نحن نعد شيئًا رائعًا من أجلك.

السينما بين الأساطير والخيال العلمي
تأمّلات

السينما بين الأساطير والخيال العلمي

السينما بين الأساطير والخيال العلمي

كين بار – العمل الفني الأصلي لغلاف العدد الأول من كويستار المستوحى من حرب النجوم، ويشمل لوحة الغلاف، ودراسة تمهيدية، ورسومات تصميمية، إلى جانب مجموعة من ست قطع فنية ومجلة (ويليام جي. ويلسون الابن، 1978). الصورة بإذن من مزادات التراث: Ha.com

بقلم عبدالواحد علواني
September 30th, 2025

جذور الخيال العلمي تعود إلى الأساطير التي حاولت أن تفسّر الظواهر الكونية تفسيرًا جماليًّا مستندة إلى تصور قوى الطبيعة على أنّها خرافة، تتداخل في الهيمنة على مصائر الحياة والكائنات ومقاديرها، مع تطور المعرفة العلمية ووسائل الاستكشاف والبحث تراجعت المعتقدات المتعدّدة لصالح التفسير العلمي، دون أن تتخلّى الثقافات عن أساطيرها التي كانت غنية بخبرات حياتية تكشف عن النفس البشرية وجمالياتها، مخاوفها ورغباتها، آلامها وآمالها. وعبر العصور كانت الحالة الأدبية تعيد إنتاج هذه الأساطير في قوالب جديدة تناسب الأحوال المستجدّة.

مع ظهور الشاشة الساحرة (السينما) بات تجسيد الأساطير من خلال لوحات مفعمة بالحركة ممكنًا، وأصبح بإمكان الخيال أن يتجاوز الكلمات والرسوم والتماثيل الجامدة، واختلطت النصوص التاريخية بالأساطير لتنتج أفلامًا جذبت الناس بشدّة، تمتّعهم، وتحمل رسائل كثيرة إليهم. 
 

ولأنّ الخيال العلمي قديم ومؤثّر، فهو قريب من بنية الأسطورة في تفاسيرها، ويتطلّع نحو المستقبل، وفي ظل ثورة علمية عارمة، أصبح من الميادين الرئيسية للصناعة السينمائية منذ بداياتها. أول فيلم من أفلام الخيال العلمي كان الفيلم الفرنسي رحلة إلى القمر (Le Voyage dans la Lune) سنة 1912. تصاعد الاهتمام بهذا النوع إنتاجًا ومتابعةً مع تطور تقنيات السينما، وتفاعل صناعتها مع الثقافة الحديثة وتقدم التكنولوجيا. 

يقول جوزيف كامبل: "الأسطورة قصة رمزية توصلنا إلى تجربة المعنى الأعمق للحياة، أمّا الخيال العلمي فهو استبصار بالممكن، وطرح تساؤلات حول مصير الإنسان في ظلّ التقدّم التقني". ويقول ميرسيا إلياد الفيلسوف المتخصّص في الأساطير: "الإنسان المعاصر يفكّر بالعلم، ويشعر بالأسطورة، ويحتاج إلى طقوس رمزية لمعرفة موقعه في العالم"، والخيال العلمي يحقّق هذه الثنائية، أحداث مبينة على الممكنات العلمية، مع استعارة الموضوعات الأسطورية حول الفعل الخارق، والبطولة والحياة والموت. 

والأسطورة تمنح الخيال العلمي أبعادًا رمزية تضفي رؤية وجودية على التطور التكنولوجي، وتربط المستقبل بتراث إنساني عريق، وتجعله في سياق بناء هويات ثقافية تعبّر عن آمال الشعوب ومخاوفها من جهة، وتطرح إشكاليات الصراع المحتملة بين الإنسان والآلة، وحديثًا بين العقل والذكاء الاصطناعي من جهة أخرى.

 

ملصق فيلم "رحلة إلى القمر" (1902)، أحد أوائل أفلام الخيال العلمي في السينما الفرنسية، أخرجه جورج ميلييس، ويُعدّ عملاً استشرافياً شكّل انطلاقة الخيال السينمائي. حقوق الصورة: أرشيف MSM,  Alamy Stock Photo. 

لم تكتفِ أفلام الخيال العلمي بطرح قضايا علمية أو مستقبلية، بل أعادت توظيف نماذج أسطورية مثل: البطل المختار، النبوءة، الرحلة الكبرى، الموت والبعث، العالم الآخر.. فالنماذج الأصل تسكن اللاوعي الجمعي، وتظهر في السرد الفني مهما تغيّرت الأزمان والمعارف، كما يقول كارل يونج. من هذه الأفلام:

● سلسلة حرب النجوم (Star Wars): وفيها دعوة إلى المغامرة، وعبور العتبة، ومواجهة البطل للمحنة العظمى، ثمّ الانتصار بالعلم، وهذه البنية تُستعاد بوضوح في "لوك سكاي ووكر" في انتصاره على الجانب المظلم، مستعينًا بطاقة روحية قريبة من مفاهيم شرقية مثل عقيدتي الطاو والبرانا اللتين تدعوان للعودة إلى الطبيعة.

