ســواء الموجــودة فــي مقــر المندوبيــة أو المنــزل)، ولمــاذا تحبهــا؟

اخترت رسمة “القوارير” للفنانة التشكيلية السعودية أحام الشدوخي، حيث تصور اللوحة المرأة السعودية، العمود الفقري للمجتمع السعودي والمجتمعات كافة حول العالم. أكثر ما أعجبني هو كيف تُشير الفنانة نفسها إلى لوحاتها التي تصور المرأة بقولها إنها تتمتع بالرقة والصلابة في الوقت نفسه. فالنساء حول العالم يتعلمن كيف يتمتعن بالمرونة والقوة، من أجل الفوز باستقلالهن وكسر السقف الزجاجي “للقوارير”. المملكة العربية السعودية تشهد نجاحات في تمكين المرأة وفتح مجال العمل أمامهن. حيث تمثل المرأة حالياً 33 % من القوى العاملة، وهو من الإنجازات التي يدعمها الاتحاد الأوروبي بشدة. وعودة إلى هذه اللوحة، فإنني ببساطة أحبها لجمالها.

هل ترغب في إضافة أي شيء آخر؟

ربما قد أغفلنا أن العديد من علماء المسلمين في العصور الوسطى قد جلبوا على مدى قرون طويلة الفنون والعلوم والتقنية والمعرفة إلى أوروبا وأثروا ثقافتنا وحضارتنا. ومؤخراً جلبت أوروبا أيضاً للعالم الإسامي ومنطقة الخليج الكثير من الإبداعات وأساليب الحياة الحديثة وطرق التضامن والتنمية الاقتصادية (وآخرها لقاحات كورونا). وإنني على قناعة بأن هذا التبادل الرائع سوف يتواصل مدفوعاً بالاهتمام القوي للتعرف على ثقافة الآخر وتاريخه. وهذا ما يحفز مهمتي في المملكة.