نحن نعد شيئًا رائعًا من أجلك.

قافلة الـ70.. طموحٌ متجدِّدٌ لشبابٍ دائم
A-
A+
واحة فنيَّة

قافلة الـ70.. طموحٌ متجدِّدٌ لشبابٍ دائم

قافلة الـ70.. طموحٌ متجدِّدٌ لشبابٍ دائم

صور الغلاف: "لا ريب أن الماء هو من أهم ما يحتاج إليه رجال التنقيب عن الزيت في الصحراء، وهم ينقلونه في سيارات صهاريج ضخمة كهذه التي يقودها عبد العزيز بن شيبان، وهو الذي أمضى حوالي 11 سنة في خدمة الشركة".

بقلم فؤاد الذرمان
December 14th, 2023

الظهران

مع صدور هذا العدد رقم 700، تُكمل القافلة 70 عامًا من عمرها المديد. ولا بُدَّ لنا هنا أن نستذكر بهذه المناسبة ما كتبه أول رئيس تحرير لها الأستاذ حافظ البارودي، رحمه الله، في مقدمة عددها الأول الصادر في أكتوبر 1953م، الموافق صفر 1373هـ، حين قال: "باسم الله نصدر أول عدد من (قافلة الزيت)، وبعونه نوالي إصدار أعدادنا المقبلة، وتأمل إدارة هذه النشرة أن تقدم إلى قرائها موظفي الشركة، كلّ طريف ممكن، وكلّ شائق ميسور، وكلّ مفيد وممتع، ونرجو أن يكون هذا المشروع كبير الفائدة، عظيم الأثر في نشر المعرفة والعلم، وسنبذل كلّ جهد ممكن في تقديم الزاد الفكري النافع، فترضى عنه الخاصة، وتستسيغه العامة".




 

مقالة من العدد الافتتاحي لمجلة "قافلة"، تناقش فيها قوافل الناس ومركباتهم ومعداتهم من أجل البحث المستمر عن النفط.

لا بُدَّ من وقفة تحية واحترام للمؤسسين الأوائل ضمن فريق أرامكو، الذين أطلقوا القافلة حتى وصلت إلى عددها (700)، من مديرين ورؤساء تحرير، وأعضاء هيئة التحرير وسكرتاريته، ومن جهات متعاونة أسهمت في كتابة المقالات وتحريرها، وتصميم المجلة وطباعتها وتوزيعها، ومن أجيال من الكتاب وآلاف من القراء والمشاركين.

ومن يستهوه النظر في أعداد القافلة عبر السنوات فسيلاحظ اتسامها بالثبات والتحول في آن واحد، وأنّها أثّرت في واقعها، وأثْرَته، وتأثّرت به، وكانت شاهدة رائعة على عصرها، فهي إرث سعودي استثنائي عاصر تطور المملكة، فوثّقه على مدى سبعة عقود. ويكفيها فخرًا أنها عاصرت جميع ملوك المملكة العربية السعودية منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، طيّب الله ثراه، مرورًا بعهود أبنائه البررة الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله، رحمهم الله جميعًا، ووصولًا إلى العهد الزاهر الذي نعيشه بقيادة الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله.

 

وُلدت القافلة في أواسط القرن العشرين، في أكتوبر 1953م،

وقد تَواكَب ذلك مع تأسيس أول مجلس للوزراء في المملكة، ولم يكن التلفزيون حينها منتشرًا وكان الراديو محدودًا، بينما الصحافة الورقية لها حضورها وتأثيرها، ولو كانت القافلة فتاة لوجدنا أن ملامحها نمت، وتغيرت مع الوقت، ففي طفولتها وعمرها من 1 إلى 6 سنوات، لم تكن صفحاتها بالألوان وكان غلافها يُطبع بالأسود ولون إضافي.
 

ثمّ دخلت القافلة مرحلة اليفاعة والشباب، وهي في العمر من 7 إلى 22 سنة، وقد اتسمت بالنبوغ المبكّر، فتعلّق بها القراء، وحقّقت شهرة وطنيّة، وعُرفت في العالم العربي، واستكتبت أسماء مرموقة من أرفع الكتّاب والباحثين شأنًا من السعوديين والعرب. كان من ملامح تلك المرحلة أنّ المجلة اليافعة التي كانت تحمل اسم "قافلة الزيت" وضعت جنينًا بالاسم نفسه على شكل نشرة أسبوعية داخلية تُعنى بأخبار موظفي الشركة، فانفصلت النشرة عن المجلّة الشهريّة بما أتاح للمجلة المزيد من نشر المحتوى، كما شهدت هذه المرحلة إضافة مزيد من الألوان للغلاف مع استمرار صور الداخل بالأسود والأبيض، وفي رأيي كانت هذه المرحلة من أزهى مراحلها الذهبية.