● ستار تريك (Star Trek) أشهر سلسلة خيال علمي في السينما والتلفزيون وأطولها، بدأت مسلسلًا تلفزيونيًّا، ثمّ انتقلت إلى عالم السينما وألعاب الفيديو، تدور أحداثها في القرن الثالث والعشرين الميلادي، اتحاد الكواكب السلمية منظّمة تواجه قوى الشر الكونية، أبطالها طاقم سفينة فضاء بالتعاون مع كائنات فضائية، وبقيادة شخصيات مثل الكابتن كيرك وسبوك وجان-لوك بيكارد.

● سلسلة ماتريكس (Matrix): البطل الأسطوري نيو مع مجموعة من البشر ذوي القدرات الأسطورية الخارقة، في مغامرات دفاعية ضدّ الشرور المتمثّلة في آلات ذكية تستعبد البشر، مع رمزية الاختيار بين الوهم والحقيقة، ونقد ثقافة الاستهلاك التي تؤدّي إلى هيمنة التكنولوجيا.


 

ملصق فيلم "حرب النجوم"، السلسلة الأمريكية الملحمية في الفضاء والخيال العلمي، من تأليف جورج لوكاس. حقوق الصورة: أرشيف التاريخ العالمي، وAlamy Stock Photo.

● كثيب (Dune): مع الاعتماد على الخيال العلمي وما يفرزه العلم من آفاق البحث والاستكشاف والوصول، يمزج هذا الفيلم بين البيئة العلمية والتصور الديني حول الشخص المنقذ (شبيه المخلص في المسيحية، أو المهدي المنتظر في الإسلام).

● التحول - بين النجوم - (Interstellar): كوبر يعبر الظلمات (الثقب الأسود)، ويعود برؤية جديدة للعالم، كما في الأساطير، حيث العالم السفلي هو ساحة التحولات. فيما استخدمت مفاهيم علمية كالجاذبية والنسبية كمقابل للموت وإعادة البعث.

● هير  (Her): يتعمّق فيلم هير في الجوانب الفلسفية للآلة، ولا يكتفي بالأخطار، إنما يتغلغل في مشاعر الآلة وذاكرتها، وهل تمتلك الآلة موقفًا إزاء الذاكرة، وهل تحبّ وتكره؟!

● الوصول - الأنثى كأيقونة أسطورية - (Arrival): البطلة لويز تمرّ بتجربة زمنية تحول وعيها، لتغدو حكيمة، قادرة على قيادة الخيارات الأفضل. بطاقات ميتافيزيقية تعلّل بمنطق علمي تخيلي.

● التقزيم (Downsizing): يعالج هذا الفيلم مسائل الاحتياجات البشرية وندرة الموارد، وتخيّل حلّ لها من خلال تصغير حجم البشر والكائنات، ليكون البشر أقلّ تكلفة على النظام البيئي، وأقلّ استهلاكًا للطعام والماء، ما يخفّف من الصراعات والحروب التي تنشأ بسبب الاستئثار والخوف من الفاقة والعوز.

● القمر (Moon): ربما يكون من أهمّ أفلام الخيال العلمي، فهو يطرح مسألة الهوية واقترانها بالإرادة، ويعدّ من أكثر الأفلام انتقادًا للاستنساخ الفكري، لأنّ كرامة الوجود تقترن بحرية الخيارات والإرادة.

ملصق فيلم "الكثيب" (2021)، من إخراج دينيس فيلنوف، حقوق الصورة: Warner Bros, FlixPix,  Alamy Stock Photo. 

تعدُ سينما الخيال العلمي كمجال رئيسي من مجالات التعبير الفني متعدّد الأوجه، وأصبحت تشكّل المشاهد البديلة للأساطير التي تعبّر عن القلق الوجودي للبشر، دون أن تتغيّر الموضوعات الأساسية للدراما البشرية، لأنّ المشاعر الإنسانية، والحاجات البدنية، وطبيعة تكوين الإنسان وبنيته تبقى كما هي، مهما تطورت المعرفة والتكنولوجيا.

لم تحظ أفلام الخيال العلمي باهتمام شركات إنتاج السينما العربية سوى في العقد الماضي، حيث ظهرت تجارب خجولة، يتمّ تشجيعها في بلدان الخليج العربي، وبشكل خاص في السعودية والإمارات. منها الفيلم السعودي القصير الفضائي العربي 2020، والفيلم الإماراتي المختارون 2016، وقد تكون الآفاق واعدة لنمو الاهتمام عند الأجيال الجديدة بهذا الخيال المواكب للخطط الرسمية في تنمية الاهتمامات العلمية والتكنولوجية.

ملصق فيلم "ستار تريك 3: البحث عن سبوك" (1984)، من إخراج ليونارد نيموي، ويُعدّ فصلاً محورياً في سلسلة الخيال العلمي الشهيرة. حقوق الصورة: مجموعة موفي ستور المحدودة، و Alamy Stock Photo.
إعادة تعيين الألوان