تأملات فنية: الفنّ يُعيد تشكيل العالم
"أصدقاء زُحل – Saturn Friends" للفنان روجر ماتوس. العمل الفني بإذن من الفنان.
في الفنّ هناك خيط رقيق غير مرئي يفصل بين الواقع والخيال، بين ما نراه وما نشعر به دون أن نراه. والفنّ مثل الخيال، ليس مهربًا من صرامة اليومي والمتكرّر، بل وسيلة لرؤية التفاصيل بشكلٍ مختلف، وأداة لاستكشاف المعتاد والعادي، وطريقة لإعادة صياغة العالم بشكلٍ حقيقي وإنساني أكثر. وحين يتداخل الخيال مع العمل الفنّي، تُفتح أبواب نحو احتمالاتٍ لانهائية، يتداخل فيها الواقع مع الحلم، والتاريخ مع الرغبة، في عالمٍ يميل نحو المُحدّد والمُصنف، يمنح الخيال الفنّ حريته، ويفسح له مساحة للتأمّل وتعدّد القراءات. هنا نصحبكم في رحلةٍ لا نعرف إن كان الخيال فيها سبق الفنّ -أو العكس-، لكنّهما امتزجا في لحظةٍ ما، فاستعدّوا لدهشة التعرّف على أعمالٍ لا تُنسى!
يحوّل الفنان البرازيلي روجر ماتوس - المقيم في ساو باولو - العاطفة إلى صورة، والصمت إلى حكاية، والذكريات إلى مشاهد شعرية. في أوقاتٍ صعبة من حياته أسّس صفحته @linearcollages والتي وجد لاحقًا ومن خلالها شغفه، وطريقته للشفاء والتواصل الإنساني. الكولاج الرقمي والرسوم التوضيحية كانت أدواته في بناء عوالم داخلية تتقاطع فيها الأحلام بالتأمّل، وتحويل مشاعره إلى أعمالٍ فنّية توصله بالعالم. بالنسبة لماتوس الفنّ هو مكان يبدأ فيه بفهم العالم ونفسه، فيقول: "إنّه وسيلتي للتعبير عن مشاعر يصعب وصفها بالكلمات. أراه مساحة تربط بين التأمّل والإحساس والتواصل الداخلي".
يلعب الخيال دورًا أساسيًّا في أعماله، لا كوسيلةٍ للهرب من الواقع، بل طريقة لفهم أعمق، فيقول: "أجد أنّ عملي قائم على استحضار العاطفة والذاكرة، مستلهِم من الأحلام والحنين والتجارب الإنسانية الصامتة، لكن العميقة. أستخدم الخيال ليس هروبًا من الواقع، بل وسيلة للغوص في جوهره العاطفي. ومن خلال فنّ الكولاج، أبني حكايات بصرية تبدو شخصية للغاية، لكنّها تظلّ مفتوحة أمام تفسيرات متعدّدة، بحسب مَن يراها".
وعلى الرغم من أنّ أعماله رقمية، فإنّها تترك انطباعًا يُشبه الأعمال اليدوية التي تجمع بين الدفء والصدق، كما تتميّز بألوانها الهادئة وتكويناتها التي تُعطي شعورًا بالرحابة، تاركةً للمتلقّي مساحة للتأمّل، والأهمّ أنّها تهِبُ متأمّلها فرصة للتخيّل!
"رحلة في الفضاء – Space ride"، للفنان روجر ماتوس. العمل الفني بإذن من الفنان.
استمتعوا بأعمال روجر ماتوس الرائعة، هنا.
من معارض RGR:
"في نطاق أعمالي أركّز على موضوع الهوية؛ بمعنى، ما هي الهوية؟ وكيف تُبنى الدولة عبر ثقافتها؟"
يقدّم الفنان المكسيكي فرانشيسكو مونيوث أعماله الفنّية باستخدام وسائط متعدّدة، ما بين الرسم، والكولاج، والسيراميك، والمنسوجات، مركّزًا على العلاقة ما بين الأشياء وسياقاتها، وكيف يتغيّر معناها عند تغيير البيئة أو المادّة أو التكوين، دامجًا بإبداع ما بين ما هو أصلي وما هو مكتسب.
إنّ الفنّ هو وسيلة مونيوث لفهم الهوية والجذور، عبر بناء جسور بين التاريخ والتراث والحداثة، ليطرح تساؤلاته ورؤيته حول الهوية والثقافة والسرديات التاريخية بأسلوب معاصر يتسق مع لغة اليوم، يدمج ما بين الخيال والواقع، ويدعو للتأمّل.
