نحن نعد شيئًا رائعًا من أجلك.

حمايةُ المعارفِ التَّقليديَّة
نسيج فنّي

حمايةُ المعارفِ التَّقليديَّة

حمايةُ المعارفِ التَّقليديَّة

نموذج من التطريز السعودي والزي التقليدي.

بقلم أ.د ليلى صالح البسام
December 14th, 2023
نموذج من التطريز السعودي والزي التقليدي.
حمايةُ المعارفِ التَّقليديَّة..

تَلقى المعارف التقليديَّة بجميع أشكالها اهتمامًا عالميًا، إذ أنّها تمثل تاريخ وحضارة الشعوب، وتبرز ثقافتها وتميزها، فهي تُمثل إرثًا إنسانيًّا، تسعى الاتفاقيات الدُّولية ذات الصلة - لا سيما التي تبنَّتها منظمة الأمم المتَّحدة للتَّربية والعلم والثَّقافة - إلى إبرازها وتسجيلها، وتحثُّ على الحفاظ عليها لتكون أداة تعريفيِّة للهُويَّة الوطنيَّة للمجتمعات المختلفة، وتعزِّز التَّعاون الثَّقافي والإنساني بين شعوب العالم. وتتوفَّر المعرفة التَّقليدية في معظم الأعمال التي يقوم بها الإنسان، وترتبط بتاريخ الشُّعوب وآدابهم وفنونهم وقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم، وتشمل المعارف والمهارات والإبداعات والممارسات التي تنتقل بين الأجيال، وتُشعرهم بالحنين للأباء والأجداد.

وتعدُّ المعارف التقليديَّة أحد الأسباب الأساسيَّة التي أدت إلى تقدُّم الأمم على مختلف الأصعدة، وهي تمرُّ دومًا بمراحل من الارتقاء والتَّطور والتَّجدد، ويتم التَّعبير عن تلك المعارف من خلال عدَّة طرق، مثل التَّعبير باللَّفظ، أو التَّعبير بالموسيقى، أو التَّعبير من خلال العمل، بالإضافة إلى التَّعبير الملموس. ومن أشكال التَّعبير الثَّقافي: الرَّقصات، والأغاني، والحكايات، والحرف اليدويَّة. ومن ضمنها ما تتطلَّبه صناعة الأزياء من نسج وحياكة وتطريز، وكذلك الزينة التي يتزين بها من حُلي ومواد تجميل. وقد تكون أشكال التَّعبير الثَّقافي التَّقليدي مادِّية أو غير ماديِّة، أو كما هو حالها في أغلب الأحيان؛ مزيجًا بين الحالين، وهذا ينطبق على الأزياء التقليديَّة والتي هي موضوع حديثنا، والذي سنقتصر فيه على أساليب زخرفة الأزياء التقليديَّة السعوديَّة فيما يلي: 

تُمثِّل الملابس التَّقليديَّة التُّراث الذي ورثناه عن الأجداد، والجذور التي تربط ماضينا بحاضرنا، ومن خلالها يمكن تحديد هُويَّة مرتديها، بما تحمله من زخارف وألوان وخامات وأساليب فنيَّة وتقنيَّة. والتطريز فنٌّ من الفنون الزُّخرفيَّة التي استعان بها الإنسان لتزيين ملابسه قبل توفُّر الأقمشة المنقوشة، له أهميَّة كبرى في الملابس التقليديَّة حيث لا يخلو أيّ زي منه، خصوصًا في ملابس المناسبات والأعياد، والتي يتم تطريزها بكثافة. ويلعب التطريز دورًا أساسيًّا في إيجاد التَّنوع في الملابس التقليديَّة المحدودة القطع، وما اتَّصفت به من أشكال ذات خطوط ثابتة لا تتغير، ويخضع هذا التَّنوع لمناسبة استخدام الزِّي، والمستوى الاقتصادي لمرتديه، حيث كان من النادر أن تخلو أي قطعة ملابس من التَّطريز، وكان يتركز عامة حول فتحة الرَّقبة وعلى الصَّدر والأكمام وعلى بعض الخياطات وأحيانًا تُنثر الوحدات الزُّخرفيَّة على أرضيَّة قماش الزِّي.

