نحن نعد شيئًا رائعًا من أجلك.

قصصٌ تحكيها وتخلِّدها الأبواب
A-
A+
لقاء خاص

قصصٌ تحكيها وتخلِّدها الأبواب

قصصٌ تحكيها وتخلِّدها الأبواب

 الأبواب النجدية في قرية أشيقر، بإذن من المعهد الملكي للفنون التقليديّة (وِرث).
 

بقلم فريق تحرير إثرائيات
July 15th, 2024
عالم صناعة الأبواب في المملكة العربية السعودية يرمز للبدايات الوضّاءة، ويحمل في طيّاته الكثير من الحكايات العريقة، كما يعتبر شاهدًا على ما تجود به أرضنا من خيرات، نستمدّ منها الإلهام في كلّ ما يُعنى بالقيم، والجمال، والفن.
الرئيس التنفيذي للمعهد الملكي للفنون التقليديّة (وِرث)، الدكتورة سوزان بنت محمد - اليحيى.

لم يقتصر دور العمارة في المملكة العربية السعودية على النفعيّة وحسب، بل امتدّ للجانب الجمالي، فقد مَثّلت حرفة صناعة الأبواب التقليديّة جزءًا مهمًّا من هذا الوِرث الذي انتقل من جيل إلى آخر. فأخذت هذه الأبواب تحكي، وتخلّد قصصًا عن التنوع الذي شهدته بلادنا -وما زالت- على صعيد المجتمع، والطبيعة المحيطة بموادّها الخام وتفاصيلها البصرية التي ميَّزت الأبواب في كلّ منطقة عن الأخرى.. ومن منطلق الحفاظ هذا الورث الحضاري الغني والفريد بتنوعه تأتي أهمِّية عمل المعهد الملكي للفنون التقليديّة (وِرث) الذي يسعى لتمثيل ثقافة المملكة من خلال سرد التاريخ الفنّي، وقصص الأعمال الفنيّة التقليديّة بمختلف أنواعها، ورواية قصص الفنانين، إضافة إلى المحافظة على أصالة تلك الفنون وتشجيع المهتمّين على تعلّمها وإتقانها وتطويرها. تترأس المعهد الدكتورة سوزان اليحيى بخبرتها الطويلة في مجال الفنون السعودية البصرية، ولهذا أجرينا هذا الحوار الشائق مع د. سوزان للحديث عن إحدى مبادرات وِرث والتي تُعنى بصناعة الأبواب التقليديّة، وتقنياتها وأساليبها. 
 

 


 

الرئيس التنفيذي للمعهد الملكي للفنون التقليديّة (وِرث)، الدكتورة سوزان بنت محمد اليحيى.

بدأ الحديث عن أهمية الفنون التقليديّة بالأخشاب في المملكة العربية السعودية، وتحديدًا في مجال صناعة الأبواب التقليديّة تقول د. سوزان: " تُعدُّ حرفة النجارة من الحرف التقليديّة المتجذّرة بعمق في الثقافة السعودية، ولها مكانة مهمّة لا يمكن تجاوزها، لهذا نسعى عبر مبادراتنا في المعهد الملكي للحفاظ عليها كأصلٍ تراثي نفيس، من خلال تعزيز الوعي بالأهمية الثقافية لحرفة النجارة وكل ما يرتبط بها من صناعات مثل: فنّ المنجور، الأبواب الخشبية التقليديّة، المباخر، وغيرها من المشغولات الخشبية. كما نسعى أيضًا من خلال المعهد الملكي للفنون التقليديّة – وِرث - إلى تدريب مهارات ممارسي الحِرفة وصقلها، بهدف إلى رفع الوعي عنها وتأسيس وتعريف المهتمّين بها، بل قد يمتدّ إلى اكتشاف مواهب جديدة تعمل في المجال وتطوره.
 

أما فيما يتعلق بالأبواب التقليديّة، فكانت الأبواب وما زالت شاهدًا على النسيج الثقافي المتنوّع للمملكة، حيث يُمثل كل باب هوية المكان الجغرافية، وهوية سُكان البيت الاجتماعية، وذوقهم العام، وقيمهم الكبرى في ما يتعلّق بالكرم والترحاب والضيافة. ليس هذا فقط، بل تمتدّ أهمّية هذه الأبواب بتفاصيلها الزخرفية والجمالية، إلى عكس التطور الفنّي والتقني لحِرفة النجارة بشكل عام، وصناعة الأبواب التقليديّة بشكل خاص.
 

الباب النجدي - قرية أشيقر، بإذن من المعهد الملكي للفنون التقليديّة (وِرث).

