أنماط ثقافيّة حول العالم
في عالم تتعدد فيه الحضارات، وتتنوع الثقافات، يلعب السياق التاريخيّ والجغرافيّ دورًا أساسيًّا في تمييزِ مجتمع عن آخر بإكسابه سماتٍ وخصائصَ يتفرّد بها عن غيره من المجتمعات وجمعِ أفراده على قوالب ثقافيّة تكاد ترقى إلى مرتبة القوانين. في محطات هذا العدد نستعرض نماذج لثقافات تميّزت عن غيرها بأنماط ارتبطت بعاداتها وممارساتها وانعكست على نظرة الشعوب الأخرى إليها.
عند ذكر كلمتي العمل واليابان، سرعان ما تتبادر إلى الأذهان صورة عامل ياباني نائم في مكتبه. لا تتعلق هذه الصورة بالكسل، وإّنما تعكس نظرة العالم إلى الياباني، باعتباره يقضي كلّ حياته في العمل إلى درجة الاحتفاظ بوسادة في مكتبه حتى لا يضطر إلى النوم في بيته. ولا شكّ أنّ هناك مسحة كاريكاتورّية في هذه الصورة، إلا أنّ الشعب اليابانيّ يشتهر حقًّا بأّنه من أكثر شعوب العالم تقديسًا للعمل، ولكل ما يحيط به من انضباط وأخلاقيّات واحترام. فالدقة في المواعيد والانحناءة الشهيرة للتحيّة والاحترام، كلها أشياء لا تغيب عن القاموس اليوميّ للشعب اليابانيّ.
تكاد تكون الصورة الأولى التي تتبادر إلى الأذهان عند الحديث عن الألمان، هي الانضباط الصارم، والدّقة، والالتزام الجاد بالعمل، الذي يصل إلى درجة الإدمان. وهذه الصورة النمطيّة لم تأت من فراغ، فهي واحدة من أعلى معدلات الإنتاجية في العالم، ينظر العالم إلى ألمانيا بوصفها ورشة عمل لا تهدأ، كل شيء فيها يسير وفق جدول زمنيّ ومواعيد مضبوطة. يعرَفُ أيضًا عنهم أّنهم لا يحبذون الاستراحات الطويلة، ويعطون العمل الأولوّية في أوقاتهم، ولا تخلو هذه الصورة النمطيّة من بعض المبالغة، فالألمان أيضًا من أكثر الشعوب تقديرًا للراحة، ولكن بشرط أن يعقبها العمل من جديد.
إذا كان العالم منزلً فإن إيطاليا هي مطبخه. هذه إحدى أكثر الصور النمطيّة رسوخًا في العالم. ولا شكّ أنّ لهذه الصورة ما يبررها عند قراءة أسماء الأصناف وتنوعها وثرائها في لائحة الطعام. بالنسبة إلى أغلب شعوب العالم، يمكن اختصار الإيطاليّين في شاب يحضر البيتزا وهو يتغزّل بها ملوّحًا بيديه، أو امرأة تطهو الباستا وتتفنن في صلصة الطماطم، أو كهل يحرك أصابعه بأناقة لتحضير اللازانيا أو الكالزوني. ورغم ما تنشره السينما العالميّة من كليشيهات أخرى حول هذا الشعب، تبقى صورة الإيطالي الوسيم والبيتزا ترقص بين أصابعه أحد أشهر الكليشيهات الثقافيّة حول العالم.
يشـتهر الشـعب األمريكي ّ بأن ً ه من أكثر الشـعوب في العالم ترحيبا ودفئاً وبسـاطة فـي التعامـل، وهـي سـمعة يسـتحقها بجـدارة، فعبـارات مثـل ”هيـا يـا صديقـي“ أو ”كيـف حالـك؟“ هـي عبـارات يسـمعها النـاس هنـاك فـي كل وقـت وفـي كل مـكان، وترسـم فـي األذهـان صـورة الأمريكـي اللطيـف الـذي يتعامـل مـع الجميـع ببسـاطة ودون تكلـف. ومهمـا كان الشـخص الـذي تتعامـل معـه، وسـواء كنـت تعرفــه أم لا، ســائق التاكســي أو نــادل المطعــم أو حتــى رئيســك فــي العمــل،سـتكلل ً انتظاراتـك لتعامـل دافـئ بالنجـاح دائمـا.
السويسرّيون مهووسون بالنظافة. هذا أحد الكليشيهات المشهورة عن بلد لا ترتبط به الشكولاتة والساعات الفاخرة فحسب، بل أيضًا صناديق القمامة التي لا يخلو منها شارع أو زاوية. يعتقد أكثر الناس حول العالم أن سويسرا ليست إلا حديقة تفوح من أرضها رائحة سوائل النظافة. السويسرّيون أنفسهم لا يبذلون أي جهد لتفنيد هذه الصورة النمطيّة، بل على العكس يسعون إلى تأكيدها، كما يفعل ذلك الفيديو الإعلاني للسياحة، الذي يظهِر فريقًا من السويسرّيين المدججين بأدوات التنظيف وهم يتسلقون جبال الألب لصقلها وتنظيفها من الأوساخ والشوائب.