لقد كانت الأزياء التقليديَّة في المملكة العربية السعوديَّة مجالًا أبدعت فيه المرأة، وتنوَّعت فيه أساليب الزَّخرفة واختلفت أنماط التقنيَّة على الرَّغم من وسائلها وأدواتها البدائيَّة، حتى أن تلك الأزياء وزخرفتها اكتسبت إبداعًا مميَّزًا؛ تتجلى فيه القــدرة على استخــدام المتوفِّر في البيئة المحيطة في أغراض تفوق مكونات المادة نفسها، فكانت أصدق وسيلة للتَّعبير عن ابداع المرأة وذوقها الخاص المتميِّز.

وتنقسم المملكة العربية السعوديَّة إلى خمس مناطق جغرافيَّة رئيسة، لكلٍّ منها سماتها تبعًا لعاداتها وتقاليدها وطبيعتها الجغرافيَّة. وقد ظهر التَّطريز في ملابس تلك المناطق كلّها، بحيث تميَّزت ملابس كلّ منطقة عن الأخرى بنقوشها وألوانها.

وكان للتَّطريز دور نفعيٌّ بالإضافة لدوره الجمالي، مثل: تقوية الفتحات، وتغطية الخياطات، وحماية الأطراف، ووصل قطع الزِّي ببعضها.

واستوحيت الوحدات الزُّخرفيَّة من البيئة المحيطة بالإنسان، فكان التَّطريز يتمُّ بزخرفة تلقائيَّة، وفق مسمَّيات وأساليب معينة ابتكروها لأنفسهم وأخذوها بالخبرة والممارسة. ينتج عنها زخارف هندسيَّة تلقائيَّة تتكون من خطوط متجاورة أو أشكال نباتيَّة بسيطة، يُستخدم فيها غُرز متعددِّة وألوان مختلفة تُنفَّذ غالبًا بخيوط الحرير ذات الألوان الزَّاهية، التي تميل إلى اللون الأحمر والبنفسجي والقرمزي والأخضر والأصفر، وكميَّة محدودة من الأسود والأبيض، بالإضافة إلى الخيوط المعدنيَّة الذهبيَّة والفضيَّة، والخامات الأخرى، مثل: الخرز والتلي والكنتيل والتَّرتر وغيرها. كل ذلك بدون أيّ رسوم مسبقة، حيث تعتمد المرأة على خيالها لتنتج زخارف مميَّزة بالدِّقة والاتقان العالي دون أيّ أدوات للقياس غير أصابعها.
 

نموذج من التطريز السعودي والزي التقليدي.

ومن أهم الخامات التي استخدمت في التَّطريز:

● الخيوط: استخدمت في تطريز الملابس التَّقليديَّة عدَّة أنواع من الخيوط، وهي:

الخيوط المعدنيّة:  استخدمت خيوط الذَّهب والفضَّة والمعادن المطليَّة والتي عرفت باسم خيوط "الزري" أو "القصب"، في تطريز ملابس المناسبات والحفلات في أغلب مناطق المملكة.

الخيوط الحريريّة: يطلق عليها اسم خيوط "الإبريسم" أو "النزك". وكانت على شكل شلل من جميع الألوان.

الخيوط القطنيّة: استخدمت الخيوط القطنية في تطريز الملابس اليومية والأقل تكلفة، حيث تزين خيوط القطن المنسلة من أقمشة مخالفة للون الثَّوب المراد تطريزه.

الخيوط الصوفيّة: استخدمت بشكل محدود لأزياء تحتاج مثل هذه الخيوط، حيث طرَّزت فيها الجِباب الصُّوفية بعد صباغتها بألوان مناسبة.

● الأقمشة:

تُعدُّ الأقمشة الخامة الأساسيَّة التي يقوم عليها التَّطريز اليدوي، وقد عُرفت الأقمشة التَّقليديَّة بمسمَّيات تختلف تمامًا عن المسمَّيات المعروفة بها حاليًّا، وقد وُضعت هذه المسمَّيات القديمة للأقمشة إمّا وصفًا لنوع الخامة المصنوعة منها، مثل: "إبريسم" و"تور" و"يشمك"، أو إلى نوع الرُّسوم والنُّقوش والزَّخارف، مثل: قماش "حب الهيل" و"دق النير" و"ربيانة"، وقد ترجع التَّسمية إلى اسم البلد المُصدِّر للخامة، مثل: "مصري" و"أمريكاني" و"صيني".
 