يستلهم عناصره من الرموز ما قبل الكولومبية، والهندسة المعمارية الطقسية، والجداريات الأثرية، والعلاقة المتداخلة بين الطبيعة والروح. في قلب مشروعه الإبداعي تكمن تساؤلات حول الهوية والثقافة والسرديات التاريخية، حيث يعيد مونيوث تأطير الرموز والموروثات في تراكيب معاصرة تنبض بالذاكرة والانتماء. يقول: "كما قام الشامان بتجريد البيئة الطبيعية والعناصر الجوية والأشكال الروحية لتجسيد الآلهة، أعيد صياغة التجارب الجمالية، وأرواح الأجداد، والأماكن المقدّسة التي تنبض في التماثيل واللوحات في أعمالي الفنّية".
فرانشيسكو مونيوث، معبد مارس، 2025. أكريليك على كتان، 150×150 سم، 59×59 بوصة. بإذن من الفنان وجاليري RGR(المكسيك).
فرانشيسكو مونيوث. فيليتا، 2024. أكريليك على قماش كتان، 80×80 سم، 31.5×31.5 بوصة. بإذن من الفنان وجاليري RGR (المكسيك).
فنان متميّز في التعامل مع الألوان والإدراك والأشكال المتعدّدة، حيث يشكّل الأبيض والأسود جزءًا لا يتجزأ من لوحاته الفنيّة، معتبرًا إياهما "ألوانًا مضافة" تزيد من حيوية الاهتزازات اللونية في أعماله.
يقول: "قمت بإعداد قائمة من الأكواد الرقمية، متسائلًا أيّ كود يمكن التحكّم فيه بشكل أفضل في الفنون البصرية. فكّرت فورًا في اللون، اخترت ثلاثة ألوان أساسية: الأزرق، والأحمر، والأصفر، ومع ألوانها المكملة، أصبح المجموع ستة ألوان، أضفت إليها الأسود والأبيض".
في أعماله ينجح الفنان في تفكيك صلابة الشكل، محولًا الهندسة إلى فضاء إدراكي متغير، حيث تتفاعل الألوان والخطوط والحركة لخلق تجربة حسية دائمة التجدّد.
خيسوس رافاييل سوتو. الألوان والاهتزاز، 1999. لوحة على الخشب والمعدن، أوتار نايلون، الأبعاد: 239× 259× 17 سم (94× 102× 6.5 بوصة). بإذن من أتيليه سوتو وجاليري RGR (المكسيك).
خيسوس رافاييل سوتو. أبيض على أسود، 1988. طلاء على خشب ومعدن، الأبعاد: 203 × 102 × 17 سم (80 × 40.25 × 6.75 بوصة). بإذن من أتيليه سوتو وجاليري RGR (المكسيك).
تشكّل المخطوطات في التقاليد الهندية والإسلامية والبوذية والمصرية القديمة مصدر إلهامٍ للفنان الهندي مانجوناث كامات. يقدّم كامات أعمالًا تخيلية لا تكون اللغة فيها وسيلةً للتوضيح، بل عنصرًا غامضًا تدعو للتأمّل والتخيّل والتفكيك، تمامًا كأنّنا أمام مخطوطة قديمة وغامضة تتحدّى حدود معرفتنا.
في لوحاته يتداخل المجهول مع ما نعرف، واللغة مع الشكل، ليخلق فضاءً تتحوّل فيه الرموز إلى كائنات حيّة.. فضاء لا يدعونا للفهم، بل لنُصاب بالدهشة.
من سلسلة «أجاتاكالبا» للفنان منجوناث كامات. تقنيات مختلطة على قماش، 72 × 96 بوصة، 2025. بإذن من منجوناث كامات وجاليري إسباس، نيودلهي.
يقدّم الفنان الأمريكي واسوو إكس واسوو أعمالًا فنّية جمالية تستعرض جماليات الوهم، وتفكّك رمزية الفردوس المنشد. وبحكم إقامته في مدينة أودايبور الهندية منذ أكثر من عشرين عامًا، تظهر أعماله تأثرًا كبيرًا بفنّ المنمنمات المغولية والراجستانية، والتي تأخذ المتأمّل لها في رحلةٍ بديعة، تعيد قراءة التاريخ والاستعمار والهويات المعاصرة. يظهر واسوو في أعماله بشخصية "رجل الفيدورا" المتعثّر، الغريب المتأمّل، الذي ترصده العيون الهندية، وتحتويه في آن.
يُجسِّد عمله "The Oasis inside the Mirage" صورة الواحة كما يتخيلها، مثالية وهادئة، وكلّ شيء فيها يبدو كما يجب، لكنّها تبقى دومًا بعيدة، ولا يمكن الوصول إليها، مثل حلمٍ مشتهى، وسرابٍ يلوح في صحاري هذا العالم. يقول واسوو: "فقط في الفنّ يمكننا أن نتخيّلها".
"الواحة داخل السراب - II" للفنان واسو إكس. واسو. أصباغ حجرية وذهب على ورق واصلي، 22×22 بوصة، 2024. بإذن من واسو إكس. واسو وجاليري إسباس، نيودلهي.
