نحن نعد شيئًا رائعًا من أجلك.

سيرة الكنوز المعماريَّة
A-
A+
زوايا فنيَّة

سيرة الكنوز المعماريَّة

سيرة الكنوز المعماريَّة

تسع بوًابات تقليدية لمدينة الدوحة وضواحيها من الوكرة إلى الريان، في الفترة من الخمسينيات إلى الستينيات. بعدسة بيتر تي. ناجي، © متاحف قطر
 

بقلم فريق تحرير إثرائيات
July 15th, 2024
"باعتقادي أن اكتساب المعرفة الفنية - أو الثقافة المادية بمعناها الواسع - يمكن لها أن تساهم في وضع كيفية لتصنيف أنفسنا في النظام الكوني الثقافي اليوم. ومعرض (ألوان المدينة) يقوم على تبنّي هذا التراث العالمي الغني والمتنوع، ويروي مسارًا تاريخيًا فريدًا في المنطقة"
بيتر تاماس ناجي، القيِّم المشارك لمعرض (ألوان المدينة).

يقدّم معرض (ألوان المدينة) - الذي أقيم ضمن فعاليات "دوحة التصميم 2024" - رحلة بصريّة عبر تطور العمارة في العاصمة القطرية على مدار قرن من الزمان. من خلال نماذج ثلاثية الأبعاد وأفلام وصور ومقابلات تعرض التحولات المعمارية للمدينة. يستعرض المعرض - الذي أشرف عليه غلين أدامسون وبيتر ناجي - التحولات المعمارية التي شهدتها الدوحة، بدءًا من فترة ما قبل النفط، وصولًا إلى التحولات العالمية المعاصرة. وقد استمر المعرض من 24 فبراير إلى 30 أبريل 2024، كجزء من فعاليات دوحة التصميم، المهرجان الذي يحتفي بالإبداع في المنطقة، ويسلط الضوء على مكانة قطر في مجال التصميم عالميًّا.
انضموا إلينا في رحلة عبر الزمن، لاستكشاف التحولات المعمارية الخلابة لمدينة الدوحة، مع تسليط الضوء على سحر أبوابها الأخاذ، من خلال رؤية القيّم المشارك للمعرض، بيتر تاماس ناجي.
 

البوابة الجنوبية، قصر أم العمد، الستينيات. بعدسة بيتر ت. ناجي، © متحف قطر. 
حدثنا أكثر عن المعرض وعن قصته، ومراحل تنظيمه، وكيف بدأ.

سعى معرض (ألوان المدينة) إلى ترسيخ مكانة محلية بين المعارض التي افتُتِحَتْ في وقت واحد في M7 بالدوحة، قد تطلب تصوره رؤية فكرية لشخص مثل غلين أدامسون - المدير الفني لمعرض بينالي قطر للتصميم - الذي أراد تسليط الضوء على التصميم المعماري القطري. وبفضل خبرتي في دراسة العمارة التراثية في البلاد، دعاني للمشاركة في هذا التحدي الجديد. ما زلت أعتقد أنه كان يثق بي بشكل كبير، إذ لم يكن لدي أي خلفية في الشؤون التنظيمية - بعبارة أخرى - لقد ألقى بي في وسط تحدٍ جديد. على الرغم من أنني كنت أستطيع بسهولة صياغة قصة المعرض بناءً على محتوى بحثي، إلا أن مهمة عرض الهندسة المعمارية في مساحة المعرض بطريقة ممتعة بصريًا وغنية بالمعلومات؛ كانت تجربة جديدة كليًا بالنسبة لي.
ولمّا بدأت في تصور محتويات العرض، كانت القائمة الأولية تضم بالفعل تشكيلة واسعة من الصور والرسومات والنماذج والمواد الفنية، ووضعت المهمة الصعبة أمام الفريق الذي أوكلت إليه العمل Mind the gap، والمكون من كارل باسيل وكارلا خياط وإيلي معوض، لكنهم نجحوا في تصميم تجربة بصرية مبتكرة، وهي تتبع مسار محدد بلافتات معلقة، تعرض النصوص والصور والخرائط، بينما يستكشف الزائر معروضات أخرى على الأرض والجدران، وكلها متصلة بما يراه على اللافتات.
 

