في رأيي، الفن هو الحياة وهو الجمال. الفن ليس فقط اللوحات التي نقتنيها ونعلقها على الحوائط. الفن يعمق إنسانيتنا لأنه يحفز فينا الإحساس بالحياة ويلهمنا بالجمال وبالأفكار وبالمشاعر الإنسانية العميقة التي تتجاوز الروتين اليومي. الفن يخاطب الوجدان والروح والعقل كما أنه يمنح المتعة غير المادية فهو يصل إلى جوانب في أعماق الإنسان لا يصلها العلم ولا تصلها التقنية. ومن أهم خصائص الفن بأنواعه البصري واللغوي والأدائي أنه ينمي فينا الذائقة الرفيعة. وكل إنسان يمارس الفن بطريقته الخاصة بشكل يومي ولكن بدرجات متفاوتة. الأشخاص الذين يتسمون بذائقة عالية في السكن والمواصلات والأكل والأزياء وفي مظاهر الحياة العامة هم أشخاص يعيشون الفن بدرجة عالية ويتذوقونه بشكل مباشر. الأشخاص الذين لا يشكل الفن جرعة مباشرة في حياتهم ولكنهم يتلقونه بشكل غير مباشر، هم أشخاص لديهم الفرصة لتحسين نوعية حياتهم عبر تذوق الفن. والفن متطلب أساسي لإنشاء الحضارة والصناعة والتنمية. كلنا يعشق المدن الجميلة التي تزخر بفنون العمارة وتعطي خيارات فنية لزوارها
والمقيمين فيها. كلنا يعشق السيارات ذات التصميم البديع. نجاح (الآيفون) ومنتجات شركة أبل لا يقتصر على النجاح التقني بل أيضا على الجانب التصميمي والجمالي وتجربة المستخدم. جوانب الفن والإبداع ترتقي بالشيء من العادي إلى المتميز. فنحن لا نكتفي فقط بالنواحي الوظيفية عندما نقتني منزل أو سيارة بل أيضا بالجوانب التصميمية وجودة التصنيع، وهذه عناصر في صميم الفن. ولا يمكن لحضارة أن تستمر أو تتطور بدون الفن. فالعلم لوحده مهم جداً ولكنه لا يكفي لبناء الحضارة. لا بد للنظر إلى العلم والفن كتوأم في بناء الحضارة. أيضا الفن يؤرخ للعصر بلغة عالمية مفهومة رغم اختلاف الثقافات وتعدد اللغات. تجدين مسيرة الفن عبر التاريخ منذ رسومات الكهوف في العصر الحجري إلى الفنون الرقمية وفنون العوالم الخيالية هي انعكاس لمسيرة الإنسان عبر التاريخ ولا تحتاج لمترجم. وأخيراً أصبح للفن دور علاجي لبعض الأمراض كالاكتئاب والإنطواء وغيرها وكذلك تفريغ المشاعر السلبية التي يمر بها الإنسان من ضغوط العمل ومتطلبات الحياة.

“معاً نصنع الحياة” ، مجموعة تحول براميل النفط إلى فنون ومنازل للنباتات

“معاً نصنع الحياة” ، مجموعة تحول براميل النفط إلى فنون ومنازل للنباتات
براميل النفط وعبوات الزيوت والمنتجات البترولية تستخدم ثم يعاد تدويرها في نفس المجال. ظهرت فكرة التعامل معها بيد الفنان لتحويلها إلى قطع فنية جمالية ذات نفع ويمكن أن يكون لها مردود مالي واقتصادي، مثلا استخدامها كأوعية للزرع بشكل يمتع نظر الناس، وهذا يتطلب من الفنان تفكير خارج الصندوق بكل تأكيد، حيث يعطي المنتج شكل جديد وعمر جديد وتضفي عليه روح من الاستدامة.
مثال آخر: كفرات السيارات. نراها مهملة في مكبات النفايات وتشكل تلوثاً بصرياً في المدن، عملت على إعادة تدويرها لتصبح قطعة أثاث جميلة وتستخدم كمخزن للأحذية،بحيث لا تأخذ مساحة من المكان وتكون ذات طابع جمالي بإضافة بعض الأقمشة عليها وإعادة صياغتها بغطاء متحرك.
لاستدامة أصبحت القضية الكبرى في العالم اليوم. والاهتمام بالبيئة ليس أمراً جديداً في الفن ولكنه حتما أصبح قضية أساسية في فن القرن الحادي والعشرين. على سبيل المثال أزمة التغير المناخي وتحدياته هي مشكلة تهدد مستقبل البشرية. والفنان جزء من المجتمع المحلي والعالمي. ولكن الفنان لديه استشعار أعمق في التقاط ما يدور في المجتمع من مستجدات وقضايا، والعمل على تحويلها إلى أعمال فنية ثمينة ومبتكرة في شكلها واستخدامها.
على سبيل المثال نحن نعيش في عالم مكتظ بالنفايات وتعودنا على نمط الحياة الاستهلاكي الذي يعيشه العالم، والذي ازداد في الـ100 سنة الأخيرة على كب كل ما هو زائد عن حاجتنا. فكرة إعادة تدوير المنتجات ليس فقط فكرة اقتصادية وبيئية بل يدخل فيها الفن أيضا. مؤخرا بدأت تنتشر مفاهيم الاقتصاد الدائري الذي يتضمن إعادة التدوير وإعادة الاستخدام. الفن يمكنه أن يخلق منتجات جديدة ذات طابع جمالي من النفايات والمواد القديمة والمستعملة بما يتوافق مع المعايير البيئية، ولا بد هنا الإشارة إلى أن بعض النفايات بها مواد خطرة فلا بد للفنانين أن يتعاملوا معها بدراية.

مخزن أحذية من الإطارات المعاد تدويرها مشروع هند الثرمان.
لا أعيش بشعار واحد، فأنا منفتحة على الأفكار وأسعى لتجربة عدة أشياء، ولكن إذا كان لدي شعار فهو نشر الفن بكل صورة ونشر الجمال للعالم، فالفن رسالة سامية للأجيال ويعتبر من أهم مكونات القوة الناعمة للدول والمجتمعات، وهناك عدة أفكار مثيرة للاهتمام.
وبحمد الله مع رؤية 2030 والتحولات التي تعيشها المملكة والانفتاح على الفنون بشكل أكبر، وكذلك ما تقوم به مؤسسات ثقافية رائدة مثل مركز “إثراء” فإن المجتمع السعودي سيكون أكثر إحساساً بالفن وأعلى ذائقة بإذن الله وسينشأ قطاع الفن بتأثير ثقافي واقتصادي ملموس،وهذا له انعكاس إيجابي جداً على بلادنا وقدرتنا على إنتاج الإبداع وإيجاد سوق تعود بالمكسب الحضاري والاقتصادي للمجتمع.
لدينا في المملكة إرث ثقافي وبيئي غني ومتنوع وتطوير هذا الإرث من الموضوعات التي تشغلني كما تشغل الكثير من الفنانين. وفي هذا الزمن المتسارع الذي نعيش فيه أعكف حاليا على دراسة الفن الرقمي، وربما هناك وسائل لتوظيف العناصر التراثية والبيئية المحلية في الفنون الرقمية بطريقة تقدم أشكال وتعابير وتصورات مبتكرة ومثيرة للاهتمام.