أﺳﺘﺎذة اﻟﺴﻔﺮ ﺑﺎﻟﺄﻟﻮان
(اﻟﺠﺰء اﻟﺜﺎﻧﻲ) ﻣﻦ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﻠﻮن اﻟﺄﺧﻀﺮ ﻋﻦ آﺛﺎر اﻟﺪرﻋﻴﺔ وﻣﺎ ﻳﺤﻴﻄﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﺨﻴﻞ وادي ﺣﻨﻴﻔﺔ - ﻟﻮﺣﺔ ﻟﻠﻔﻨﺎﻧﺔ ﻧﻮال ﻣﺼﻠﻲ
نوال مصلي، رائدة من رائدات الفنّ التشكيليّ السعوديّات، قضت ردحًا من عمرها في دول وعواصم خارج المملكة، مع والدها الذي عمل في عدد من السفارات والقناصل السعوديّة في الخارج، مكّنها ذلك من الاطلاع على ثقافات وتجارب وتضاريس متنوعة
لكنّها ما إن عادت إلى المملكة حتى عوضت ذلك الغياب الطويل عن أراضيها بعمل فنيّ واسع، يوثق طبيعة الاتجاهات السعوديّة الأربعة، وتراثها، وحضارتها. استغرق العمل عقودًا، وشهد تطورًا مستمرًّا في تجسيد جوانب التفرّد والتميّز الذي يطبع منطقة عن أخرى.
كانت بداية ارتباطها بمجال الفنّ التشكيليّ، والخلفيّة الشخصيّة لتبلور هذا الاهتمام لديها، من خلال دراسة مادة الرسم، بوصفها مادة أساسيّة أثناء دراستها خارج المملكة، ومن هنا بدأت تظهر ملكة الرسم. كما أنها عاشت في عائلة فنيّة في مجال الرسم، إذ سبقها والدها، والكثيرون من وسطها العائليّ. بدأت ممارسة الرسم بمحاكاة الواقع، ورسم البيئة الإفريقيّة، بحكم تواجدها هناك. تقول مصلي "كان لوالديّ التأثير غير المباشر الذي كوّن شخصيتيّ الفنيّة، من خلال بساتين منطقة الطائف أولًا، واستمرّت عبر رحلات الطبيعة خارج المملكة أثناء عمل والدي بالخارجيّة، فأكسبتني ذاكرة بصريّة لا تنسى، وكان بفضل الله أن أثمرت عن تجربتي التشكيليّة بحثًا ودراسة ".
خلال عملها على مشروع "ربوع بلادي" تعزّز انطباعها عن التنوع في السعوديّة، عن الطبيعة البكر في الأرياف والمدن السعوديّة القديمة، عن علاقة الإنسان السعوديّ بأرضه ومزرعته وطبيعة منطقته، الأمر الذي صبغ كل أشكال التعبير العمرانيّ والثقافيّ في الأزياء واللهجات وسواها.
تقول: "ما يميز دراستي في بحث جغرافيّة المملكة، الوقوف على ما وهبها الله من مناطق لها تراث وبيئة متعددة، ومناخ متنوع، منها الطبيعة الصحراويّة، والتراث المعماريّ، وكثافة النخيل بها، والطبيعة الزراعيّة بوديانها ومدرجاتها الخضراء وجبالها التي تضم أقدس منطقتين إسلاميّتين: مكة المكرمة، والمدينة النبوية".
تضيف "ربوع بلادي، هي رحلة لفنانة زادها الريشة والألوان، رحلة بفضل الله بدأت جذورها منذ الطفولة، خلال رحلات عديدة لمناطق طبيعيّة من بلدان عديدة، أثناء تنقليّ مع والدي، بحكم عمله في سفارة المملكة، وهي الحصيلة التي ألهمتني السعي للتعريف بربوع بلادي بلغة قريبة من جميع الأجناس" .