هذا بالإضافة إلى استخدام الأقمشة في تزيين الملابس بإسلوبيّ النَّسيج المضاف ((Applique وتجاور النَّسيج (Patchwork).

● الكلف المضافة:

للكلف المضافة أهمية كبيرة في إكساب الملابس التقليديَّة الجمال والزِّينة، وقد عمَّ استخدام الكلف الثّابتة في الملابس. وكان لها عمر استهلاكي طويل، نظرًا لأنها كانت تُصنع من خامات ثمينة كالذَّهب والفضَّة،  فتنقل من الثِّياب القديمة البالية إلى الثِّياب الجديدة، محتفظة غالبًا بالمظهر والرَّونق الجذَّاب نفسه.  

التَّرتر: عبارة عن رقائق معدنيّة مستديرة مثقوبة من منتصفها ومتعددِّة الألوان، وكانت من التَّرتر الحرِّ الأصلي من الفضَّة أو الذَّهب أو المعدن المطلي، قبل أن ينتشر التَّرتر البلاستيكي.

التَّلِّي: هو عبارة عن صفائح معدنيّة رقيقة مطليّة بالذّهب والفضّة، مستطيلة الشّكل تدخل في ثقوب الثّوب المصنوع من قماش التّل، بحيث تعطي زخرفة هندسية جميلة متعددِّة الزَّخارف والموضوعات.

الكورار : هو شريط الزري المنفذ بطريقة تشبه النسيج، وتتم عملية نسيج الشريط وتثبيته على قماش الثَّوب في نفس الوقت وبالتَّبادل بين إمرأتين متقابلتين، هما: المطرِّزة والمعاونة.

أزرار الفضة: ليست أزرارًا بالمعنى المفهوم، بل هي عبارة عن كرات صغيرة مفرّغة مصنوعة من الفضَّة ذات عروة (حلقة)، تستخدم في تثبيتها إلى جوار بعضها، حول فتحة كم المقطع، وذلك بواسطة الخيط والإبرة، وأحيانًا يستمر تثبيت هذه الكرات لتغطي جزءًا من خياطة الكم الجانبية. وهناك نوع آخر أصغر في الحجم مثقوب من الجهتين، وينظّم على طرف الكم أثناء التطريز، على مسافات متساوية بالتّبادل مع غرز التّطريز، وتصنع هذه الأزرار غالبًا من الفضّة أو الرّصاص، وهي من الكلف التي لا تستهلك، إذ أنها تنزع من الزّي البالي، وتثّبت في آخر جديد.
 

نموذج من التطريز السعودي والزي التقليدي.

وقد تعرَّضت الملابس التقليديَّة وزخارفها في المملكة العربية السعوديَّة لتغير جذري واضح دون تدرُّج يذكر، بسبب التَّطور السَّريع الذي طرأ على المجتمع بعد اكتشاف النِّفط، مما عرَّضها للاندثار، ولهذا فإن الإسراع في دراستها والكشف عن خفاياها والمحافظة عليها وتطويرها بما يتماشى مع حياتنا العصريَّة، واجب وطنيٌّ وأمر مُلح، يحتِّم علينا أن نوليه عناية خاصة حتى لا تنعدم الصِّلة بين ماضينا وحاضرنا، وقبل أن يغيب حملة هذا التُّراث عن مسرح الحياة ويندثر معهم ما ورثوه عن أسلافهم.

ويلعب توثيق المعارف التقليديَّة وتسجيلها دورًا مهمًا في تنظيم ومنهجة المعارف التقليديَّة وحفظها للأجيال المقبلة، ويعمل على إظهار وتحقيق التقدير الاجتماعي للشعوب، وحماية الملكية الفكرية لها وللمنتجات المتعلقة بها.
 

إعادة تعيين الألوان