كانت ولاء فضل مصممة جرافيك من الناحية الأكاديميّة، فهي تُعَد ُّفّنانة من حيث المفهوم والتنفيذ، فثمّة خط رفيع بين التصميم والفّن، فبينما يميل التصميم إلى كونه أداة لحل الإشكالات، يمكن اعتبار الفّن أداةً للاستكشاف والتعبير. وكما تقول الفنانة القادمة من جدة: «الفّن هو أسلوب حياة. يمكن أن نرى الفّن في أدق التفاصيل التي تعترضنا حتى الأشياء التي لا نلقي لها بالً في خضم حياتنا اليوميّة. نستحضر هنا صورة زجاجة مياه، إذ استطردت بأن الدور الوظيفي للزجاجة لا يمنع كونها عماً فنيًّا. تتطلع ولاء فضل
إلى سد الفجوة بين الفنّ وعامة الناس، من خال رؤيتها المتميزة بالبساطة، والقائلة بأّنهم ليسوا في حاجة إلى التخصص في الفن ليتمكَّنوا من فهمه. ولتحقيق هذا الهدف، تتعمق الفنانة في الموضوع عبر أطروحتها وأبحاثها، لتصل إلى إثبات تلك الرؤية أو دحضها، دون أن تخشى الوقوع في الخطأ وتصحيح مسار تفكيرها وعملها الفّني. أهمّ نصيحة تقدمها السيدة فضل لأي مهتم بالإبداع الفّني، هي أن يكون على طبيعته وأن يفعل ما يمليه عليه قلبه. فكل فنان يحتاج إلى الاقتناع بالفكرة،
وإلى الارتباط بعمله الفنّي، ليحقق النجاح. وقد كانت ولاء فضل الفائزة في نداء مركز «إثراء » المفتوح للفنّانين السعوديين الناشئين، عندما وقع الاختيار على عرضها ليتم تنفيذه في معرض بصر وبصيرة بمركز «إثراء .» من هنا وُلِدَ العمل الفنّي «نور على نور »، المستوحى من الآية 35 من سورة النور، والذي اختيرَ ليكون غاف هذا العدد من إثرائيّات. كونت الفنانة علاقة خاصة مع العمل الفنيّ الذي يبحث عن تجسيد المعنى الحَرفيّ للآية الكريمة. فالنور هو العنصر الأساسي الذي يخلق ما حولنا، وبالتالي وعيَنا، وينعكس بشكل يزيل الغموض ويكشف أشياء جديدة للملاحظة والفهم.
أمضت ولاء فضل عدة أشهر في العمل على هذا المشروع، بمساعدةٍ من المشرفين وغيرهم. وسرعان ما تجسَّمت أفكارها وتحول مشروعها إلى حقيقة، ما إن بدأت تعمل عليه بشغفها وقناعتها الشخصيّة. فبالنسبة لها لم يكن النور مجرد وسيلة لتحقيق غاية ما، وإّنما كان هو موضوع العمل الفّنيّ وغايته. إنّ النور هو ما يعطي تجربتها الفنِّيَّة روحها وماديتها.
تجاوبتِ الفّنانة مع هذه الآية من خال تكوين هندسيٍّ ثلاثيِّ الأبعاد، مصمم بعناية وبنسب معقدة لاستخدام الفراغ سطحًا والضوء وسيطًا. استُلهِمَ هذا التكوين من تقاليد الهندسة المقدسة، التي استخدمتها الفنانة لخلق معنى مبطن يعمل بوصفه شكلً من أشكال التفكير.
وعند مشاهدة العمل الفّني، تظهر هندسة مقدسة تقليديّة من سبعة ألوان، إلا أّنها تتكون في الحقيقة من ثاث طبقات متراكبة من الضوء، متكونة من ثلاثة ألوان فقط: الأحمر، والأخضر، والأزرق. ولا تتخذ هذه الأشكال هيئة ثابتة، وإنما أرادت لها الفنانة أن تتغير باستمرار بتغير زاوية نظر المشاهد إلى القطعة الفنَّيّة وتفاعله معها.
تسعى هذه التركيبة إلى إدخال المشاهد في تجربة ملتبسة، تجعله يعيد التفكير ويتساءل عن الحقيقة من عدمها. ما كان مؤكدًا من قبل يمكن أن يصبح قابلً للشك. وتكمن حقيقة المشروع في اختفاء الفنّ بمجرد إطفاء جهاز العرض. وبالتالي فبدون النور لا توجد حياة في هذه التجربة.
بالتأمل في هذا، توصلت ولاء فضل إلى أن النور يلعب دورًا كبيرًا في كيفيّة وجودنا في الفضاء. وباختاف أشكاله، ساطعًا كان أو أصفر أو متقطعًا أو ممتدًا، يؤثر النور على شعورنا في الفضاء وعلى
تفاعلنا مع محتوياته. يطرح العمل الفّني هذه الفكرة، فالضوء يمثل جزءًا من كيفيّة تواجدنا، وتأثيرًا كبيرًا على حياتنا، سواءً كان تفاعلنا معها تفاعاً سلبيًّا أم إيجابيًّا.