150 عامًا من التَّواصل
"رؤية" لهورست بيرندت. هذه اللوحة معلقة في غرفة المعيشة. أجدها ممتعة للغاية، أرى فيها أشياء مختلفة في لحظات مختلفة من اليوم. لوحة لا تخفق في إلهامي! حقيقة ممتعة: كثيرًا ما أرى شبه الجزيرة العربية.
سعادة السيدة جانيت ألبيردا
سفيرة مملكة هولندا لدى المملكة العربية السعودية
مملكة هولندا بلد غني ومتنوع، "رمزيًا" تشتهر بطواحين الهواء والزنبق (التوليب) والأحذية الخشبية (كلومبين). ولكن هذا مجرد جانب واحد صغير لبلد يتضمَّن تاريخه بعضًا من أقدم الخرائط الملاحية المعقدَّة في العالم، وشخصيات ثقافية أسطورية مثل رامبرانت وفان جوخ وغيرهما من الفنّانين والشخصيات التاريخية الأخرى. وذلك ما يضعها بانتظام بين الدول العشر الأولى "الأكثر سعادة" في العالم، ولا عجب في ذلك، لأنها أرض القنوات المائية وركوب الدراجات والزهور.
تقدر هولندا البيئة والطبيعة كثيرًا، وهي رائدة في التنمية المستدامة. وتُعرف هولندا أيضًا بأنها واحدة من "الدول الست المؤسسة" للاتحاد الأوروبي إلى جانب بلجيكا وإيطاليا وفرنسا ولوكسمبورغ وألمانيا (الغربية) في الخمسينيات من القرن الماضي.
في هذا القسم الخاص من إثرائيات، نلتقي بشخصيات عالمية مهمة، ونجري محادثة عبر الثقافات لإلهام الحوار والتفكير والصداقة. نرحب بسعادة السيدة جانيت البيردا، سفيرة مملكة هولندا لدى المملكة العربية السعودية، لتبادل وجهات النظر هنا.
س 1. ماذا يعني لك الفنّ؟
إضافة إلى جماله، ومتعة استكشاف فضولك وإثارته، أرى أنَّ الفنّ جسر يمتدُّ بين الثقافات. قد تختلف البلدان في العديد من الجوانب. بحسب تجربتي، غالبًا ما يفتح الفنّ الأبواب ويجمع الناس. إنّه يجعلني أفكّر في كيفية ارتباطنا والتعامل مع بعضنا بعضَا، وبنفس الأهمّية؛ كيف نتعامل مع بيئتنا. هذه الموضوعات الشائقة -على سبيل المثال-كانت في ذهني خلال زيارتي الأخيرة إلى بينالي الفنّ المعاصر في الرياض، لقد ذهلت بعمق ومعنى الأعمال الفنّية، وهي نفس دهشتي خلال زياراتي المنتظمة إلى إثراء. المشهد الفنّي في المملكة العربية السعودية متنوع حقًا وأشعر أن لديه الكثير ليقدمه.
س 2. أخبرينا عن 150 عامًا من الوجود الدبلوماسي (بالإضافة إلى القنصلية القديمة الرائعة في جدة البلد!).
يُعد عام 2022 عامًا مهمًا للغاية بالنسبة لنا، إذ نحتفل بمرور 150 عامًا على افتتاح أول بعثة دبلوماسية لنا في شبه الجزيرة العربية في عام 1872. أحضر القناصل كاميراتهم، والتي كانت بالطبع نادرة في ذلك الوقت، ووثّقوا الحياة في جدة، بما يمكن أن نسميها تصوير الشارع (avant la letter)، وبالتعاون مع وزارة الثقافة تم تجديد قنصلية هولندا التي تسمى (البيت الهولندي). وترعى المتخصصة في الفنّ الإسلامي الدكتورة لاوت مولس معرضًا دائمًا في البيت الهولندي بعنوان "تاريخ مشترك". يملؤني الفخر بهذا المعرض، لأنه يُظهر من ناحية كيف كانت الحياة في جدة في ذلك الوقت، ومن ناحية أخرى يسلط الضوء على بداية علاقتنا الدبلوماسية ويمهد الطريق لمزيد من التعاون بين بلدينا.
كم هو رائع إذ يمكننا الآن القيام بجولة افتراضية مصغرة للمعرض من خلال مجلة إثرائيات، شكرًا لكم على هذه الفرصة العظيمة.