تميزت مصلي بخط مختلف في إنتاجها الفنيّ ولوحاتها المبدعة، كانت البداية بمشاركة في معرض جماعيّ برعاية الشباب عام 1402ه، بلوحة لطفلة إفريقيّة أبرزت أسلوبها اللونيّ الذي اختارته طريقًا لها.
وفي عام 1405ه أثناء المعرض الجماعيّ للفنانات السعوديّات كانت النقلة النوعيّة لعملها الفنيّ بلوحة تسبيح (مرحلة اللون الأحمر) وقد تكلّلت بالنجاح، تقول مصلي: "هذه المرحلة التي أسهمت في نهجي الفنيّ باستخدام اللون الأحاديّ، للبحث عن خطوة أخرى لاستمرار هذا الإنجاز استغرقت عدة سنوات من الدراسة بحثًا عن لون جديد وفكرة جديدة، فكانت مرحلة اللون الأخضر للطبيعة في الجنوب، بجمال وديانها، وجبالها، وتراثها المعماريّ .
وفي عام 1413ه كان معرضي الشخصيّ الأول (مرحلة اللون الأخضر) والتي لفتت الأنظار لهذا الأسلوب الجديد على الساحة التشكيليّة، وعام 1416ه كان الجزء الثانيّ من مرحلة اللون الأخضر بمعرض عن المنطقة الوسطى ( النخيل بوادي حنيفة) بالآثار المعماريّة للدرعيّة.
وعام 1425ه كانت مرحلة اللون البنيّ، وهو المعرض عن المنطقة الغربيّة مكة المكرمة، والتي شملت بعد ذلك بمعارض شخصيّة للتعريف بأجزاء أخرى من المنطقة التي تجمع بينهم التراث المعماريّ، مع التباين المناخيّ، وقد ضمت هذه المرحلة المنطقة الغربيّة (جدة - الطائف - المدينة النبوية).
وفي عام 1431ه جمعت تجربتي بين ضفتي كتاب من وحي الريشة، ربوع بلادي، وقد اقتنت مكتبة الملك فهد ٥ نسخ من كتاب ربوع بلادي، ونسخه بوزارة السياحة بالرياض". .
تضع نوال مصلي اللون حيث ينبغي له، لأنها تنظر إلى الألوان بصفتها إطاراً يضم بين جوانبه وفي فضائه المعنى والتاريخ والثقافة، في هذه اللوحة عن مدينة الرسول عليه السلام بمحيطها الجبلي (بين حرتين) وجمال نخيلها، تجسيد لنوع إنتاجات مصلي وهي تسافر بالألوان في أعماق المكان، يحيط اللون الأخضر بالمدينة النبوية الشريفة، ويبسط البياض امتداده في الحقل المعشب، ثم يعود الأخضر ويلمع على الهامة المشعّة بالرحمة المهداة.
في معرض الكتاب الدولي عام 1434ه تحت رعاية الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز بالرياض، قام وزير الثقافة د.عبدالعزيز خوجة بتكريم ثماني شخصيّات نسائيّة أسهمت في خدمة المجتمع، من بينهنّ نوال مصلي، لمساهمتها في مجال الفنّ التشكيليّ، ومرة أخرى من مؤسسة مسك في تكريمها لرواد الفنّ التشكيليّ السعوديّ .
وخلال عام ۱٤۳۷ه تم افتتاح المتحف الشخصيّ الذي يضمّ تجربتها الفنيّة واللوحات بجميع أجزائها.
عن مستقبل مشروعها، لتوثيق طبيعة وثراء مناطق المملكة، والموضوعات التي ستطرقها قريبًا، قالت مصلي: "في هذه الفترة أسعى لأعمال عن طبيعة الجنوب، برؤية جديدة، وللتراث بمكة، والنخيل بالمدينة المنورة، وأعمال أخرى تعبر عن نشاط المرأة في الجنوب بمنظور جديد" .