الهُويَّة النِّسويَّة
"كحل حول عيني" للفنّانة عالية الفارسي، 2018، وسائط متعددة، بإذن من الفنّانة.
لها لمسة مبتكرة في فنِّها. تلتقط بمهارة الجوانب الملوّنة المتعدّدة من ثقافتها وهويتها. والتي تستوحيها من وطنها. كل ضربة ريشة على لوحاتها ترتبط بقصتها من أين هي والثقافة التي تنتمي إليها. تخلق الفارسي من خلال فنِّها عالمًا نابضًا بالحياة، مليئًا بالشَّغف والجمال، يعكس فلسفتها داخل كلَّ إطار. ترسم الوجوه لدراسة الأسرار الكامنة في العيون. بدأت رحلتها في سن مبكرة، شجَّعها والدها على أن تصبح فنَّانة تمثِّل الثَّقافة والفنّ العماني، شاركت الفارسي في معارض إقليميَّة ودوليَّة مهمَّة، وحصلت على العديد من الجوائز عن أعمالها.
تقدِّم إثرائيات حوارًا مع الفنَّانة الشغوفة، لتكشف عن دوافع أهمِّ أعمالها، وما تعنيه الهويَّة لها وكيف تسهم في إلهامها.
الفنُّ مظهر من مظاهر هَشاشتنا وقوَّتنا. إنَّه وسيلة روحية، هبة تتيح لنا التَّحدث والصُّراخ والضَّحك والبكاء دون صوت. على المستوى الشَّخصي، عزّز الفنُّ صوتي، وأتاح لي مساحة تعبير عن علاقتي الخاصَّة بروحي وأنوثتي وهويَّتي الثَّقافية.
"ولكن في الغالب أنا"، لوحة للفنّانة عالية الفارسي، 2019- اللوحة الفنّية بإذن من الفنّانة.
لطالما شعرت أن هويَّتي كفنّانة مرتبطة بشكل وثيق ببلدي الأم (عُمان)، ومن المنطقي أن تبدأ رحلتي منها. نشأت في (مطرح) التي تشتهر بسوقها وألوانها الزَّاهية وطاقتها المفعمة بالحيوية، والتي كنت دائمًا ما أراها مشهدًا فنّيًا طبيعيًا يحيط بي أثناء طفولتي. الحلم الكبير بأن يكون لي معرض فنّي خاص بي خطر لي بعد أن أخذني والدي في رحلة برية من مسقط إلى لندن في السبعينيات. كنت مفتونة بما شاهدته في المتاحف والمعارض الفنّية الأوروبية، ومن هنا عرفت أن الفنّ هو المسار الذي سأتبعه وأكرس حياتي له. منذ عام 1993م، وأنا أشارك في معارض فنّية إقليمية وعالمية لتمثيل بلدي وبناء بصمتي الخاصة. وفي عام 2017م، بعد العرض في بينالي فينيسيا وآرت بازل، كان لدي مجموعة رائعة من اللَّوحات الفنِّية والراغبين في اقتناء أعمالي. حينها قرَّرت أن أكوّن مجموعة فنّية في مسقط/عمان. وافتتحتُ معرض عالية في عام 2020، الذي يعد من أضخم أعمالي الفنّية.
أعدُّ نفسي من أتباع المدرسة التّعبيرية التّجريدية، لذلك أحرِّر تفكيري ووعيي لإنشاء الصُّور المرئية التي أرسمها على اللَّوحات القماشيَّة. عندما يخطِّط عقلي لرسم لوحة جديدة، ألجأ إلى الاستوديو الفوضوي الخاص بي، ووسط فوضى الغرفة وضجيج العقل، يتمُّ نسج الحكاية.
أما من حيث الأسلوب، أنظر إلى فنِّي على أنَّه اختياري وغير قابل للتَّصنيف، وهو في الأساس نتيجة لسنوات من استكشاف مدارس فنّية مختلفة. ومع ذلك، هناك .مكونات أساسيَّة في جميع أعمالي تعطيها ميزتها. كما أنَّها نتاج تجارب واقعيَّة تؤثِّر عليَّ بشكل مباشر أو غير مباشر
يلهمني موطني الأول، عُمان، المكان الذي يحافظ على الأصالة والعائلة والثَّقافة جيِّدًا، بل يتمُّ الاحتفاء والاعتزاز بها؛ من ألوان فساتين النِّساء العمانيات التَّقليديَّة، إلى ألوان مشاهد الطَّبيعية البكر، حيث تُلهمني (عُمان) لإظهار الجمال الدَّاخلي للعلاقة بين البشر والطَّبيعة، ولهذا السَّبب فإنَّ أعمالي عالميَّة ومتَّصلة بهذا الموضوع.
لكن الإجابة على سؤال "لماذا" تمثِّل تحدِّيًا؛ فإن كوني عمانيَّة أصيلة تربطني علاقة بالأرض وشعبها، وبصفتي فنّانة تتمتع بتأمل عميق في عملها، فقد أصبح من الطَّبيعي بالنسبة لي أن أستفيد من هذا الجزء الكبير من هويَّتي في فنِّي. ومع هذا، حتَّى بصفتي متذوقة فنّيًا، أعتقد أنِّي سأظلُّ أشير إلى هذه الأرض التي تمثِّل اندماجًا بين الأبعاد المادِّية والرُّوحية على خلفيتها الطبيعية المشبعة بالجمال. كل هذا يجعل من بلدي عُمان، عُمان.