س 3. هل هناك تخطيط لمبادرات هولندية في المملكة العربية السعودية لها علاقة بالثقافة والفنّ؟
عام 2022 هو العام الذي بدأنا فيه جدول أعمالنا الثقافي. لقد رحبنا للتو بسلسلة "الحوار الأكاديمي" بإدارة الأستاذ الدكتور مايكه فان بيركل، المؤرخة في جامعة نيميخن التي جاءت إلى المملكة العربية السعودية مع مجموعة من العلماء الدوليين في مهمة أثرية، وقدمت ورشة عمل ومحاضرة حول إدارة المياه في الشرق الأوسط ما قبل الحديث (واقتراحات لمستقبل مستدام).
ساهمنا في زيادة التعاون بين جامعة نيميخن وكل من مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية وهيئة التراث، وهذه حصيلة رائعة نفخر بها جميعًا. علاوة على ذلك، أتواصل مع محترفين سعوديين شباب يعملون في القطاع الثقافي ونحاول تسهيل التبادل الثقافي بين السعودية وهولندا. دمعت عيني عندما غنى لنا فنّان الأوبرا السعودي محمد خيران الزهراني خلال جلسة إفطار ثقافي مؤخرًا، فللمبدعين السعوديين مكانة خاصة في قلبي.
لدينا حفلتان ثقافيتان قادمتان، واحدة في المنطقة الشرقية في 26 أكتوبر والأخرى في جدة في 6 ديسمبر، وأفخر بالقول أن إثراء ستستضيف حفلنا في 26 أكتوبر، ولتلك المناسبة نعمل الآن على جلب فرقة أوركسترا.. ونخطط سنة 2023 لتنظيم حدث تحت عنوان الحج؛ مع المؤلف الشهير د. ريتشارد فان ليوين، الذي ترجم كتاب "ألف ليلة وليلة" إلى اللغة الهولندية وكتب كتابًا عن الحج.
س 4. هل يمكنك إخبارنا عن زهرة التوليب الشهيرة؟ التي أصبحت سفيرة بشكل ما، حيث سعى الحكام السابقون هنا من أجل توفرها في بلاطهم الملكي.
نحن بلد التوليب، أنا أفضل الأحمر والأبيض. في القرن السابع عشر، كانت زهرة التوليب نادرة ومكلفة للغاية، وغير متيسرة لأي كان، كانت رمزًا للمكانة العالية. الآن اختلف الأمر، أعتقد أنها زهرة رائعة.
س 5. ما هو شعارك في الحياة؟
أنا إنسانة شغوفة بالعمل، لدينا قول مأثور في هولندا معناه: "لا تتحدث كثيرًا إنّما بادر بالعمل". أعتقد أنّنا إذا لم نفعل ذلك، فإننا معرضون لخطر الوقوف مكتوفي الأيدي، وفي رأيي الشخصي، الوقوف ساكنًا يعني التراجع. بالطبع من الجيد أن نقف مكتوفي الأيدي أحيانًا لنتأمل، لكن بعد ذلك سنحتاج إلى المضي قدمًا مرة أخرى.
س 6. نود رؤية بعض الأعمال الفنّية المفضلة لديك (العلقة في المكتب أو المنزل) وتخبرينا عنها، ولمَ تفضلينها؟
الأميرة بياتريكس -جيروين هينمان. هذه اللوحة معلقة في مدخل السكن. أحب هذه اللوحة لأنها تقدم صورتها وروحها بشكل مثالي بطريقة مختزلة.
"رؤية" لهورست بيرندت. هذه اللوحة معلقة في غرفة المعيشة. أجدها ممتعة للغاية، أرى فيها أشياء مختلفة في لحظات مختلفة من اليوم. لوحة لا تخفق في إلهامي! حقيقة ممتعة: كثيرًا ما أرى شبه الجزيرة العربية.
صورة الجمال. للأسف لا أعرف اسم الفنّان، لكنها تشغلُ موقعًا مثاليًا في مكتبي، عندما أعمل على حاسوبي الخاص، أنظر إليها، فتعطيني شعورًا جيدًا. تذكرني الغيوم الداكنة بالخريف وهو موسم أحبه. وأحيانًا ينتابني شعور بأن الجمال طاغي، وهذا يعطيني إحساسًا بالإصرار، هل هذا يجعلني أبدو غريبة؟! بشكل عام، أعتقد أنها صورة رائعة.
س 7. أي مكان في السعودية ترك لديك ذكرى جميلة، ولمَ؟
في العام الماضي قمت بجولة في المملكة العربية السعودية مع ابنيّ: باستيان و يالى (22، 20 عامًا). ذهبنا إلى جزر فرسان الجميلة وسافرنا من الجنوب إلى الشمال، إلى جدّة والعلا. أذهلنا تنوع الطبيعة والناس. وفي جزر فرسان، كنا نخيم بالقرب من الماء ونسبح كل يوم... ذكريات رائعة.
