نحن نعد شيئًا رائعًا من أجلك.

نساء في الأولمبياد: جسد يحلم، صوت يُقاوم، وتاريخ ينهض
زوايا ثقافية

نساء في الأولمبياد: جسد يحلم، صوت يُقاوم، وتاريخ ينهض

نساء في الأولمبياد: جسد يحلم، صوت يُقاوم، وتاريخ ينهض

لوحة جدارية متخيلة لنساء يلعبن الرياضة، باستخدام Midjourney.
 

بقلم روان طلال
June 30th, 2025

لم تكن الرياضة يومًا مرآة للقوة البدنية وحسب، بل لوحة تعبّر عن صراع الإنسان مع ذاته، ومجتمعه، ولأجل ذاته ومجتمعه في الوقت ذاته، أمّا هنّ فلم تكن خطواتهنّ مجرّد خطوات رياضية، فكل خطوة في ساحات العشب، في الرمل، وفي الثلج والماء تركت أثرًا في جسد المجتمع، بل وأعادت تشكيل ملامحه، وصدحت بفضلها أسئلة عديدة: مَن يحق له أن يكون بطلًا رياضيًّا؟ مَن يسمح له أن يركض، ويسجّل، أو أن ينتصر؟ ومَن الأحق بأن يُحتفى بمنجزاته؟ والمرأة التي كانت تُقصى لزمن طويل، وتُحبس في الظلّ، أصبحت صانعة الضوء والأمجاد. 
 

من الظلّ إلى الملعب: بطلات العالم
سيرينا ويليامز امرأة في وجه العنصرية. الرسّام هشام محيي.
ويلما رودولف من شلل الأطفال إلى مضمار الركض. الرسّام هشام محيي. 

سُمح للنساء بالمشاركة في الألعاب الأولمبية لأول مرة عام 1900! ومن هنا بدأت حكاياتهنّ. في التنس أعادت شتيفي جراف تعريف التفوق الرياضي، وسُجّلت في التاريخ كأول من يفوز بالجراند سلام الذهبي، وجعلت من الملعب مساحةً لإثبات الاستحقاق. ولم تحمل سيرينا ويليامز مضربًا فحسب، بل حملت قصة امرأة سوداء تواجه العنصرية والأحكام المُسبقة بكل ضربة قوية.

أمّا في ميدان الجودو والفنون القتالية فسيحتفل الاتحاد الدولي للجودو بالذكرى السنوية الخامسة والأربعين لأول بطولة في العالم للسيدات، وذلك في نوفمبر من العام الجاري. رسمت روندا روزي خريطة جديدة، بضرباتها، لتصبح أول امرأة تخترق أسوار بطولة القتال النهائي (UFC). أمّا داريا بيلوديد فنقشت اسمها في التاريخ، حين فازت بأول لقب عالمي لها، وهي في سن السابعة عشرة، لتصبح أصغر بطلة عالمية للجودو في التاريخ.

وعلى مضمار الركض، هزمت ويلما رودولف شلل الأطفال، وصنعت معجزتها، لتفوز بثلاث ذهبيات في أولمبياد 1960. وعلى المضمار، ركضت شاكاري ريتشاردسون ضد الزمن لتسجّل اسمها ضمن أسرع عشر نساء في التاريخ. أمّا في السباحة فسجّلت كريستين أوتو رقمًا قياسيًّا بعد أن فازت بستّ ميداليات ذهبية في دورةٍ واحدة، لتُثبت أن لا مستحيل.

أمّا في الجمباز فلم تقفز سيمون بايلز -أكثر لاعبة جمباز تتويجًا في التاريخ- لتسجّل أرقامًا وحسب، بل قفزت فوق صمت طويل حول الصحّة النفسية للرياضيين. أمّا ليندسي فون فقد حصدت ميداليتها الذهبية عام 2010 حين نزلت من انحدار التلّ في فانكوفر كإعصار، وبجسدٍ يعرف كيف يشقّ طريقه نحو الهدف على الرغم من الألم لتصبح أكثر المتزلّجات تتويجًا عبر التاريخ.
 

العالم العربي: نساءٌ يعدن كتابة التاريخ
نوال المتوكل: فصلٌ جديد للمرأة العربية. الرسّام هشام محيي.  
سارة العطار مثالٌ لامرأة صنعت التاريخ. الرسّام هشام محيي.  

في عام 1984، فتحت نوال المتوكل بابًا جديدًا لنساء المغرب والعالم العربي، بعد أن أصبحت أول امرأة عربية وإفريقية تفوز بذهبية في سباق الحواجز, ركض لم يتوقّف نحو القمّة. بعدها بسنوات ركضت غادة شعاع لتحقّق ذهبيتها، ولتدخل بلدها سوريا التاريخ كأول امرأة سورية تحصد الميدالية الذهبية.

