أبواب من منظور العدسة مع عمير البيشي
بعدسة المصور عمير البيشي.
برؤية فنّية خاصة يرصد المعماري الأكاديمي عمير البيشي بعدسة كاميرته جمال تفاصيل العمارة في المملكة، وهويتها الثقافية الثرية. كما يركّز بالتحديد على المنطقة الشرقية ليأخذنا في رحلة تصوير فريدة تجسّد التطور الزمني لمدينة الخبر حيث تترجم صورة الزوايا المباني إلى لوحات فنّية تستحضر ذكريات الزمن الجميل.
يعمل عمير البيشي محاضرًا في كلية العمارة والتخطيط بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل، كما يهتمّ بالفنون البصرية والنمذجة الرقمية وتصميم المنتجات، ويؤمن بأنّ الفنّ جزء مهمّ من حياة كلّ معماري، ويصف بأنّ شغفة بالفنّ كان قد بدأ منذ نعومة أظافره، ويقول: "نشأت في عائلة تهتمّ بمختلف الفنون من صناعة التحف والمنتجات التقليدية إلى الخطّ العربي والرسم التشكيلي. كانت جدّتي - رحمها الله - تتقن الصناعات الجلدية ومنتجات سعف النخيل المختلفة، ومتابعتي لها أثّر فيّ من غير إدراك، حتى دخلتُ مجال العمارة، وزاد اهتمامي بمختلف الفنون المتعلّقة بهذا التخصّص".
وتأتي الأبواب لتكون أحد مواضيع عدسة عمير، يركّز بها على واجهات البيوت الشعبية والقديمة التي تمتاز بها المنطقة الشرقية بأنماطها وزخارفها البديعة، كما تقدّم لقطاته الاحترافية قصصًا يروي لنا من خلالها حكايات الحقبة الذهبية لمدينة الخبر والدمام، والتي كانت تعرف بطابعها الخاصّ، وبتفاصيلها المعمارية الفريدة، نسبةً لتاريخها المختلف وتخطيطها الذي يتبع نمط التخطيط الشبكي المتأثّر بالطابع الأمريكي.
وانطلاقًا من شغفه في العمارة وتوثيقه للماضي بدأ عمير مشروعه (باب طيب)، والذي يختصّ في صناعة مجسّمات معمارية مصغّرة باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد، لأبواب وواجهات المنازل التي تحمل هوية البيت السعودي خلال فترة السبعينيات والثمانينيات الميلادية. كما لاقت هذه المجسّمات بدقتها العالية استحسان المتابعين عبر منصّات التواصل الاجتماعي.
في هذا الحوار الخاص مع مجلة إثرائيات، نتعرّف أكثر على المعماري والمصور المبدع عمير البيشي، وعلى بداياته في مجال التصوير.

مدينة الخبر، بعدسة المصور عمير البيشي.

مدينة الخبر، بعدسة المصور عمير البيشي.
للأبواب أهمّية عالية عبر الزمن، ويقال إنّ مقابض الأبواب هي طريقة لمصافحة البناء، فالباب هو أوّل عنصر يتعامل معه المستخدم بالمبنى، وهو ما يستقبل الضيوف والزوار إلى المبنى. ولطالما تزيّنت الأبواب من الخارج بمختلف الدرجات لتعبّر عن الساكنين في الداخل. تطور تزيين الأبواب عبر الزمن من العمارة التقليدية إلى العمارة المعاصرة. لكن كان لديّ اهتمام أكثر بالأبواب الحديدية التي ظهرت في فترة الحداثة (من الخمسينيات إلى الثمانينيات) في المنطقة، وذلك بسبب اهتمامي بالعناصر المعمارية المميّزة من تلك الحقبة الزمنية التي كان يقلّ تسليط الضوء عليها. كما أنّ لذاكرة المكان أثرها الكبير في اهتمامي بتلك الفترة حيث عشت طفولتي بين مباني وأحياء مدينة بقيق التي نشأت في الفترة نفسها، وجدير بالذكر أنّه تمّ تصنيف المباني من هذه الفترة "مباني المئتي عام الماضية" تحت مسمّى التراث الحديثHeritage Modern من قبل اليونيسكو ممّا يدعونا للاهتمام بعمارة تلك الفترة بشكل أكبر.

