نحن نعد شيئًا رائعًا من أجلك.

الرياضة الأسطورية في اليونان القديمة
A-
A+
جسور: حوار بين الثقافات

الرياضة الأسطورية في اليونان القديمة

الرياضة الأسطورية في اليونان القديمة

جائزة الجرة الباثينية من الطين المحروق، تعود إلى نحو عام 510 قبل الميلاد. منشأها اليونان، منطقة أتيكا. مصنوعة من الطين المحروق، بارتفاع 62.2 سم (24.5 بوصة). محفوظة في متحف المتروبوليتان للفنون، نيويورك. تمّ اقتناؤها عبر صندوق فليتشر عام 1956 (الرقم المرجعي: 56.171.4)، (يُظهر الوجه الخلفي للجرة سباق العربات).
 

بقلم ريم الغزال
June 30th, 2025

من ميادين الرياضة في العصور الغابرة إلى صفحات الأساطير الخالدة، كانت الرياضة وما تزال جزءًا أصيلًا من مسيرة الإنسان منذ بدايات التاريخ، أُسست تعبيرًا عن شغف البشر باكتشاف قدراتها وصقلها، فابتُكرت عبر الحضارات، وتطورت تماشيًا مع الثقافات، لتبقى نابضة بالحياة ومتجددة حتى يومنا هذا.

تعد الألعاب الأولمبية القديمة (776 ق.م – 393 م) أحد أعرق المحافل الرياضية وأقدمها عبر التاريخ، لم تكن هذه الألعاب مجرد منافسات رياضية، بل كانت تجسيدًا لفلسفة التفوق البشري، والارتقاء بالقدرات الجسدية والذهنية.


 

أُقيمت هذه الألعاب في مدينة أولمبيا اليونان، وتوالى انعقادها كل أربع سنوات تكريمًا للإله زيوس. ترتبط نشأتها بعدة روايات أسطورية، منها ما يعزو نشأتها إلى البطل هرقل الذي يُقال إنه أطلق الألعاب بعد إنجازه أعماله الاثني عشر، احتفالًا بانتصاره على الملك أوجياس. وهناك روايات أخرى تسرد قصة مأساوية، تتعلق بـ"سباق عربات بيلوبس"، وهو سباق قاتل خاضه الأمير بيلوبس ضد الملك أونوماوس للفوز بيد الأميرة هيبوداميا.

لم يكن بيلوبس أميرًا عاديًّا، فهو ابن الملك تانطالوس الذي اختبر آلهته بقتل الأمير بيلوبس وطهوه مع الحساء، ثم قدّمه للآلهة الأولمبيين، إلا أن الآلهة أعادت الأمير بيلوبس إلى الحياة، ثم لعنت سلالته لعنة ستُحدد مصيره لاحقًا.

سعى الأمير بيلوبس للزواج بالأميرة هيبوداميا، ابنة الملك أونوماوس حاكم مدينة بيزا (قرب أولمبيا). كان الملك قد قتل بالفعل ثمانية عشر خطيبًا سابقًا في سباق العربات، فهناك نبوءة حذّرت من موته على يد صهره المستقبلي.

لم يترك الأمير بيلوبس الأمر للمصادفة، بل أعدّ خطته بدهاء؛ فقد رشَا (ميرتيلوس) سائق عربة الملك، ليتلاعب بالعربة ويُفسدها، كما استبدل مسامير تثبيت العجلات بواحدة من الشمع.

خلال السباق تحطمت عربة الملك أونوماوس، ما أدّى إلى سحبه حتى هلاكه، بهذا تحققت النبوءة، وبعد انتصاره قتل الأمير بيلوبس سائق العربة ليتنصل من دفع الرشوة، ثمّ أسّس الألعاب الأولمبية تكريمًا للإله زيوس وتكفيرًا عن جرائمه.

كانت سباقات العربات في الألعاب الأولمبية تتردد فيها أصداء تلك المواجهة المميتة، حيث امتزج النصر بالغدر، ولم يكن انحياز الآلهة أمرًا مستبعدًا في بعض الأحيان.

وعلى الرغم من البدايات الأسطورية المليئة بالعنف، تظل الروح الأصيلة للألعاب الأولمبية في صميم كل قفزة، وكل سباق، وكل مصافحة بين خصمين: التفوّق، والشجاعة، والإصرار، والصداقة التي قد تُدهشنا بحضورها وسط التنافس.

