الفنون غير الماديَّة
غلاف فني: تشكيلات فنِّية من الحياة السعودية، للفنان السعودي القدير عبد الله حمّاس.
ولا يقدّر مدى صعوبة إبقاء بعض التراث الثقافي حيًّا. نحن نأخذ الأشياء كمُسَلَّمات، ولا ندرك أهميتها إلا عندما تختفي.
يستمر مصطلح "التراث الثقافي" في التَّغير ولا يقف عند المظهر المادي لتراثنا، مثل المعالم والمجموعات الأثرية. إذ يشمل كذلك الجانب "غير المادي"، مثل: التقاليد والقصص وأشكال التعبير الحية الموروثة من أسلافنا، كما يضمّ التقاليد الشفهية، والفنون المسرحية، والممارسات الاجتماعية، والطقوس والمناسبات الاحتفالية، والمعارف والممارسات المرتبطة بالعالم من حولنا - كالطبيعة والنجوم -، والمهارات اللازمة لمواصلة الحرف التقليدية.
يحتفي هذا العدد من إثرائيات، والأخير في شتاء عام 2023، بالتراث الثقافي (غير المادي) القابل للاندثار، والمستمر من خلال موضوع "نسيج" حيث نبقى متصلين بماضينا وحاضرنا وبالآخرين من حولنا من خلال قصصنا عبر الثقافات، وغيرها.
من الواجب علينا المحافظة على خصوصيتنا وحماية الهويات الثقافية المعرضة للضياع، وعلى تنوعنا الثقافي في ظل العولمة الكاسحة التي تعمل على تحييد الهويات والسرديات الخاصة.
نحن نفخر بإبراز الهوية الفنية والثقافية التشكيلية للفنان السعودي الشهير عبد الله حمّاس على غلافنا، وهي قطعة تجسد المشهد الثقافي النابض بالحياة والحكايات المترعة بالدلالات الثقافية للمملكة العربية السعودية.
بدءًا من أشجار النخيل المتواضعة، حيث يتم استخدام واستثمار كل جزء منها، إلى الجداريات الفريدة في القَط العسيري، وحتى رعاية الخط العربي، العديد من جوانب التراث الثقافي غير المادي التي يتم اكتشافها والاحتفاء بها في هذا العدد.
تكريمًا للمجتمعات المختلفة التي تشكل عالمنا، مثل مجتمعات السكان الأصليين، نعرض هنا أول ظهور على الإطلاق لفن السكان الأصليين الكنديين، حيث نعتز بالمشاركة في الحوار بين الثقافات.
في هذا العدد أيضًا، نعود معكم لزيارة عظماء مثل كلود مونيه (1840 - 1926)، رائد الانطباعية، ونلتقي بفنانين وشخصيات يحافظون على ثقافاتنا ويبحثون عنها ويوثّقونها - ويعيدون اكتشاف التقاليد القديمة التي استمرت حتى يومنا هذا وتطورت، مثل فن رواية القصص، كما يتجسد في مجلة القافلة (الشقيقة الكبرى) التي يبلغ عمرها الآن 70 عامًا، لنلاحظ أن الطرق التي نشاهد بها القصص ونرويها قد تغيرت.
إن فهم تراثنا الثقافي غير المادي - هذه الثروة المعرفية المذهلة -، والتراث الثقافي للمجتمعات المختلفة،
يلهم الحوار بين الثقافات، ويبني جسور التفاهم، ويشجع على الاحترام المتبادل أمام مسارب الحياة المتنوعة.
"اللي ما يعرف الصقر يشويه"
يشير هذا المثل العربي إلى أن من لا يعرف قيمة الشيء، قد يعمى عن قيمته الحقيقية. لذا، يجب علينا تجنب الوصول إلى مرحلة قد نغفل عن قيمة الشيء أمامنا، والذي قد يمثل جزءًا من هويتنا الإنسانية الفردية والجماعية.