نحن نعد شيئًا رائعًا من أجلك.

البوّابات التي أسعدت مايكل أنجلو
A-
A+
جسور: حوار بين الثقافات

البوّابات التي أسعدت مايكل أنجلو

البوّابات التي أسعدت مايكل أنجلو

معمودية كاتدرائية فلورنسا، بإذن من أوبرا دي سانتا ماريا ديل فيوري، بعدسة أنطونيو كواتروني
 

بقلم ريم الغزال
July 15th, 2024
الأعمال الفنيَّة، مثل البوّابات البرونزية الثلاث لفلورنسا، يمكنها مساعدة الزوار على اكتشاف بهجة الإيمان من جديد، حتى لو كانت مجرّد لحظة عابرة
- تيموثي فيردون، مدير متحف أوبرا ديل دومو.

إنّها ليست مجرَّد وسائل تفصلنا عن العالم الخارجي، تلك الأبواب والبوّابات تحفظُ خصوصيّتنا وتحمينا، وهي نقطةٌ للدُّخول إلى المكان والخروج منه، بل هي أوَّل ما يراه القادم، وآخر ما يراه الرّاحل عنه.
الأبواب مداخل إلى عالم من الاحتمالات، لكنَّ القليل منها يضاهي في عظمتها بوّابات كاتدرائيّة فلورنسا وروعتها، إذ يكمنُ في طيَّاتها إرثٌ من الإيمان والعظمة.
بوّابات الفردوس أو الجنَّة - كما يقال - الشماليّة منها والجنوبيّة، بُنيت في القرنين الرّابع عشر والخامس عشر، وهي بوّاباتٌ شُكِّلت من البرونز، وطُليت بالذَّهب، لها ثِقلٌ في الوزن، ومكانة عظيمة في التاريخ. تحكي لوحاتها قصصًا متشابكة، تستحضرُ فيها الشّعور بالوجود الإلهي، وتنشرُ الهيبة في نفس كلّ من رآها.
يُقال إنَّ بوّاباتِ الفردوس اكتسبت لقبها من قبل أحد أهمِّ الفنّانين وأعظمهم عبر التاريخ، مايكل أنجلو، الذي قال عنها: "إنَّها جميلة جدًا وتستحقُّ أن تكونَ بوّابة للجنَّة!".
وفي سياقها الديني، تُمثِّلُ هذه البوَّابات بهيبتها وصمودها مداخل لأماكن مقدَّسة. 
وفي مقابلة حصريَّة أجرتها ريم الغزال مع السيد تيموثي فيردون - مدير متحف أوبرا ديل دومو -، صرَّح بقوله: "إنَّ البّوابات البرونزيّة الضّخمة الثّلاث المعروضة في متحف أوبرا ديل دومو في فلورنسا؛ هي من أشهر النَّماذج الفنيَّة الأوربيَّة، التي يعدّها الناس ذات مكانةٍ عظيمة".
 

البوّابات الثّلاث الضّخمة لكاتدرائيّة فلورنسا، والتي صُنعت من قبل أندريا بيزانو ولورندسو غابيتي في حجرة الفردوس، متحف أوبرا ديل دومو فلوري، فلورنسا - إيطاليا؛ بإذن من متحف أوبرا ديل دومو فلوري، بعدسة كلاوديو جيوفانيني.

استغرق النّحات الإيطالي - لورنزو غيبرتي - سبعة وعشرين عامًا بين 1425 و1452 – في صناعة "بوّابات الفردوس" المصوغة من البرونز والذهب، ولها تأريخيَّتها التي تروي (مشاهد) من العهد القديم في عشر لوحات بارزة.
 

بوّابات الفردوس ببصمة غيبرتي، تزن ثمانية أطنان، يبلغ ارتفاعها 5.20 مترًا، وعرضها 3.10 مترًا، وسمكها 11 سم. ساعده في تشكيل تلك البوابات عدد من الفنّانين، تميزوا بمهارة عالية، أمثال: دوناتيلو، ميكيلوتزو، لوكا ديلا روبيا، بينوتزو جوزولي، وبيرناردو سينيني. ولشدّة جمال تلك البوّابات الفردوسيّة، تمّ اختيارها لتكون في موقع إستراتيجي مُشرّف، عند المدخل الشّرقي المواجه للكاتدرائيّة. 
 

