نحن نعد شيئًا رائعًا من أجلك.

ترابط العالم المتخيل: الفن الأمريكي اللاتيني
جسور: حوار بين الثقافات

ترابط العالم المتخيل: الفن الأمريكي اللاتيني

ترابط العالم المتخيل: الفن الأمريكي اللاتيني

لوحة "بورتريه شخصي مع قرد وببغاء" لفريدا كاهلو، 1942، (مالبا)، تبرع إدواردو ف. كوستانتيني، 2001. اللوحة مقدمة من متاحف قطر، ضمن معرضها الرائد "لاتينو أمريكانو، الفن الحديث والمعاصر" من متحف فنون أمريكا اللاتينية في بوينس آيرس (مالبا) ومجموعات إدواردو ف. كوستانتيني، وهو الأول من نوعه في المنطقة. أقيم المعرض في الفترة من 21 أبريل إلى 19 يوليو 2025.

بقلم ريم الغزال
September 30th, 2025
"لا أدري فعلًا إن كانت لوحاتي سريالية أم لا، لكنني أعلم أنها أكثر تعبيرًا صريحًا عن نفسي".
الفنانة الأسطورية فريدا كاهلو (1907-1954).

يتّسم فن أمريكا اللاتينية بفرادة لافتة؛ فهو يجمع بين الطابع الأسطوري والرمزي، ويتميّز بعفويته وعمقه التعبيري، حاملًا في طياته انعكاسات الهوية، وتجليات الواقع ورؤى الفكر. من الصعب ألّا يُدهَش المرء باتساع هذا الفن وتنوعه، إذ وُلد في بيئة تتسم بتعدّد ثقافي وعرقي غني. إنه عالم مستقل بسحره.


تشكّل أعمال الفنانة المكسيكية الثورية فريدا كاهلو، المعروضة هنا، نموذجًا بارزًا لهذا التوجّه؛ فقد دمجت في تعبيراتها الفنية عناصر من الواقع والأحلام والحقائق العارية بأسلوب فريد يتجاوز التصنيفات المعتادة. كانت كاهلو ترفض تصنيف فنها ضمن السريالية، مؤكّدة أن ما تقدّمه ينبع من تجربتها الذاتية لا من أيّ تيار فني بعينه.


وممّا ذكرته: "أنا لا أرسم أحلامًا وكوابيس، إنما أرسم من واقعي الخاص".

 

في هذا العمل الفني اللافت، والمعروض في المتحف الوطني في قطر بالتعاون مع متحف الفنون اللاتينية في بوينس آيرس (مالبا)، تستحضر فريدا كاهلو إحدى رمزياتها المتكررة: حيواناتها الأليفة التي لطالما رافقتها في لوحاتها. نرى القرد الشقي "فولانغ تشانغ" يلتفّ حول عنقها، كما اعتادت أن تصوّره في العديد من بورتريهاتها، بينما يقف الببغاء الزاهي الألوان كجوهرة حيّة تُضيء هذه اللوحة الآسرة التي تعود إلى عام 1942، وتحمل عنوان "بورتريه شخصي مع قرد وببغاء".
 

تعكس هذه اللوحة أيضًا حضورًا لافتًا لجذور فريدا المتعدّدة، كما يظهر في الضفائر المستوحاة من نساء تيهوانا الأصليات. ففريدا، المولودة لأب ألماني مهاجر، وأمّ ذات أصول إسبانية ومكسيكية أصلية من واهاكا، نسجت في أعمالها هوية مركّبة ومتعدّدة الثقافات، تتجاوز التعريفات التقليدية. جسّدت فريدا في فنها تداخلًا عميقًا بين ثقافات مختلفة، عبر مزجها بين زي الهويبيل التقليدي لأهالي تيهوانا، والأزياء الأوروبية الراقية، كما بين العوالم الواقعية، وتلك المتخيلة.

ومن خلال تشكيلها المتعمد لهويتها الشخصية، تحدّت فريدا التصورات النمطية حول التراث والانتماء، وصاغت أسطورة ذاتية معقدة، بقدر ما هي انعكاس لهوية المكسيك المتشابكة في مرحلة ما بعد الاستعمار.


كانت عبقريتها تكمن في قدرتها على ممارسة نوع من الكيمياء الفنية، إذ حوّلت الكائنات الحقيقية التي كانت تؤنس بيتها، "البيت الأزرق"، إلى رموز عالمية للصداقة والصمود.


وقد لخّصت هذا الشعور بعبارتها الشهيرة: "أيتها الأقدام، ما حاجتي إليكِ إذا كانت لي أجنحة أحلّق بها؟" — وهي عبارة تتجسّد بوضوح في حضور الببغاوات في فنها وحياتها إلى جانب القرود، كرموز للحرية التي طالما حلمت بها، والتي حُرم منها جسدها المكسور.

ريمديوس فارو، انسجام (صورة ذاتية موحية)، 1956. بإذن من متاحف قطر، ضمن معرضها البارز بالتعاون مالبا ومجموعات إدواردو إف. كوستانتيني.