بغض النظر عن جذورها، ما زالت الألعاب الأولمبية تلهِم العالم، فقد استوحى النبيل والمؤرخ الفرنسي شارل بيير دي فريدي -المعروف بالبارون دي كوبرتان (1863–1937) - من مبادئ الألعاب الأولمبية القديمة وحكاياتها، ليعيد إحياءها في العصر الحديث. ولم يقتصر إرثه على الرياضة فحسب، بل أطلق حركة عالمية جمعت بين الرياضة والثقافة والتعليم، ساعيًا من خلالها إلى ترسيخ روح التفاهم والوحدة بين الأمم.

في عام 1896، أُقيمت أول دورة من الألعاب الأولمبية الحديثة في مدينة أثينا باليونان، تكريمًا لمهد هذه الألعاب العريقة.

تذكرة الألعاب الأولمبية في أثينا 1896. الفترة: القرن التاسع عشر ميلادي. المواد: ورق، حبر.التقنية: الطباعة. الأبعاد: 1.‎7.9 × 11.9 × 0 سم، ضمن مجموعة متحف 3-2-1 قطر الأولمبي والرياضي، بإذن من مبادرة: المجموعات الرقمية لمتاحف قطر. 

العديد من القيم الأساسية للألعاب الأولمبية القديمة مازالت تُضمّن في الألعاب الأولمبية حتى اليوم، حيث تكرّس اللجنة الأولمبية الدولية ثلاث قيم أساسية تتجاوز أهمية الرياضة: التفوق، والاحترام، والصداقة.

توضح اللجنة قائلة: "هذه المبادئ ليست مجرد مُثل عليا، بل هي نموذج حي لاستغلال المنافسة الرياضية كوسيلة لتحقيق الوفاق العالمي".

كما تلهمنا الألعاب الأولمبية من خلال قصصها، فقد تغيرت الجوائز عبر العصور، كجوائز العصر الروماني ومهرجانات الباناثينا. مع ذلك ستظل الجائزة الكبرى دائمًا هي المشاركة في أعظم الألعاب التي عرفها البشر.

استمتعوا بمعرفة المزيد عن الجوائز.

جرة من العصر الفيكتوري:

ابتداءً من الربع الثاني للقرن السادس قبل الميلاد، كان الفائزون في مسابقات مهرجان الباناثينا في أثينا يتسلمون جرة موحدة تحتوي على حوالي 42 رطلًا من زيت الزيتون المستخرج من بساتين الزيتون المقدسة في أتيكا. كانت الزخرفة الرسمية على الجهة الأمامية تمثل الآلهة أثينا، وهي مسلحة بالكامل، وتقف بين عمودين. أمّا الحدث الذي تم تكريم الفائز من أجله، فقد كان مُصورًا على الجهة الخلفية. 

في هذه اللوحة كانت الجائزة مخصصة للفائز في سباق العربات الشهير والمحفوف بالمخاطر.

جائزة الجرة الباناثينية من الطين المحروق، تعود إلى نحو عام 510 قبل الميلاد. منشأها اليونان، منطقة أتيكا. مصنوعة من الطين المحروق، بارتفاع 62.2 سم (24.5 بوصة). محفوظة في متحف المتروبوليتان للفنون، نيويورك. تمّ اقتناؤها عبر صندوق فليتشر عام 1956 (الرقم المرجعي: 56.171.4)، (يظهر الوجه الأمامي للجرة الآلهة أثنيا).
مُكافآت مرموقة بالأوراق والبرونز: الجوائز الرمزية في الألعاب القديمة

يُجسد هذا النقش الرخامي الروماني الرائع جوهر النصر في العصور الكلاسيكية، حيث يعرض الجوائز الرمزية الأربع المقدمة في المسابقات اليونانية الأسطورية، من اليسار: جرة باناثينية مملوءة بزيت الزيتون الأثيني، وإكليل الصنوبر العطري الخاص بمهرجان الإسثميان، ودرع أرغوس البرونزي اللامع، وأخيرًا إكليل الكرفس المتواضع لنيميا. هذه الجوائز التي تتجاوز كونها مجرد رموز - خاصة الإكليل المقدس من الأوراق مثل إكليل الزيتون في أولمبيا - تحمل مكانة أسطورية تتخطى قيمتها المادية، فلها قيمة معنوية لا تُقدّر بثمن، مكافأة على الفوز الرياضي.

قطعة رخامية بارزة تُصور الجوائز الرياضية، القرن الثاني الميلادي، روماني. من الرخام، الأبعاد: 12 ¾ × 26 ½ بوصة (32.5 × 67.7 سم). الحقوق: متحف متروبوليتان للفنون، نيويورك، شراء، صندوق روجرز، 1959 (59.11.19). 
إعادة تعيين الألوان