فنُّ التَّنوعِ الثَّقافي
روح الانقلاب الشمسي، ماكسين نويل.
تعدُّ كندا، واحدة من أكثر الدول تنوعًا وحيوية في العالم، تركت بصمتها العريضة والتاريخية على الساحات الدولية. وهذا العام تحتفل بمرور 50 عامًا على علاقتها مع المملكة العربية السعودية، بعد استعادة تلك العلاقة هذه السنة، التي مرت بفترة انقطاع دبلوماسي دامت لخمس سنوات.
تشتهر كندا بمواطنيها الودودين، وشتائها البارد، ومعالمها الطبيعية، مثل: شلالات نياجرا والشفق القطبي الشمالي وحدائقها الوطنية وجبال الروكي الكندية. وتعتبر موطنًا لمجتمعات أصلية وحيوية، كما أنها تعزز ثقافة غنية من التقاليد والفنون وأنماط حياة فريدة. ومن بوسعه أن ينسى الحيوانات الرمزية في كندا مثل: الدببة الكبيرة، وطيور الغواص، والرنة.
تاريخيًا اسم كندا مستمد من السكان الأصليين. يُقال إن اسم "كندا" على الأرجح يأتي من كلمة "كاناتا" في لغة الهورون-إيروكوا، والتي تعني "قرية" أو "مستوطنة".
قبل مئات السنين، حوالي عام 1535، كان السكان الأصليين لمنطقة "مدينة كيبك" حاليًا يستخدمون هذه الكلمة لإرشاد المستكشف الفرنسي "جاك كارتييه" إلى قرية "ستاداكونا". ثم استخدم "كارتييه" فيما بعد كلمة كندا ليس للإشارة لتلك القرية بعينها فقط، بل لكل المنطقة التي تقع تحت حكم الزعيم "دوناكونا" (زعيم قرية "ستاداكونا").
الباقي كما يقال، هو تاريخ، حيث أطلق على الجزء الأكبر من البلاد اسم كندا، وأصبح هذه اللقب رسميًا بعد دراسة ما يقرب من عشرة اقتراحات لأسماء ممكنة مثل توبونيا وفيكتوريا لاند وهوشلاغا وكابوتيا.
يسرنا أن نجري مقابلة مع سعادة جان فيليب لينتو، سفير كندا لدى المملكة العربية السعودية، مملكة البحرين، سلطنة عمان وجمهورية اليمن، لنتعرف بمزيد من التفصيل على العلاقة بين المملكة العربية السعودية وكندا ومستقبل العلاقات بينهما.
كما نحتفي بمجموعة فنية جميلة وخالدة من الشعر والفن، من خلال عرض أول لأعمال فنانين أصليين كنديين.
بصفتي سفير دولة كندا في المملكة العربية السعودية، فإن مهمتي هي بناء جسور من التواصل بين الناس والمؤسسات في كندا وبين بلد الاستضافة. لذا، لدي تقدير خاص للقوة التي يمتلكها الفن في ربط الناس من خلال قيمنا المشتركة وإنسانيتنا. الفن لديه القوة الكامنة على توحيد الناس من مختلف الألوان، القادمين من جميع أنحاء العالم ومن كافة أوجه الحياة، وذلك من خلال التمتع بالإبداع وتقدير التعبير الفني، وهو شيء لا يعرف الحدود.
تتميز كندا بأنها دولة متنوعة الثقافات بالفعل، كأنها لوحة موزاييك من التباين، تحتوي على طبقات متباينة من التراث الأصلي الغني، التي طالتها تأثيرات فرنسية وإنجليزية في وقت مبكر، إضافة إلى ثقافات فريدة لأشخاص جاؤوا إلى كندا من جميع أنحاء العالم حقًا. ومع ذلك، فإن التقاليد المتنوعة واللغات والفنون للشعوب الأصلية في كندا لها من الأهمية مكانتها، بفضل علاقتهم القوية بالطبيعة من حولنا، فهم يشكلون أساس تراثنا المشترك وجزءًا أساسيًا من هويتنا الوطنية.
منذ استعادة العلاقات الثنائية الكاملة بين كندا والمملكة العربية السعودية في مايو 2023، دخلنا في فترة نشطة لبناء الجسور واكتشاف الفرص الجديدة للتعاون داخل المملكة العربية السعودية، بما في ذلك في مجال الفنون والثقافة. نحن نعمل على تعيين وتنمية اتصالات وشراكات جديدة ستعمل على ربط أعمق بين الشعب الكندي والشعب السعودي في المجال الثقافي. ونعتزم بشكل خاص التركيز على عرض أعمال فنية لفنانات من كل من كلا البلدين، وذلك نظرًا لأهمية تمكين النساء من العمل في كندا وتحت رؤية المملكة العربية السعودية لعام 2030.
بالطبع، كندا مشهورة بحلوياتها الرمزية مثل شراب القيقب، والدوناتس المصنوعة في تيم هورتونز، ولكن هناك أمثلة أخرى تمثل واقع كندا الحديث وتنوعه الثقافي. على سبيل المثال، (سلام عبر الشوكولا) هو مشروع تجاري كندي مشهور ومحبب، أسسته عائلة سورية لاجئة، عائلة هَدهَد، التي انتقلت إلى كندا من سوريا في عام 2016.
يفتخر الكنديون جدًا بهذه القصة الناجحة، والحقيقة أن كندا استقبلت حوالي 45,000 لاجئًا من سوريا منذ عام 2015.