أُصيبت فريدا بشلل الأطفال في طفولتها، ثمّ نجت بأعجوبة من حادث حافلة مروّع عام 1925 أدّى إلى تهشّم حوضها وعمودها الفقري، لترتبط حياتها منذ ذلك الحين بألم دائم لا يفتر. وخلال فترات النقاهة الطويلة التي قضتها طريحة الفراش، لم يكن الفن مجرد وسيلة للتسلية، بل أصبح ضرورة وجودية للبقاء. مع مرآة مثبتة فوق سريرها وحامل للوحات الرسم تستند إليه في حجرها، تحوّل خيال فريدا إلى ملاذ وسلاح في آن، فجسّدت معاناتها في لوحات رمزية سريالية، حيث تنبت من الأجساد المجروحة جذور، وتتحوّل الحيوانات والقرود إلى حراس شخصيين، وتزهر الدموع كأنها أزهار نادرة.


في حديث له مع مجلة إثرائيات، يحكي الأستاذ عيسى الشيراوي القيّم على المعرض رأيه: "فريدا تخبرنا عن قصتها الشخصية في هذه اللوحة، إنها تجسيد حيّ لهوية متعدّدة الثقافات، كما تعبّر عنها ضفائرها وملابسها، وإلى جانب رفاقها الرمزيين من عالم أمريكا اللاتينية – الببغاء والقرد – تؤكّد فريدا أنّها أكثر بكثير من مجرد زوجة للفنان دييغو ريفيرا، المعروف بريادته في حركة الجداريات المكسيكية واسعة النطاق"، ويضيف بقوله: "في هذا السياق يمكننا أن نرى فريدا فنانة عظيمة بذاتها، لا مجرد ظلّ لشخص آخر."
 

الكيبو هو "قصيدة في الفضاء، وسيلة للتذكّر، تشمل الجسد والكون في آن واحد"، كما قالت الفنانة التشيلية سيسيليا فيكونيا. الكيبو الخفي هو تركيب متعدّد الحواس تمّ إنشاؤه في عام 2018، باستخدام الصوف وعرض الفيديو مع الصوت. جزء من مجموعة إدواردو إف. كوستانتيني. طورت حضارة الأنديز الكيبو - خيوط معقودة مكونة من صوف ملون ومغزول ومطوي أو شعر اللاما - كطريقة لتسجيل المعلومات. وثقت هذه الممارسة جوانب مختلفة من التنظيم المجتمعي عبر إمبراطورية الإنكا القديمة، بما في ذلك الالتزامات الضريبية، والمعلومات التقويمية، والتخطيط العسكري. كما تمّ استخدام الكيبو لتسجيل القصائد والروايات التاريخية، مستوحاة من هذه الخيوط، ابتكر الفنان هذه القطعة تكريمًا للشعوب القديمة، وطرق حياتها التي أهلكها الاستعمار الإسباني. صورة فوتوغرافية من ريم الغزال، للمشرف عيسى الشيراوي، في معرض "لاتينو أمريكانو" في متحف قطر الوطني.

ويعبّر الشيراوي عن أهمّية الأعمال اللاتينية بقوله: "فريدا معروفة في كلّ أنحاء العالم، ولكن تعالوا لتستكشفوا فنها عن قرب، ولتتعرّفوا على مجموعة متنوعة من الفنانين الآخرين الذين تعكس أعمالهم قصصًا متعدّدة الأوجه؛ بعضها محلي، وبعضها مستوحى من الأساطير، وأخرى تنبع من الطبيعة وواقع الحياة وأحداثها. مهما اختلفت موضوعاتها فإنّ الفنون اللاتينية تتحدّث بلغة القلب التي يفهمها الجميع، وتلامس أرواحنا بجمالها الأخّاذ وسحر ألوانها".


كان هذا المعرض العريق أول معرض شامل لفن أمريكا اللاتينية في منطقتيْ غرب آسيا وشمال إفريقيا. استضافه المتحف الوطني في قطر، وقدّم من خلاله نظرة موسّعة على تطور الفن في القارة عبر أعمال لفنانين بارزين من عام 1900 حتى اليوم. وقد شكّل المعرض إحدى الركائز الأساسية لفعاليات عام الثقافة 2025 التي تجمع بين قطر والأرجنتين وتشيلي.
 

تمّ تنظيم المعرض بإشراف الشيراوي، وماريا أماليا غارسيا، حيث قُسم إلى خمسة محاور رئيسية، وضمّ أكثر من 170 عملًا فنيًّا متنوعًا تناولت المشاهد الطبيعية المشتركة في أمريكا اللاتينية، وتعدّد هوياتها الثقافية، وتطور مدنها ومناظرها الحضرية، إضافة إلى التوترات الاجتماعية العميقة، وعملية التحرّر الفني الفريدة في القارة.


يقول الشيراوي: "الخيال والفن لا يعرفان حدودًا... والفن يساعدنا على فهم مدى ارتباطنا ببعضنا بعضًا، على الرغم من الفروقات الجغرافية واللغوية الكبيرة."

 

كان المعرض تجربة فنية ساحرة، يمكنكم استكشافه في المتحف الوطني بقطر، إضافة إلى الاطلاع على مجموعة مختارة من الأعمال الفنية من مالبا عبر منصة جوجل للفنون والثقافة.

 

أعمال فنية أخرى تنسب لأمريكا اللاتينية، نضعها بين أيديكم:
إعادة تعيين الألوان