نحن نعد شيئًا رائعًا من أجلك.

شعاع النور
A-
A+
الجسور: محادثات عابرة للثقافات

شعاع النور

شعاع النور

متحـف اللوفـر أبـو ظبـي.

بقلم ريم الغزال
December 15th, 2021

لقد اعتُبِرَ الضوء منذ العصور القديمة، ولكونه مرتبطًا بالنبوءة والروحانية بأّنه تجلٍّ مرئيّ للقوى اللامرئيّة. وهذه الاستعارة الكونيّة للضوء تتقاسمها الفلسفاتُ والأديانُ الكبرى؛ ممّا يوضع الضوءَ في صميم الفضاء المُقدّس، حيث يُنظر إليه على أنه ظاهرة فيزيائية تتمتع بطيف لانهائيّ من الصور الدينية المجازية. وفي الثقافة المصرّية القديمة، كان يعتبر الضوء صوًنا للبزوغ الكوني الأصليّ. إذن؛ كان النور بمثابة حياةٍ، ويواجه ظام الموت.

أمّا في أصول الهندوسيّة، فقد اعتبرت الثيولوجيا الهندّية لريجفيدا أنّ الخالق الإلهي براجاباتي هو الصوت الأصلي الأول الذي انفجر في عدد لا يحصى من الومضات الضوئية ومخلوقات منسجمة، في حين مُنح مؤسس البوذية اللقب المقدس “بوذا” بمعنى الشخص "المستنير".

صفحة من “القرآن الأزرق”، شمال إفريقيا القرن التاسع الارتفاع ٢٩ ،٨ سم × العرض ٣٤ ،٦ سم؛ ذهب على ورق مصبوغ دائرة الثقافة والسياحة - أبو ظبي. الصورة من APF بإذن من متحف اللوفر أبو ظبي
النّور الإلهيّ

خلافًا للحضارات الحُلوليّة التي تُماهي بين النور والله نفسه، فإنّ الأديان الإبراهيمية تنظرُ إلى النور/الضوء كرمزٍ لتعالي الله ووحيه. ففي العهد القديم، أول عمل للخلق هو الفصل بين النور والظام (تكوين، 1:3). وبطرق مختلفة، فإن هذه العلاقة الميتافيزيقيّة بالضوء قد أدت إلى اختيار التصميمات والتقنيات والمواد المعمارية الجديدة. فالضّوء هو تعبير مباشر وغير ملموس عن الإلهيّ في الإسام، حيث إنّ النور مقدس في سورة النور من القرآن (24:35). بينما في الغرب، أدى السعي وراء المساحات الكبيرة جنبًا إلى جنب مع استخدام المعادن المختلفة إلى ولادة فن الزجاج الملون الشفاف. كما إنّ هناك أهمية خاصة للنور تُولى في العالم الإسامي كواحد من أسماء الله التسعة والتسعين وموضوع السورة الرابعة والعشرين من القرآن. فقبل أن ينزل بالوحي على رسول الله محمد صلى الله عليه وسّلم، كان النبي يسعى إلى العزلة والتأمل في جبل النور بالقرب من مكة؛ حيث هناك نزل عليه الوحي لأول مرة من الله عن طريق الملك جبريل في كهف حراء.

{اللَّهُ نورُ السَّمَاوَاتِ وَالَْرْضِ مَثَلُ نورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ اْلمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كََأنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} (سورة النور 24:35). كثيرًا ما نقشت هذه الآية القرآنية بالخط العربيّ على مصابيح المساجد بطرق فنية، حيث يُتجاوَز الشّكل بالكلمة. وفي اللاهوت المسيحي، كان لإدراك العمودي للضوء تأثير حاسم على الفن والعمارة من ناحية دينية، حيث يرتبط مبدأه الأساسي بين الإله والضوء الطبيعي مقابل الظام. وقد عُبِّرَ، على وجه الخصوص من خال التقنيات

المعمارية الجديدة في الفترة القوطية التي جعلت تحويل أماكن العبادة إلى كاتدرائيات ضوئية مميزة مثل بازيليك سان دوني بالقرب من باريس أمرًا ممكًنا، والتي صمّمها أبوت سوجير في القرن الثاني عشر. وقد كانت بمثابة كتمثيل أرضي عن أورشاليم السماوية. وتعمل النوافذ المصنوعة من الزجاج الملون والمدمجة في واجهات الكاتدرائيات على تحويل الضوء العادي إلى نور إلهي مشعّ، مما يغمر الداخل ويضفي الضوءَ على المصلين. ووصل فن ُّالزجاج الملون إلى ذروته في القرنين الثالث عشر والرابع عشر مع وجود نوافذ في أماكن مثل سان شابل في باريس وكاتدرائيات ريمس وريغنسبورغ.

وإنّ أحد الأشياء التي تجسد جوهر النور والجمال والعمق الكبير هي صفحة من “القرآن الأزرق” الشهير. وهذه الصفحة هي من أكثر نسخ القرآن القديمة فخامةً حتى يومنا هذا. وهي تتكوّن من سبع مجلدات، ومن المرجَّح أنها أنتِجت في القيروان، تونس، في القرن التاسع أو العاشر. وتتميز بالبساطة الواضحة للخط الكوفي وتوازن تنضيدها؛ مما يجعلها عماً نقيًا للغاية يتسم بالتباين بين اللون الذهبي والخلفية القاتمة الملوّنة باللون النيليّ. وقد استعيرت فكرة التلوين من مخطوطات الإمبراطورية البيزنطية. ويرمز اللون الأزرق الغامق إلى الكون السماوي والحروف المذهبة إلى النور الإلهي الذي تنشره كلمةُ الله.

إعادة تعيين الألوان