السفير الكندي جان فيليب لينتو يقف بجوار "روح الانقلاب الشمسي " للفنانة ماكسين نويل
واحدة من القطع الفنية المفضلة لدي في مجموعة تضمها سفارتنا تسمى "روح الانقلاب الشَّمسي" للفنانة ماكسين نويل. تعجبني هذه القطعة لأنها تبرز حضورًا أنثويًا قويًا، بينما تجسد أيضًا تراث الفنانة السويو، وتعكس مواضيع الطبيعة والروحانية. تعتبر الفنانة الكندية ماكسين نويل من السكان الأصليين من الأصول السانتي والأوغلالا. وهي ناجية من نظام المدارس الداخلية في كندا، والذي يعد فصلًا مظلمًا في تاريخ كندا تسبب في أذى للشعوب الأصلية وعائلاتهم ومجتمعاتهم عبر الأجيال. قامت كندا بعملية رسمية في هذا الشأن، والاعتراف بالحقوق وتأسيس الاحترام والتعاون والشراكة.
بالنسبة لي، أعتقد أنه من المهم تسليط الضوء على الإسهامات الفنية للناجين من نظام المدارس الداخلية كشهادة على تجاربهم وتعزيز فهم أكبر وتقدير ثقافتهم، وهو شيء سعى نظام هذه المدارس إلى محوه بشكل خاطئ.
وهي معروفة بمساهماتها الفنية التي تصور حيوية المشهد القطبي والتراث الثقافي لشعب الإينو. تعكس أسلوبها المميز في لوحتها هذه، حيث تسلط الضوء على التوازن الرقيق بين البيئة الطبيعية الفريدة في القطب الشمالي والعالم الروحي. من خلال تصويرها المعقد للحياة البرية في المناطق القطبية، فإنها تنقل الصلة العميقة التي يمتلكها شعب الإينو مع محيطهم، وجمال وحياة المناظر الشمالية. القطب هو عالم مختلف تمامًا عما نراه من نافذتنا في المملكة العربية السعودية، ولكنني أستمتع برؤية هذه القطعة فهي تذكرني بجمال ورقة المناظر الشمالية في كندا.
"طيور أذهلتها الروح " للفنانة الإينويت لوسي كينوايواك، (الإينويت 1915-1952)
تعجبني عبارة "التنوع هو قوتنا"، لأن قوة كندا تكمن حقًا في شموليتنا. التنوع هو قيمة أساسية في كندا، والتي توجه أيضًا نظرتنا نحو العالم وكيفية تفاعلنا مع شركائنا على المسرح العالمي. احترام التنوع هو أيضًا قيمة أساسية بالنسبة لي شخصيًا، وهو ما يشكل كل تعاملاتي مع أصدقائي وزملائي ومعارفي.
وصلت إلى المملكة العربية السعودية في يوليو، وحتى الآن قمت بزيارة المنطقة الشرقية وجدة، ولكنني أتطلع إلى السفر إلى كافة أنحاء المملكة، خاصة في الوقت الراهن ومع تحسن الأحوال الجوية. كانت جميع تجاربي خارج الرياض مميزة، ولقد لمست دفء وكرم الشعب السعودي في كل مكان زرته. استمتعت بشكل خاص بركوب القطار من الدمام إلى الرياض ومشاهدة المناظر المتغيرة باستمرار وقطعان الجمال من نافذتي. أتطلع إلى استكشاف المزيد من هذا البلد الجميل خلال الأشهر القادمة.
هناك العديد من المواهب الفنية في كندا، من مختلف الخلفيات الثقافية، ومن الصعب معرفة من أين تبدأ في الإجابة على هذا السؤال!
من الناحية التاريخية، لدينا أكثر الرسامين تأثيرًا وأشهرهم في كندا، كانوا جزءًا من "مجموعة السبع" (فرانكلين كارميكائيل، لورين هاريس، آي. واي. جاكسون، فرانز جونستون، آرثر ليسمر، ج. إ. إتش. ماكدونالد وف. إتش. فارلي)، الذين طوّروا أسلوبًا فنيًّا فريدًا للرسم في بداية القرن العشرين ووضعوا الفن الكندي على الساحة العالمية.
ولدينا أيضًا ثروة من المواهب الفنية من المجتمع الأصلي، بما في ذلك فنانين مثل: نورفال موريسو وكينوجواك أشيفاك، الذين قدموا أعمالًا فنية مشهورة على مستوى العالم. أحثك على إلقاء نظرة في حساب @CanadianPaintings حيث يعرض الموقع بشكل رائع إسهامات كندا الفريدة والمتنوعة في عالم الفن.
أرغب في أن أشير إلى سيرك دو سوليه، الفرقة الكندية الأدائية كسفراء ثقافة عالميين لكندا، قدمت الفرقة في جميع أنحاء العالم الإبداع الكندي والمبتكر، بما في ذلك في المملكة العربية السعودية. وهناك فرق أخرى من مبدعي مقاطعة كيبك، وهي فرقة تقدم فنون الأداء الرائدة على المسرح العالمي بما فيها (لوسيت دواز) أو الأصابع السبعة، كما نرجو أن يقدموا عملًا في المملكة العربية السعودية في المستقبل القريب.
مثل مجموعة واسعة من الفن الكندي في المعرض الوطني التابع لها، والمتحف الملكي في أونتاريو وغيرها الكثير، بالإضافة إلى واحدة من أفضل المجلات حول تاريخ كندا.
"الرامي" للفنان الأصلي الإينويت نيفياكسياك (1908 – 1959)
" أوز كندا" (1959) للفنان الأصلي كيليباليك مونجيتوك (1940-2014). كان مونجيتوك في سن السابعة عشر فقط عندما شارك في أوائل تجارب الرسومات في كيب دورسيت. يُعزى إليه إنشاء خمس طبعات مبكرة، تلتها خمس طبعات أخرى ضمن مجموعة عام 1959، بما في ذلك لوحة " أوز كندا" التي نعرضها الآن.