هل لك أن تحدثنا قليلًا عن المراحل التي مرت بها عمارة الدوحة والتي أشار إليها المعرض؟

تمتد جذور هذه المدينة إلى قرنين من الزمان، يسلط المعرض الضوء على النصف الثاني منه، ويتيح للزوار فرصة استكشاف أربعة اتجاهات من التصاميم المعمارية والزخرفية، بدءًا من الإنشاءات التقليدية السابقة لاكتشاف النفط، والتي نعرضها بشكل أساسي من خلال إعادة بناء ثلاثية الأبعاد للقصر القديم.
ينتقل المعرض بعد ذلك للتركيز على أوائل العصر الحديث، وتحديدًا فترة الخمسينيات والستينيات، حيث برز أسلوبان تصميميان متميزان في مساكن النخبة، هما (ديكو الدوحة) و (كلاسيكية الدوحة)، وقد تميزت هذه الفترة بألوان زاهية غير مسبوقة لم تتكرر بعد ذلك، مما ألهم عنوان المعرض (ألوان المدينة). ثم تنتقل بنا العقود التي تلت استقلال قطر عام 1971 إلى موجة جديدة من مبادئ التصميم العالمية، والتي تم تلخيصها في قسم (العمارة الخمومية).
تمثل هذه الاتجاهات الأربعة أبرز المحطات التي ركز عليها الجزء التاريخي من المعرض، ويتبعه قسم معاصر بتنسيق من غلين. في هذا القسم، اخترنا عرض مجموعة من شركة أعمال المهندس إبراهيم جيده - المكتب العربي للشؤون الهندسية - الذي أسهم بشكل كبير في تشكيل أفق مدينة الدوحة على مدى العقود الأخيرة.

البوابة الغربية لقصر الشيخ ناصر بن حمد،  تم بناؤها قبل عام 1959، جوليان فيلاسكيز، © متاحف قطر. 
البوابة الغربية لقصر الشيخ سحيم بن حمد، تم بناؤها قبل عام 1959، بعدسة جوليان فيلاسكيز © متاحف قطر. 
ما هي العوامل التي أثرت في تطور العمارة في مدينة الدوحة؟

على الرغم من أن الأبحاث ما تزال جارية في هذا الصدد، إلا أن فترة الخمسينيات والستينيات تميزت بتنوع تلك التأثيرات وتشابكها بشكل خاص. ومن أبرز الاكتشافات حتى الآن، وجود روابط فنية واضحة مع كل من الهند وإيران، مما يعكس ثراء التفاعل الثقافي والحضاري الذي شهدته قطر في تلك الفترة.
بالنسبة للتأثير الهندي، يبدو أن المباني التي تحمل طابع (ديكو الدوحة) قد استقت عناصرها الفنية من ثلاثة مصادر رئيسية: فن الآرت ديكو، وفنون جنوب آسيا، والفنون المحلية. حيث جمعت بين زخارف شيفرون وحواف عيون المباني من جهة، وأشكال أشجار النخيل والصقور من جهة أخرى.
أما عن التأثير الإيراني، فيظهر جليًا في مجموعة من مباني الدوحة وحولها، حيث تتميز بوجود أواني كلاسيكية وزخارف نباتية متعرجة، إلى جانب الخط العربي وأزهار الورد المنتفخة وعناصر أخرى من الزخرفة المعمارية الإيرانية التقليدية مثل عين الكاري (أو عمل المرآة). يفتح هذا الاكتشاف الباب أمام تساؤلات حول هُوية الحرفيين الذين عملوا في قطر، والذين حرص العديد - من أفراد العائلة المالكة وغيرهم من الرعية الأثرياء - على استقطابهم لتزيين منازلهم.
منذ السبعينيات، شهدت الدوحة ظهور حركات معمارية عالمية حديثة، مما أسس لمعايير جديدة في التصميم. بهدف توسيع المدينة وتحديثها، دعا الأمير خليفة بن حمد معماريين مشهورين من جميع أنحاء العالم للمساهمة في تشكيل المشهد الحضري الجديد. اليوم، ما زالت العديد من معالم تلك الفترة قائمة على طول طريق الكورنيش. كان الإسهام الرئيسي للمصممين الأجانب هو أحدث تقنيات البناء؛ حيث استخدم فندق الشيراتون الشهير هيكلًا فولاذيًا مغطى بعناصر خرسانية مسبقة الصنع. كما سعى العديد من المهندسين المعماريين إلى إعادة تفسير الأشكال الكلاسيكية للعمارة الإسلامية بأسلوب حديث، وهو ما نراه بشكل خاص في حرم جامعة قطر.
 

البوابة الغربية لقصر الشيخ فهد بن علي، تم الانتهاء من بنائها حوالي عام 1962. بعدسة جوليان فيلاسكيز، © متاحف قطر.
يعرض المعرض صورًا لبوابات جميلة في الدوحة تعود للخمسينيّات والستينيّات، هل لك أن تصف لنا الطراز المعماري لتلك البوّابات؟ وما الذي يميزها عن المداخل والأبواب الموجودة في الدوحة حاليًّا؟