وبالإشارة إلى الأبواب التقليديّة، وعن بدايتها وتطورها، استطردت د. سوزان قائلة: "حِرفة صناعة الأبواب التقليديّة مثلها مثل كلّكل ما عرفه الإنسان، تطوّرت بالاستجابة إلى الاحتياجات الإنسانية المختلفة، فنلاحظ بأنّ الموادّ المستخدمة في الصناعة قد اختلفت واستُبدلت بموادّ أكثر متانة مثل الخشب والأحجار، وتمّت إضافة تفاصيل أخرى تِبعًا لحاجة الإنسان، مثل إضافة الأقفال المصنوعة من المعدن لتوفير الحماية وخلق الشعور بالأمان والطمأنينة، ولم يقتصر الأمر على تطور المواد الخام المستخدمة في الصناعة وتغيّرها، بل امتدّ ليشمل اختلاف الأبواب والغاية منها، فمثلًا هناك باب يُسمّى (كمر)، وهو باب صغير الحجم يكون مجاورًا لمكان إشعال النار، توجد خلفه عادةً أدوات الضيافة في المجلس، وكذلك باب (البوابة) أو (دروازه) والذي يتميز بحجمه الكبير، ولهذا يُستخدم على مداخل المدن وأسوارها، أو في الأبنية الكبيرة ذات الفناء الواسع. وهناك أيضًا باب (الدار/ الشارع) وهو الباب الرئيسي والخارجي للمنزل، والتي تُصنع قوائمه من جذوع النخل. هذه الأبواب التقليديّة على امتداد رحلة تطوّرها لم تكن صامتة، بل كانت تتميّز بزخارف ونقوش ما بين هندسية ونباتية ملوّنة، والأجمل من هذا أن هذه الأبواب كانت ابنة بيئتها، فتم استخلاص الألوان المستخدمة فيها مما يحيط بها من مكوّنات الطبيعة".

الباب النجدي - قرية أشيقر، بإذن من المعهد الملكي للفنون التقليديّة (وِرث). 

أمّا عند سؤالنا عن اختلاف صناعة الأبواب التقليدية من منطقة إلى أخرى في المملكة، فأجابت د. اليحيى: "عالم صناعة الأبواب التقليدية في المملكة العربية السعودية يرمز للبدايات الوضّاءة، ويحمل في طياته الكثير من الحكايات العريقة، كما يعتبر شاهدًا على ما تجود به أرضنا من خيرات، نستمدّ منها الإلهام في كلِّ ما يُعنى بالقيم، والجمال، والفنّ. ولأنَّ الحِرفي ابن بيئته وأرضه، نرى اختلافًا واضحًا على صعيد الأخشاب المستخدمة، فمثلًا نرى خشب الأثل وجذوع النخل في الأبواب النجديّة في المنطقة الوسطى، ونرى خشب الساج في المنطقة الشرقية، وخشب العرعر في المنطقة الجنوبية، وخشب التيك في المنطقة الغربية. وكما أشرت سابقًا هذا الاختلاف يمتدّ إلى نوع الزخرفة المستخدم في كلِّ منطقة، حسب طبيعتها".
 

من منتجات برنامج تلمذة صناعة الأبواب النجدية. بإذن من المعهد الملكي للفنون التقليديّة (وِرث). 

وعن مبادرات وِرث في دعم مجال صناعة الأبواب التقليديّة، قالت د. سوزان: "وِرث وجهة لكلّ شغوف بالفنون التقليديّة السعودية التي حملناها معنا مُنذُ تأسيس المعهد، وسنحملها إلى المستقبل، حيث تصب رؤيتنا في تمكين قطاع الفنون التقليديّة بالمملكة من خلال تقديم برامج تعليمية وثقافية ومجتمعية نوعية، وتحفيز التوثيق والبحث والابتكار لسوقٍ حيوي مستدام، وإستراتيجيتنا في وِرث هي دعم الشغوفين والمبدعين وتشجيعهم، عبر فتح أبواب الفرص الداعمة لهم والتي تقوم على التدريب والتطوير، والعرض والاحتفاء، والدعم والتمكين. وفيما يتعلق بالأبواب التقليديّة، فقد قمنا في وِرث بإطلاق عدّة برامج ما بين المستمر لكل مهتم، وبرامج التلمذة لمن يرغب في الوصول إلى حدّ الإتقان. والاحتراف أحد هذه البرامج التي أطلقناها كان برنامج تلمذة صناعة الأبواب النجديّة في منطقة القصيم، والذي قدمه وأشرف عليه حِرفيون من أصحاب الخبرة. وقد تم التطرق من خلال هذا البرنامج إلى أساسيات التراث غير المادي، ونقل تراث ومهارات الكنوز الوطنيَّة الحيَّة في فنون الخشب التقليديّة إلى المتتلمذين عبر البرنامج، بالإضافة إلى تقنيات صناعة الأبواب التقليديّة النجديّة، والزخرفة، وذلك عبر تدريبٍ عمليّ لصناعة أبواب خشبية مستوحاة من تراث نجد عبر ثلاثة مستويات. يشمل المستوى الأول تعلّم الحرفة بشكلها التقليدي الأصيل وفهم السياق التاريخي واستخدام الأدوات بشكل آمن، المستوى الثاني يركّز على تطوير المهارات الحرفيّة المتقدّمة والمبتكرة، والمستوى الثالث يركز على التمكين الرّيادي والمهني للحرفة وإعداد المتتلمذين لسوق العمل".
 

برنامج تلمذة صناعة الأبواب النجدية. بإذن من المعهد الملكي للفنون التقليديّة (وِرث). 
إعادة تعيين الألوان