 

وحينما أصبح عمر القافلة الحسناء 23 سنة حتّى 40 سنة، حدث تطور في الإعلام العربي الورقي، وصدرت مجموعة من المجلات الحديثة الجاذبة فلم تعد الساحة الإعلامية محدودة، بل ازدادت خصوبة مع المنافسة الشديدة للاستحواذ على اهتمام القراء. فأصبحت صورها الداخلية ملونة وتزينت بالعديد من الاستطلاعات عن المدن السعودية والعربية، وتميزت بمسايرة مواضيع الطفرة الاقتصادية التي كانت في السبعينيات. وفي عمر الأربعين تقريبًا، شهدت القافلة والصحافة الورقية تحديًا أكبر مع بداية انتشار القنوات الفضائية وظهور الإنترنت، وكان ذلك بمنزلة أزمة منتصف العمر للمجلة، ومما يُذكر من تلك المرحلة للقافلة أنها ارتدت في تصميمها وألوانها حللًا زاهية من الهوية البصرية الجديدة لأرامكو التي أطلقتها عام 2000م.

ولكن، بحمد الله، لم تستمر تلك الأزمة، وحصلت القافلة على دفعة جدّدت شبابها لعشرين سنة تالية. أتذكّر أنّ رئيس الشركة الأسبق، الأستاذ عبد الله جمعة، استقطع ساعات من وقته الثمين ليضع تصورًا جديدًا لتطويرها صاغه في 4 أو 5 صفحات، فكانت تلك الأفكار دفعة أعادت الشباب لها، واستطاع فريق تحريرها بالتعاون مع فريق "المحترف السعودي" أن يعيدوا ابتكارها، ويحققوا لها عصرًا ذهبيًّا ثانيًا.



 

مقالة من العدد الافتتاحي لمجلة "قافلة"، تتحدث عن استخدام المبيدات الحشرية لمكافحة مرض الملاريا في المنطقة.

فلما بلغت 60 سنة، لاح في ذهنها التقاعد والراحة، خاصة وأنّ الجوال الذكي و"السوشيال ميديا" واتجاهات التحول الرقمي للإعلام أخذت تتشكل وتستهوي القراء، ومعها بدأ يتشكل تهديد حقيقي للمجلات والصحافة الورقية العربية والعالمية وكثير منها لم يصمد، ولكن مجلة القافلة صمدت وزادت نموًّا في منتجاتها المساندة، فعقدت ندوات وورش عمل في عدة مدن في المملكة، لمناقشة مواضيع جديدة تثري محتواها، وتربطها بشكل أكبر بالمجتمع، 

وأطلقت موقعها في الإنترنت وحساباتها في السوشيال ميديا، وتعاونت مع قناة العربية لنشر جزء من محتواها على هيئة مقالات ومقاطع قصيرة ملهمة، وأطلقت بودكاست القافلة الذي حقق نجاحًا ملحوظًا، وأسَّست مشروعًا تعاونيًّا مع مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) لترجمة المعلّقات إلى الإنجليزية ترجمةً تناسب جيل الألفية، وقد تواكبت ذلك مع إطلاق رؤية السعودية 2030، التي أسست لتحولات نوعية أطلقت مارد الثقافة السعودي.

ولطالما تساءل عشاق القافلة عن توجهاتها المستقبلية،

خاصة وأنها وصلت إلى الـ70 سنة، وللإجابة عن هذا السؤال شكَّلت أرامكو خلال الربع الثالث من عام 2023م الهيئة الاستشارية للمجلة، لتعزيز مسيرتها العريقة وإعطائها دفعة جديدة من الزخم؛ لتمضي في أرض المستقبل بثقة وسخاء. وقد انعقد الاجتماع الأول للهيئة الاستشارية، التي تشرّفت برئاستها، في شهر أغسطس الماضي، وأودّ أن أشارك القراء بأهم ما ورد فيه.