مدينة بيشة، بعدسة المصور عمير البيشي.
العمارة كانت السبب الرئيسي لتعرّفي على التصوير. خلال فترة الدراسة تكونت لي صداقات مع عدد من المهتمّين بالتصوير. كانت تبهرني نتائج تصويرهم في أثناء الزيارات الميدانية لمواقع المشاريع المختلفة. بدأت التعلّم منهم عدّة أمور تقنية وبصرية لإظهار الصور بشكل احترافي أكثر. من هنا بدأ الاهتمام بالتصوير مع الأصدقاء إلى أن تحول لاحقًا إلى نادٍ للتصوير الضوئي في الجامعة، وقد أُقيمت عدّة معارض كانت انطلاقة لأعضاء النادي، وتطورت المهارات مع الوقت والممارسة.
وفي التعليم المعماري، يتمّ تسليط الضوء على أفكار ونظريات تحليلية للمباني والأشكال، مثل التماثل، التكرار، الإيقاع، التناغم، التضاد، وغيرها الكثير. كان لتعلّم هذه المفاهيم الأثر الكبير لاحقًا في اختيار التكوين المميز للصورة. كذلك التركيز على المنظور المعماري والظلّ والظلال في إظهار المشاريع كان ينعكس في اختيار زوايا التصوير والإضاءة المناسبة.
تعتبر الخبر الشمالية من الأماكن المفضّلة لديّ في التصوير المعماري وتصوير الشارع، وذلك لغنى المنطقة بالأمثلة المعمارية من فترة تراث الحداثة. كذلك تقارب الشوارع وتقاطعها وكثرة المحلات التجارية الصغيرة المتفرّقة فيها يجعل من المنطقة مكانًا مهيّأ للتجول والاستكشاف بلا ملل. كما أنّ آثار الزمن في مباني المنطقة من الأمور الجاذبة للمصورين بشكل عام.
دائمًا أحاول أن أظهر في العناصر المصورة جانبًا قد لا يراه الآخرون جماليًّا في أرض الواقع. بل قد لا تتمّ ملاحظته بالمرور جانبه من قبل الكثير. والهدف من ذلك هو لفت الانتباه للعناصر المعمارية لتلك الحقبة الزمنية المميّزة، والمحافظة على ما تبقّى منها حيث إنّها أصبحت الآن جزءًا من إرثنا المعماري.

مدينة الأحساء، بعدسة المصور عمير البيشي.

مدينة الخبر، بعدسة المصور عمير البيشي.
باب طيب هو مشروع يركّز على عمل هدايا فنّية تذكارية نابعة من ذاكرة المكان، ويعكس عناصر معمارية من فترة التراث الحديث. استلهمت الفكرة من خلال تصوير المباني من تلك الفترة حيث كانت هناك ردود فعل تعبّر عن ملامسة الصور لمشاعر الكثير عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ومن خلال ربط اهتمامين لديّ، وهما التصوير المعماري، والنمذجة الرقمية ظهرت فكرة باب طيب. وهي البدء بتحويل تلك الصور المعمارية إلى منتجات ملموسة مستلهمة من عناصر معمارية مرتبطة بذاكرة المجتمع المحلي.
الإسهام قدر الإمكان في الحفاظ على إرثنا المعماري، وأن تنعكس هويتنا السعودية المميّزة وثقافتنا الأصيلة في تصاميمنا بمختلف المقاييس من مبان إلى منتجات صناعية.

مدينة الخبر، بعدسة المصور عمير البيشي.

مدينة الخبر، بعدسة المصور عمير البيشي.

مدينة الخبر، بعدسة المصور عمير البيشي.

مدينة الخبر، بعدسة المصور عمير البيشي.

مدينة الخبر، بعدسة المصور عمير البيشي.

مدينة الخبر، بعدسة المصور عمير البيشي.