بوّابات الفردوس. كاتدرائية فلورنسا، لورنزو غيبرتي، 1425-1452، من البرونز والذهب. بإذن من أوبرا ديل دومو فلوري، بعدسة أنتونيو كواتروني. 
إنّ أقدم البوابات الفلورنسية هي تلك التي صنعها أندريا بيزانو في الثلاثينيّات من القرن الرابع عشر؛ أما البوّابات الأخرى فهي لأحد أبرز معاصري عصر النّهضة في القرن الخامس عشر، لورنزو غيبرتي.
- السيد فيردون، أهمّ مؤرّخي الفنّ في إيطاليا

وأوضح أنَّ تلك البوّابات الثّلاث صنعت جميعها لمعموديّة فلورنسا، الواقعة أمام الكاتدرائيّة التي كانت في ما مضى تستقبل جميع أطفال المدينة المسيحيّين لتلقي تعاليم الدين الذي سيُربّون عليه، كسرّ المعموديّة المسيحيّة. تروي هذه البوّابات الثلاث قصصًا أساسيّة لفهم الإيمان: حياة القدّيس يوحنّا المعمدان، وحياة المسيح، والأحداث العظيمة في العهد القديم. كانت للبوّابات وظيفة رمزيّة تشير إلى الولادة الروحيّة والمواطنة السماويّة، فقد كانت بمثابة (وثائق دستوريّة) تخبر كل من يدخل عن ماهيّة كونه مسيحيًّا.
 

بوّابات الفردوس، حكاية من قصص موسى عليه السلام، بإذن من أوبرا سانتا ماريا ديل فيوري. بعدسة أنطونيو كواتروني. 

تتنوع قصصها من الخلق إلى حياة المسيح، وآدم وحواء، والقديس يوحنّا المعمدان، ونوح (ومعه حيوانات مثل الفيل، والأسد، والغزال، والطيور مثل الصقر) وموسى، وإبراهيم، ويوشع، ويوسف، وسليمان - عليهم السلام -، وغيرهم؛ كلُّ لوحة منها تأسر النّاظرين، وتأخذهم في رحلة عبر الماضي ونحو الذّات.
 

يضيف السيد فيردون: "إنَّ جماليتها الفنية تخدم هذا البهاء الداخلي، وأصبحت رسالتها جزءًا من حياة الناس. ومع نمو الأطفال الذين عُمِّدوا كرُضَّع، جاء الآباء بهم مرّات عديدة (لقراءة) القصص أمام هذه البوّابات؛ لاكتساب المعرفة الإيمانية، والتعرّف على أنفسهم. لقد كانت البوّابات جُزءًا من الهُويَّة الفرديَّة والجماعيَّة لسكّان فلورنسا".
 

بوّابات الفردوس، تفصيل من لوحة تحتوي على قصص نوح عليه السلام، بإذن من أوبرا سانتا ماريا ديل فيوري. بعدسة أنطونيو كواتروني. 

بعد عمليَّة ترميم دقيقة وغير مسبوقة استمرّت لمدّة 27 عامًا، أصبح بإمكان الجمهور الاستمتاع بمشاهدة بوّابات الفردوس واستكشافها مجدّدًا في متحف أوبرا ديل دومو فلوري. وفي 8 سبتمبر 2012، عُرضت أبواب الفردوس مرّة أخرى للجمهور بعد مشروع التّرميم الذي حفظ الطّلاء المذهّب الشّهير، والذي أشرَف عليه، ونفّذه معهد أوبيفيشيو ديل بيتر دوري في فلورنسا. تمّ تنفيذ المشروع بتكليف من أوبرا دي سانتا ماريا ديل فيوري، بتمويل من وزارة التراث والشؤون الثقافية، ومساهمة جمعية أصدقاء فلورنسا. وتابعت أوبرا دي سانتا ماريا ديل فيوري مهمّتها في الحفاظ والحماية على هذه البوابات حتى عام 2019، إذ قامت بالتمويل والتكليف من أجل ترميم البوابات الشمالية والجنوبية.
 

بوابات الفردوس، تفصيل من اللوحة تصور قصص سليمان. بإذن من أوبرا دي سانتا ماريا ديل فيوري. 