في مصر بدأت مسيرة الميداليات الذهبية عام 2004، حين حصدت فريال أشرف عبد العزيز أول ميداليةٍ ذهبية، أهدتها لبلدها، ثمّ توالت الذهبيات حين حصدت السمكة الذهبية فريدة عثمان أول ميدالية مصرية ذهبية في بطولة السباحة.

أمّا نور الشربيني ورنيم الوليلي وفي عالم الإسكواش فكانتا سفيرتين للدهشة، تتلاعبان بالكرة كأنّهما تكتبان شعراً في الهواء. وفي تونس لمع نجم أُنس جابر التي تحولت من لاعبة إلى أيقونة، كأول عربية تصل إلى نهائي بطولة غراند سلام في التنس.

وفي المملكة العربية السعودية بدأت قصة طال انتظارها. في أولمبياد لندن 2012، وقفت سارة العطار ووجدان شهرخاني، ليس للفوز، بل لتصنعا التاريخ، ومن بعدهما جاءت لبنى العمير في المبارزة، وتهاني القحطاني في الجودو، وياسمين الدباغ في ألعاب القوى، وريم العبّود في الفورميلا، ومشاعل العايد في السباحة، وتقى الأحمدي في رفع الأثقال، وغيرهنّ حاملات لواء التحول من جيل شاهد الرياضة من بعيد إلى جيل يُعيد تعريف الواقع.
 

بطلات من آسيا وإفريقيا.. وقصص شبيهة

ركضت العداءة الهندية ماري دي سوزا محمّلةً بالآمال عام 1952، لتكون أول امرأة هندية تشارك في الأولمبياد. أمّا الملاكمة الهندية ماري كوم، والتي لم تخشَ شيئًا، فحقّقت ستّ بطولات عالمية، وميدالية أولمبية، وفي الريشة الطائرة رفرفت ساينا نهوال إلى العالمية، ممثّلة طموح المرأة الهندية.

ولم تختلف الصورة كثيرًا في شرق آسيا؛ إذ جاءت أولى المشاركات الرياضية في رفع الأثقال فئة السيدات من الصين، وهن: (يانغ شيا، تشين شياومين، لين وينينغ، ودينغ مييوان)، وأُدرجت أسماءهن لأول مرة في أولمبياد 2000، وقد حققن إنجازًا استثنائيًا بحصولهن جميعًا على الميداليات الذهبية.

بينما في كرة الطائرة، قادت تشو تينغ منتخب بلادها لتحقيق أرفع الألقاب، معيدةً الهيبة إلى الرياضات الجماعية النسائية. وفي كوريا تُعد يو ميونغ-جا، -بطلة الجمباز - أول مَن رفعت اسم بلدها في الأولمبياد، بينما حققت كيم سو-نيونغ والمُلقبة بـ" الأفعى"، الميدالية الذهبية في الرماية خلال دورة الألعاب الأولمبية عام 1988، مثبتةً للعالم بأن النساء قادرات على انتزاع الذهب والوصول للقمة!

في كينيا كانت تيغلا لوروب أول مَن رفعت علم إفريقيا في الماراثونات العالمية، لتصبح لاحقًا سفيرة سلام ومناصرة للاجئين. وفي موزمبيق بسباق 800 متر، حصَدت ماريا موتولا أول ذهبية نسائية لبلدها.

في لحظةٍ ما من التاريخ استطاعت هؤلاء النساء وغيرهن إعادة تعريف ما يعنيه أن تكون امرأة، فلم يكنّ يومًا مجرّد بطلات يُكرّمن على المنصّات، واستخدمن الرياضة وسيلة للوصول، ولغة للتعبير، وقوة للقول: "أنا أستطيع".

أتين من كل مكان، من رمال الصحراء، والقرى البعيدة، والمدن المنسية إلى الأولمبياد، كل امرأة منهنّ رسمت طريقًا، أحيانًا على المضمار، أحيانًا في الملاعب، أحيانًا بين الأعراف، وأحيانًا في صمت الأرقام.

ومع كل فوز، كل تعادل، وكل خسارة حتى، ولدت ثقافة جديدة تقول إنّ الجسد الأنثوي ليس كائنًا خجولًا، بل ثائرًا، جميلًا، وقادرًا، وكل ميدالية ذهب تزرع بذرة أمل في قلب فتاة صغيرة تحمل كرة، أو تركض في حدود مدينتها، فلا حدود للمستحيل، وما زال في القصة متسع لنجاح جديد!
 

إعادة تعيين الألوان