س 8. من فنّاني هولندا قديمًا وحديثًا، من تعتقدين أنهم السفراء الثقافيون للأمة وإبداعها؟
من الماضي، ربما لن تفاجئك اختياراتي؛ فان جوخ ورامبرانت، أما الفنّ المعاصر، فيحضُرُني دان روزجارد (ستوديوروزجارد)، إنّه فنّان هولندي يجمع بين التكنولوجيا والفنّ في البيئات المدنية، كما أنني أهوى أعمال الرسام إروين أولاف، فقد رسم صور العائلة الملكية بطريقة جميلة وحديثة. أخيرًا وليس آخرًا، آرني هندريكس الذي تدور أعماله حول الاستدامة، وسيشارك في الدورة القادمة لمهرجان "تنوين".
س 9. هل هناك أي شيء آخر تودين إضافته ربما فاتني طرحه؟
ربما مجرد تنويه، بجانب الثقافة يركز عملنا على مواضيع مثل: انتقال الطاقة والزراعة المستدامة والاقتصاد الدائري وعلوم الحياة والصحة. جميع الجوانب المهمة لوجودنا هنا في المملكة، تتطابق كليًا مع الأولويات القصوى لرؤية 2030، وهو تطابق مثالي حسبما أراه.
يعيدنا هذا المعرض بالزمن إلى الوراء، عندما كان الموظفون في القنصلية الهولندية بجدة لا يزالون يشرفون على التدفق السنوي للحجاج المسلمين من إندونيسيا بين عامي 1872 و1949. الصور القديمة بالأبيض والأسود من المكتبات والمتاحف ودور المحفوظات الهولندية تقدم صورة نابضة لمدينة جدة كميناء تاريخي للحجاج، وأيضًا عمل القناصل ونشاطهم. علاوة على ذلك، فإنها تقدم لمحة نادرة عن الحياة اليومية في جدة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
كانت قنصلية هولندا الحديثة للغاية، التي بُنيت عام 1929، واحدة من أقدم المباني الخرسانية في جدة. المصور الهولندي دينجمانس المبعوث سنة 1939-1940، من مجموعة مكتبات جامعة ليدن.
حتى عام 1949، كان على جميع الحجاج الإندونيسيين الحضور إلى القنصلية الهولندية عند وصولهم إلى جدة للتسجيل. وتم الاحتفاظ بأوراق التعريف، مثل هذه الورقة التي تحمل اسم السيدة الحاجة وطفلها الرضيع المسجلة في القنصلية. ليدن، مجموعة المتحف الوطني للثقافات العالمية.
القنصل الهولندي فان دير بلاس يتفقد مستودعات الجمارك في ميناء جدة، أول مكان ينزل فيه الحجاج البحريون. مصور غير معروف، 1921-1926. مجموعة مكتبات جامعة ليدن.
صورة جماعية للقائم بالأعمال أدريانس وموظفيه السعوديين والإندونيسيين في قنصلية هولندا في جدة. مصور غير معروف، 1939، مجموعة مكتبات جامعة ليدن.
كان على الحجاج الإندونيسيين الذين وصلوا على متن السفنّ البخارية النزول في السمبوك للوصول إلى رصيف ميناء جدة في المياه الضحلة. المصور فان فورتهيسن، 1926، مجموعة مكتبات جامعة ليدن.
حجاج يغادرون جدة في طريقهم إلى مكة، استخدم بعضهم جمالًا محملة بالهودج (شقدف)، وآخرون ذهبوا سيرًا على الأقدام. المصور الصيدلي الهولندي هندريك تيليما، 1926-1927، ليدن، مجموعة المتحف الوطني لثقافات العالم
أعيان جدة والموظفون القنصليون الهولنديون، يقفون عند رصيف باب البونت، حيث وصل الحجاج لأول مرة. مصور غير معروف، ثلاثينيات القرن الماضي، أمستردام، مجموعة المتحف الوطني للثقافات العالمية.
سائق يرافق جمله، يحمل المياه العذبة إلى داخل المدينة، وسط المباني الشاهقة الحجرية المرجانية في البلد. المصور ج. هوفت، 1900-1911، مجموعة مكتبات جامعة ليدن.
أخذ قسط من الراحة في أحد مقاهي جدة. المصور الهولندي القنصل فان دير ميولين، 1930 تقريبًا، أمستردام، مجموعة المتحف الوطني للثقافات العالمية.