لدي أيضًا اهتمام كبير بالفلسفات الصُّوفية، حيث يمكن التقاطها في الحركات وتعبيرات الوجوه، والنَّظرات المنعكسة لعناصر وأشكال لوحاتي. من الناحية الرَّمزية، تتشكل الصُّوفية في عملي بسبب الطَّريقة التي أواصل بها التَّأمل العميق، وابتكار أشكال تعكس علاقاتي الخاصة مع العالم المادي والروحي.
"سأساندك" للفنّانة عالية الفارسي، 2013، وسائط متعددة، تم عرض اللوحة بإذن من الفنّانة.
الهويَّة، هي التُّراث والأخلاق ومجموعة المعتقدات التي نحملها بشغف كأسمائنا تمامًا. بالنسبة لي، هناك جوانب لا تنفصل عن هويِّتي كوني امرأة، عمانيَّة، وفنَّانة. إنَّ تبنِّي كلَّ جانبٍ من جوانب هويَّاتنا والتَّأكد من وجودها هو الطَّريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها المضيِّ قدمًا لاستكشاف أنفسنا ومواجهة واقعنا. ونظرًا لكوننا أكثر تشتُّتًا بالتكنولوجيا وأقلُّ تواصلًا مع العالم حولنا، فإنَّ هويَّاتنا، والإيمان الذي نتمتَّع به، والعرق الذي نولد به، والمهنة التي نختار متابعتها، تصبح أكثر صلة بنا وأهميَّة من أيِّ وقتٍ مضى.
أريد أن يكون لفنِّي صدىً لدى المهتمِّين، وأن أجعلهم يفكِّرون بأنفسهم مليًا. افتتحت معرضي الفنّي "عالية غاليري" في عام 2020 ذلك لأنني أردت أن يرى السائحون عمان بطريقة معاصرة. لقد أثَّر النُّمو السَّريع في عُمان على مدى العقود القليلة الماضية بشكل كبير على أنماط حياتنا التَّقليدية والطَّريقة التي ننظر بها إلى بعضنا بعضًا، وكيف يرانا الآخرون. أريد من خلال فنّي الحفاظ على هويًّتنا العمانية وإبرازها في ضوء جديد.
في العامين الماضيين، كان لي كثيرٌ من التعاون مع فنّانين محليين وعالميين، وكتاب، ومطربين، وحتى الشركات الكبرى. أعتقد أن هذه الشَّراكات تتحدَّث عن قدرتي الفنّية في دمج ما هو تقليدي وما هو حديث. ومع ذلك، والأهم من هذا، أعتقد أن كل زائر لي في المعرض قد تأثر بطريقة ما، وغادر مع انطباع إيجابي عن عُمان، وهذا ما يجعلني فخورة حقًّا.
"بدون عنوان"، عالية الفارسي، 2019، اللوحة بإذن من الفنّانة.
"هل تعلم ما يدور في خاطري؟"، عالية الفارسي، وسائط متعددة، اللوحة بإذن من الفنّانة.
الشعر العربي، وخاصة تلك القصائد التي ألفها أعلام التصوّف مثل ابن عربي والحلاج وابن الرومي، تسلّلت إلى قلبي دون استئذان، فالطريقة التي أحسوا بها بالله وجلالته حفرت عميقًا في نفسي، فرَسمتْ كلماتهم صُورًا بصرية في روحي، فاض الكثير منها على لوحاتي. كنت محظوظة أيضًا بالعمل في نشاط تعاوني مع الكاتبة الجزائرية المحبوبة أحلام مستغانمي، حيث كرست عشر قصائد عربية لمعرضي، فرسمت عشر لوحات فنّية تمثل كلماتها. كانت هذه إحدى مجموعاتي المفضلة بسبب تمثيلها لجمال اللغة العربية والقدرة على الوصول وتجاوز العوائق لإنشاء شيء لم يسبق له مثيل من قبل.
"من شرفتي" لعالية الفارسي، 2020، وسائط متعددة، اللوحة بإذن من الفنّانة.
إن الحِكَم التي نعيشها تتغير على أساس العمر والتجارب، لا يوجد هناك حكمة معينة أحيا بها.
والدي الراحل - رحمه الله - كان بطلي على الدوام، كان له دور كبير في تشكيل شخصيتي وأخلاقي.
الفنّانة عالية الفارسي، الصورة بإذن من الفنّانة.
أنا مشغولة حاليًا بالتخطيط لأول حدث إطلاق لمجموعة NFT، وسيكون معرضي مسرحًا لإطلاق سيارتين فاخرتين. بالإضافة إلى ذلك، أخطط للعرض في مدينتين رئيسيتين في الشرق الأوسط خلال فصل الشتاء وأبدأ القليل من التعاون مع الفنادق الفاخرة في مسقط وصلالة.
لمشاهدة المزيد من أعمالها الفنّية، يرجى زيارة متحف الخليج للفنون، أحد شركائنا.
"لن تجدي أحدًا مثلي "، عالية الفارسي، 2017، أكريليك على كانفاس، اللوحة بإذن من الفنّانة.