نحن نعد شيئًا رائعًا من أجلك.

النور المتلألئ في الفنّ الإسلاميّ والحياة
لقاء

النور المتلألئ في الفنّ الإسلاميّ والحياة

النور المتلألئ في الفنّ الإسلاميّ والحياة

فنون الضوء وحركته داخل منزل الدكتور سامي عنقاوي. بإذن من الفنان.

بقلم ريم الغزال
December 15th, 2021
لا يتوقف النور عن التغيّر، يدخل على امتداد اليوم إلى أيّ غرفة بطريقة مختلفة، وَيشع ُّمن زوايا مختلفة عليها وعلى الموجودين فيها. وتعطي أشعة الشمس إحساسًا عامًا بالمكان، مختلفًا في كلِّ مرَّة تشع ُّعليه وتزوره فيها.

يشاركنا الدكتور سامي عنقاوي، الذي يُعد أسطورةً حقيقيَّة في مجال العمارة الإساميَّة والتقليديَّة، في لقاء حصريّ مع “إثرائيَّات”، وجهة نظره الشعرّية والفلسفيّة حول الجوانب الجماليّة والفنيّة للنور في العمارة الإساميّة التقليدّية ودوره الهام في حياتنا. يقول الدكتور سامي: تُفَرِّقُ الآيات القرآنيّة بين أنواع النور المختلفة، إذ هناك الكثير من العمق والمعنى في مفهوم النور، وأن هناك اختلافًا في هذا المفهوم في اللغة العربيّة، فنجد النور مقابل الضوء. وفي العلاقة

مع الشمس والقمر، حيث يقول القرآن في الآية 16 من سورة نوح: “وجعل القمر فيهن َّنورًا وجعلَ الشمسَ سراجا”. يمكن معرفة الكثير حول المفاهيم وطرق الحياة التقليدّية إذا عدنا إلى جذور الكلمات العربيّة. أنا أستخدم اللغة العربيّة والقرآن والحديث مراجعَ، فعلى سبيل المثال يرتبط الوضوء بالضوء، إذ يجلب الوضوء النور إلى حياتنا كلما توضأنا للصاة. وتوقف قبل أن يضيف: النور هو أقرب إلى الشعور، بينما يتعلق الضوء أكثر بالإحساس المادي.

اللهُ نورُ السَّمَاوَاتِ وَالَأرْضِ مَثَلُ نورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ اْلمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كََأنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَْيتُوَنةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرِْبيَّةٍ يكَادُ زَْيتُهَا يضِيءُ وََلوْ لمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُّورٌ عََلى نورٍ يهْدِي اللَّهُ لُنورِهِ مَن يَشَاء وََيضْرِبُ اللَّهُ الَأمْثَالَ للنَّاسِ وَاللَّهُ بكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (الآية 35 من سورة النور)

فنون الضوء وحركته داخل منزل الدكتور سامي عنقاوي. بإذن من الفنان.
فنون الضوء وحركته داخل منزل الدكتور سامي عنقاوي. بإذن من الفنان.
فنون الضوء وحركته داخل منزل الدكتور سامي عنقاوي. بإذن من الفنان.

يُعتبَرُ منزل الدكتور عنقاوي، والمعروف بدار المكّيّة، أحد المعالم الشهيرة في مدينة جدّة، وهو عبارة عن قصر مبني على الطراز المعماريّ الإساميّ الحجازيّ، يحاكي بإبداع منزلً تقليديًّا في مكّة المكرمة. كل ركن في هذا المنزل يروي قصّةً، من خال الألوان المتألقة عبر الزجاج الملوّن، والزخارف المتنوعة بين الأشكال الهندسيّة والزهرّية، والصور الظليلة المتناظرة، والنوافذ الفريدة التي تغطيها المشربيّة التقليدّية، وهي واجهة

من الخشب المنحوت بإتقان. يقال إن كلمة “المشربيّة” تعود إلى جذر في اللغة العربيّة يعني “مكان الشرب”، ومن هنا تمت تهيئتها لتلائم الوظيفة الأولى للواجهة، وهي تبريد مياه الشرب. كما تتميز الغرف، المليئة بالنباتات الملونة والخضرة، بإضاءة جيدة بالقدر المناسب من الضوء. وأردف الدكتور عنقاوي مازحًا: والضوء الطبيعيّ لا يكّلف مالً.

يُعَد ُّمفهوم التوازن والميزان والازدواجيّة مفهومًا مهمًّا في التقاليد الإساميَّة والعمارة والحياة. فالتوازن بين الحداثة والتقاليد، والمحافظة والانفتاح، والاستقرار والديناميكيّة، بالإضافة إلى التوازن السليم للضوء، يصنع فرقًا كبيرًا في الإحساس بالغرفة ووظيفتها.

كما يعَد ُّالتناغم جزءًا من توازن الأشياء والأفكار. قديمًا كانت في المساجد ساعة شمسيَّة تُعرَف بالمزولة، بحيث يمكن حساب مواقيت الصاة. يلعب ضوء الشمس دورًا هامًّا في تراثنا الإساميّ، إذ تحدد أوقات طلوع الشمس وغروبها مواعيد صيامنا وصلاتنا.

فنون الضوء وحركته داخل منزل الدكتور سامي عنقاوي. بإذن من الفنان
فنون الضوء وحركته داخل منزل الدكتور سامي عنقاوي. بإذن من الفنان
تميّزت المشاريع السابقة للدكتور عنقاوي بالموازنة بين المفاهيم

كما في تصميم المركز الطبيّ الدوليّ بمدينة جدة، الذي جمع فيه بين أصل كلمة “مستشفى” المشتق من الشفاء، وكلمة “ Hospital ” باللغة الإنجليزية، المرتبط بكلمة “ Hospitality ” التي تفيد معنى الضيافة. مما جعله يصبح مكانًا للاستشفاء والضيافة، على حدِّ تعبيره.

ويركز مشروعه الأخير على تصوير الماضي لرسم الحاضر والمستقبل، فيما يمثل تراثًا افتراضيًّا، أو متحفًا افتراضيًّا، مع تسليط الضوء بشكل خاص على الحرمين الشريفين بمكّة المكرَّمة والمدينة المنوّرة. وعبر سنوات من إجراء البحوث، وتجميع المواد حول تاريخ الحج والمدينتين المقدستين بالإضافة إلى منطقة الحجاز في مجالها الأوسع. يمتلك الدكتور عنقاوي إحدى أكبر مجموعات الأرشيف المتعلقة بهذا الموضوع في العالم؛ “لكي نعرف إلى أين نتجه، نعلم كيف نعرف ماضينا، فالماضي هو المعرفة التي تنير مستقبلنا”.

فنون الضوء وحركته داخل منزل الدكتور سامي عنقاوي. بإذن من الفنان
إعادة تعيين الألوان