قصة البوّابات في التاريخ الحديث، هي حكاية من الاستكشافات الجدّيَّة والمبتكرة، فكان لا بدّ من اتخاذ حلول إبداعيّة متنوعة ومتخصصة لإعادة إحياء البوّابات وحمايتها، حتى يتم عرضها مرّة أخرى على الجمهور، ليستمتعوا بها.
بقيت البوّابات قائمة في مكانها الفعلي حتى عام 1943، حيث تم خلعها وتخزينها في مكان آمن نتيجة للحرب العالمية الثانية. وفي عام 1948، أُعيدت الأبواب إلى المعموديّة بعد إجراء أعمال ترميم تحت إشراف برونو بيرزي. خلال هذه الترميمات تمّ الكشف عن الطّلاء الذّهبي الأسطوري الذي كان مدفونًا تحت الأتربة، وطبقة الطلاء السوداء التي تم وضعها في عام 1772 لسنوات طويلة. لكن وبعد نجاتها من الحرب تعرضت البوّابات للتلف نتيجة للفيضان في عام 1966، وخضعت بعد ذلك لعمليّات ترميم عديدة، بما في ذلك استخدام تقنية اللّيزر الخاصة لتنظيف النقوش، قبل أن تُعرض مرة أخرى أمام الجمهور.
 

الباب الجنوبي لأندريا بيزانو. يشمل زيارة مريم العذراء، وقصّة القديس يوحنا، ورقصة سالومي. بإذن من أوبرا دي سانتا ماريا ديل فيوري. بعدسة أنطونيو كواتروني.

يقول السيد فيردون مستنكرًا: "في مجتمعنا الحالي ذي الثقافات المتعددة، أصبح من الصعب جدًّا تحقيق المستوى نفسه من الاستقبال الشخصي والجماعي. مما أطّر مكانة البوّابات لتكون مجرد تحفة فنية رائعة، ويبقى مغزاها مبهمًا أو مرفوضًا".

وعن واقعنا الحالي يصف: "بشكل عام، لم تعد الصور - حتى الجميلة جدًّا التي أبدعها كبار الفنانين - تؤثّر في الناس كما في الماضي. إذ أشبع التلفاز والإنترنت خيالنا، وجعلتنا الإعلانات أقل ثقة. في عصرنا التكنولوجي، صارت الرمزية، على الرغم من أنها مثار اهتمام، لا تؤثر في حياتنا كما كانت تفعل في السابق".

وختم السيد فيردون بقوله: "هذا يعدُّ شكلًا من أشكال الفقر الأخلاقي، لأنّ البشر يحتاجون إلى الرُّموز والقصص التي يمكنهم الإيمان بها. والأعمال الفنّية مثل البوّابات البرونزية الثلاث لفلورنسا، يمكنها مساعدة الزوار على اكتشاف بهجة الإيمان من جديد، حتى لو كانت لمجرد لحظة عابرة".

مع حجم العمل المتفاني على هذه البوابات الجميلة، والدراسة المكثّفة حولها، فإنه يعدُّ شرفًا كبيرًا أن نكون في حضرتها، وأن نحرص على حمايتها كما يفعل السيد فيردون.


 

الباب الشمالي لمعمدانية فلورنسا. يشمل البشارة، وسجود المجوس، وسير يسوع على الماء، والعشاء الأخير، والصليب. بإذن من أوبرا دي سانتا ماريا ديل فيوري. بعدسة أنطونيو كواتروني.

لزيارة البوّابات، تحقّقوا من الرابط هنا.

لمعلومات إضافية عن أوبرا دي سانتا ماريا ديل فيوري: تأسّست من قبل جمهورية فلورنسا في عام 1296 بمشاركة السلطات الكنسية في المدينة للإشراف على بناء الكاتدرائية الجديدة وبرج الجرس. بعد تكريس الكنيسة في 25 مارس 1436، واستكمال هيكلها المعماري، أصبحت المهمة الرئيسية للأوبرا هي المحافظة على هذا المجمع الضخم وتزيينه. في عام 1777، أصبحت معمودية سان جيوفاني تحت سلطتها، وتم افتتاح متحف أوبرا ديل دومو في عام 1891.
 

الكاتدرائية والمعمودية في فلورنسا. بإذن من اوبرا دي سانتا ماريا ديل فيوري، بعدسة فابيو موزي.
معرض البوابات السماوية لفلورنسا:
الباب الشمالي لمعمدانية فلورنسا، لوحة تصور يسوع يمشي على الماء. بإذن من أوبرا دي سانتا ماريا ديل فيوري. بعدسة أنطونيو كواتروني.
الباب الجنوبي لأندريا بيزانو، الباب الأيمن، رقصة سالومي. بإذن من أوبرا دي سانتا ماريا ديل فيوري. بعدسة أنطونيو كواتروني.
بوابات الفردوس، تفصيل من اللوحة تصور قصص سليمان. بإذن من أوبرا دي سانتا ماريا ديل فيوري.
بوابات الفردوس، تفصيل من اللوحة تصور قصص سليمان. بإذن من أوبرا دي سانتا ماريا ديل فيوري.
إعادة تعيين الألوان