نحن نعد شيئًا رائعًا من أجلك.

ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺜﺒﻴﺘﻲ ﺳﻴﺪ اﻟﺒﻴﺪ اﻟﺬي اﻗﺘﺒﺲ ﻧﺎر ﻋﻜﺎظ وأﺿﺎءﻧﺎ
بروفايل

ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺜﺒﻴﺘﻲ ﺳﻴﺪ اﻟﺒﻴﺪ اﻟﺬي اﻗﺘﺒﺲ ﻧﺎر ﻋﻜﺎظ وأﺿﺎءﻧﺎ

ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺜﺒﻴﺘﻲ ﺳﻴﺪ اﻟﺒﻴﺪ اﻟﺬي اﻗﺘﺒﺲ ﻧﺎر ﻋﻜﺎظ وأﺿﺎءﻧﺎ
بقلم بروفايل
October 20th, 2021

من صحراء الجزيرة العربية أشرق شاعرٌ لملمت اللغة أصابعها كي تتلقفه، وتسجل اسمه على كل هضبة وسهل، بل على كل حصاة، وحين اشتد عود الكلمات على يديه نطق شعرًا، ولم يزل هاربًا عن المألوف، حتى انتهى به المطاف مُخلَّدا بين الكلمات؛ لا أحد سواه استطاع أن يشحن اللغة البدويّة بكيمياء الحداثة، أن يُفكّك المفردات البعيدة عن حقل الشعر ويعيد صياغتها، فتسعى بين يديه ضاربة في الأصالة، موغلة في العصرنة، يحمّلها ما يشاء من معنى، ويرسلها إلى القلوب كي يوزع الجمال على السامعين بلا حساب... عن سيد البيد، شاعر الحداثة الأول، مروض الكلمات، وسائس الحروف، محمد الثبيتي، نتحدث.

ولد الثبيتي جنوب الطائف عام 1952م، وتمتمت الطبيعة في أذنه بأولى كلمات الإبداع، لم يكن ميلاده في تلك الجغرافيا - التي تهب الشعر لكل مولود - اعتباطيًّا، بل كان جزءًا من ترتيب القدر لشاعريّته التي اخترقت مداءات الجمال لاحقًا.

غير بعيد من الطائف، حمل الثبيتي حروفه المبعثرة وتأتآته الأولى إلى مكة، ليعيش مع عمه هناك جزءًا من طفولته، وجانبًا من مراهقته وبداية الشباب، وفي مكة أيضًا واصل دراسته الجامعيّة من خلال كليّة المعلمين، التي تخرج فيها بدرجة البكالوريوس في العلوم الاجتماعيّة، وبعد تخرجه لم يَطل به العمل معلمًا في قاعات الدرس، حيث عين موظفًا في المكتبة العامة في مكة؛ وليس غريبًا أن ينتقل الشاعر المولع بالكلمات إلى العمل بين الكتب، وأن يسكن صياد الحروف على شاطئ الرفوف المؤثث بالكتب في كل المجالات، لم يكن الواجب الوظيفي هو كل ما يشد الرجل إلى مكان عمله، بل كان بريق الكتب هو الدافع الأول الذي حدا به إلى اختيار الوظيفة؛ من هذه المكتبة وجد الوقت الكافي للقراءة والمطالعة في شتى المجالات المعرفيّة، وأيضًا ليجعل الشباب السعودي يقرأ، كانت تلك الوظيفة جسرًا مزدوجًا عبَره الشاعر إلى روح المعرفة، وعبّده للعابرين الآخرين كي يقرؤوا.

لم يكن الثبيتي شاعرًا بسيطًا أو سطحيًّا، بل كان عميقًا في طرحه، وأخذ بزمام الشعر ليقوده بعيدًا عن مهمته الجماليّة المحضة، لقد ضجّت تجربته بكل ما تقتضيه مقومات الجمال الشعريّ والشاعريّ، ولكنه آمن بضرورة أن يحمل الشعر نفَسًا تجديديًّا، فتجاوز الأساليب النمطيّة في كتابة القصيدة، رافضًا التقليد دون أن يتبرأ من الأصالة، ودون أن يقلب ظهر المِجنّ للبداوة؛ واتخذ الشعر مطيّةً لينافح عن رأيه الحرّ، ويحاجج بمنطق النور، وحجّة الوسطيّة، ومناطق الرماد، بعيدًا عن الأبيض والأسود بوصفهما خيارين حدِّيَّين لا ثالث لهما.

أصدر الثبيتي في حياته خمسة دواوين شعريّة، نالت صدى واسعًا لدى: النقاد، والباحثين، والشعراء، والقراء العاديّين، وهي: "عاشقة الزمن الوردي"، و"تهجيت حلمًا تهجيت وهما"، و"بوابة الريح"، و"التضاريس"، و “موقف الرمال”.

وفي مسيرته الشعريّة حصد عديد الجوائز، من أهمّها: الجائزة الأولى في مسابقة الشعر - التي منحها له مكتب رعاية الشباب في مكة - عن قصيدة "من وحي العاشر من رمضان" وجائزة نادي جدة الثقافي عن ديوان "التضاريس"، وجائزة أفضل قصيدة في الدورة السابعة لمؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعريّ عن قصيدة "موقف الرمال.. موقف الجناس"؛ فضلًا عن أهمّ هذه الجوائز، وهي جائزة ولقب شاعر عكاظ عام 2007م. وهو أول متوج بهذا اللقب في حفل تدشين فعاليات مهرجان سوق عكاظ التاريخي الأول.

قادمًا من اليمن بعد رحلة إبداعيّة ناجحة، تعرض الثبيتي لأزمة صحيّة مفاجئة، إذ أصيب بجلطة دماغيّة أنهكت قلبه العامر بالحب، المنحوت بأخاديد الإبداع، واستمر في صراع مرير مع المرض، متنقلًا بين أسرَّة المستشفيات، متشبثًا بالحياة والأمل وعُرى القصائد، إلى أن توقف القلب الشاعر عن النبض، لأربع عشرة ليلة خلون من يناير، قبل عشر حجج من الآن.

إعادة تعيين الألوان