أجمع أعضاء الهيئة على أن المجلة تُعد من الأصول الثقافية الوطنية، وأنه ينبغي البناء على اسمها وعلامتها التجارية وريادتها بوصفها من أقدم المجلات المؤثرة في المملكة، كما اتفقوا أن من الضروري أن تسلك  مسار التحوّل الشامل، وأن يكون لها تأثير ملموس وريادة جديدة تواكب ريادتها في عصورها الذهبية، وذلك بتبني إستراتيجية مستقبلية تنطلق من معطيات المشهد الجديد في دوائره الأربع: تحولات أرامكو وتوسع نشاطاتها بما في ذلك التكامل مع مركز "إثراء"، والتحولات المنبثقة من رؤية المملكة الطموحة، والتغيرات التي يشهدها العالم في مجالات التقنية والفكر والسياسة والاقتصاد، وتحولات قطاع الإعلام الذي يتجه نحو الإعلام الرقمي والتواصل الاجتماعي. وقد أجمع الأعضاء أيضًا على أنّها لا بدّ أن تكون ملبّية لتوقعات الجمهور والجيل الجديد من القرّاء.

مقالة من العدد الافتتاحي لمجلة "قافلة"، تتحدث عن الشاعر العربي الجاهلي الأعشى، مع بعض قصائده.

بالتالي، رأت الهيئة الاستشارية أنّ من المهمّ العمل على أن تكون المجلة مشروعًا ثقافيًّا متكاملًا بقنواته المختلفة الورقية والرقمية، ومنتجاته الرئيسة والمساندة. ومن أبرز الملامح المستقبلية هو التحوّل الرقمي من مجلة ورقية بشكل أساس إلى منصة متكاملة للثقافة، بتوظيف أدوات التسويق المناسبة، والريادة في استخدام الذكاء الاصطناعي، والاستفادة من القدرات والتقنيات الإعلامية المتوفرة لدى الشريك الإعلامي، وهي مؤسسة روناء، مع تأكيد أنّ التحول الرقمي لا بُدّ أن تواكبه الأعداد الورقية؛ لأهمّيتها في الحاضر والمستقبل. ولم ترَ هيئة التحرير تخصيص كامل العدد السبعيني لاستعراض المسيرة التاريخية للمجلة، فأجّلت ذلك لمناسبة مستقبلية أكبر حين الاحتفال الماسّي بمرور 75 سنة على المجلة في عام 2028م بإذن الله.

ومن المؤسف حقًّا أن يصدر هذا العدد في وقت تتعرّض فيه فلسطين، قضية العرب الأولى لإحدى أقسى محنها. ونضرع إلى الله العلي القدير أن ترفرف حمائم الأمن والسلام عليها، وتعود الحقوق إلى أصحابها. وعبر السنوات السبعين الماضية، ازدان الغلاف ثلاث مرات بالقدس الشريف وفلسطين، كما تضمّنت صفحاتها مواضيع كثيرة عن تاريخها وثقافتها وفنونها ومكانتها في القلوب، ولعلّ هذه فرصة تغتنمها أسرة القافلة لتعبّر عن امتنانها الخالص لكتابها المبدعين من الفلسطينيين، الأحياء منهم والراحلين، الذين أثرَوا القافلة بفكرهم وأبحاثهم وإبداعاتهم الملهمة خلال مسيرتها.

وبالنظر في محتوى العدد، سيجد القارئ أنّ محوره يخصّ الثقافة السعوديّة، فلطالما اهتمت هذه المجلة منذ بدايات صدورها، بتصوير جوانب المملكة الثقافيّة والسياحيّة والأدبيّة، كما ذكر مسؤول تحريرها، الأستاذ ميثم الموسوي، بأنّها كانت ما زالت منتجًا ثقافيًّا عربيًّا سعوديًّا بامتياز. 

ومن أبرز مقالات العدد التي يجدر التنويه بها مقال يشرح التحدّي العالمي الذي تواجهه الدول والمؤسسات في التحول إلى طاقة منخفضة الكربون؛ ليتزامن صدور هذا المقال مع تصاعد زخم النقاشات الإقليمية والعالمية في الربع الرابع من 2023م، ومن بينها انعقاد مؤتمر أسبوع المناخ لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الرياض تمهيدًا لاستضافة الإمارات العربية المتحدة قمةَ المناخ "كوب 28"، ولن أطيل في استعراض مقالات هذا العدد، وسأختم ببيت شعري أتغزّل من خلاله بالحسناء القافلة:

ولو أنّ الهوى في القلب يُحصى .. لسجَّل قلبيَ الرقمَ القياسي.



 

إعادة تعيين الألوان