لطالما كان مدخل المنزل النقطة الأساسية للتواصل مع العالم الخارجي، سواء بشكل مادي أو رمزي. لا يمكن اعتبارها مبالغة عندما نقول إنّ القطريين كانوا يرون المدخل العام أهم جزء في المنزل، لذا كانوا ينفقون مبالغ كبيرة على تزيينه، مستعينين بحرفيين أجانب يتميزون بمهارتهم في إبهار الزوار والمارة على حد سواء.
حتى المنازل البسيطة غالبًا، كانت تملك بوابات كبيرة غير متناسقة مع حجمها، وتتزين بزخارف ملونة وأنوار مشعة. ومع دخول الكهرباء إلى قطر، تزينت أغلب الأبواب بأسلاك ضوئية ومصابيح. كانت هذه البوابات تعبر عن رسالة واضحة، وفي بعض الأحيان، تعرض ثروة صاحب المنزل بشكل ملحوظ.
وعلى الرغم من أنه لم يتم إجراء أي تحليل دلالي لهذه البوابات، إلا أن الشعب القطري كان يراها كرموز للاحترام والمكانة، دون وجود ارتباطات بينية واضحة للأشكال والتصاميم المحددة. ومع ذلك، تلاشت هذه الصيحة في أواخر الستينيات، ربما لأسباب اجتماعية، حيث لم يكن الكل راضٍ عن تلك البوابات الباذخة.
 

البوابة الشرقية لقصر الشيخ ناصر بن حمد، تم بناؤها قبل عام 1959، بعدسة جوليان فيلاسكيز، © متاحف قطر. 
هل يوجد في المعرض مبنى أو باب أو قطعة زخرفية لها قصّة أو خلفيّة مغايرة؟

من الصعب انتقاء واحد منها، ذلك أن جميع المباني المدرجة في المعرض تشدني بنفس القدر. إلا أن، القصة وراء مبنى الشيخ غانم بن علي كانت أكثرها وقعًا على نفسي، فالمبنى ما يزال يحتفظ بزخارفه المعمارية حتى اليوم، لكن الصور القديمة تظهر تَجَمُّلَهُ بزوجٍ من السمك في الأصل.
عندما بدأت التحقيق في تلك التماثيل، وجدت نفسي أتجول في شوارع لكناو، مدينة هندية جميلة تتميز بمئات المباني التراثية التي تحمل تماثيل لزوجين من الأسماك على واجهاتها. كانت هذه التماثيل في الأصل رمزًا ملكيًا للحكام المحليين واستمر استخدامها حتى القرن العشرين. وعلى الرغم من أننا لا نعرف سبب ظهور نفس العنصر الأيقوني في الدوحة، إلا أن هذا التشابه يجعل الرابط بينهما مرجحًا للغاية، بما في ذلك التشابه الواضح في الخصائص الفيزيائية للحيوانات.
باختصار، سافر حرفيون ماهرون في الهندسة المعمارية الآرت ديكو من لكناو إلى الدوحة ووجدوا دعمًا هناك.
 

كيف ترى نتائج المعرض؟

من اللافت رؤية (ألوان المدينة) تعبر عن طابعها الخاص، هناك اهتمام كبير من الجمهور بالمعرض؛ فقد تم حجز جميع الجولات حتى الآن، والزوار يتشاركون بسعادة قصصهم حول بعض المباني. لم أكن أتوقع هذا الحضور، خاصة أن العديد من المباني المعروضة كانت غير معروفة إلا لعدد قليل من الخبراء، إن وجد.
ما أتمناه هو أن يكتسب الزوار فهمًا أعمق لأهمية هذه المباني اليوم وضرورة الحفاظ عليها. الأمثلة المعروضة تعتبر مهمة ليس فقط لأن أي مؤرخ معماري يستمتع بدراسة المباني المهدمة، ولكن أيضًا لأنها - ما دامت موجودة - يمكن أن تواصل تثقيفنا عن التفاعلات الثقافية في تلك الفترة.
باعتقادي أن اكتساب المعرفة الفنية - أو الثقافة المادية بمعناها الواسع - يمكن لها أن تساهم في وضع كيفية لتصنيف أنفسنا في النظام الكوني الثقافي اليوم. ومعرض (ألوان المدينة) يقوم على تبني هذا التراث العالمي الغني والمتنوع، ويروي مسارًا تاريخيًا فريدًا في المنطقة.
 

تفاصيل زخرفية في عمارة الدوحة وضواحيها، في الفترة من الخمسينيات إلى الستينيات. بعدسة بيتر تي. ناجي، © متاحف قطر.
البوابة الشرقية لبيت همام العبد الله (الذي تم هدمه الآن)، تم الانتهاء من بنائه حوالي عام 1965. بعدسة جوليان فيلاسكيز، © متاحف قطر. 
البوابة الشرقية، قصر الشيخ غانم بن علي، اكتمل حوالي عام 1965. بعدسة لجوليان فيلاسكيز، © متاحف قطر. 
إعادة تعيين الألوان