الهُوِيَّة... انسدادٌ أم قابليَّة!
يستريح الأطفال في الظّل أمام العمارة التقليدية لقصر صالح إسلام. الدمام ، يونيو 1965. بإذن من أرشيف أرامكو.
قمحةٌ أولى في المنبت الوجوديّ، نواة فردانيّة تامّة، تأتي قبل الوعي، وتبقى على هيئة ما بعده. يقول مختصو الطّفولة إن المرء يبدأ إدراك ذاته في عمر الثّالثة، أي تمييز نفسه بين الموجودات، وفهم أنّ هذا الكائن في المرآة يعنيه، أنّه هو، وحينها تبدأ الذّاكرة. يشتغل التّسجيل الدّاخلي، ويصبح له قصّة وخيالًا، ففي داخلها تنبني قصص وخيالات للبشر والأشياء!
والآخر كينونة مقابلة، موازية، حتميّة، وضمنيّة. الآخر عالم، الآخر اكتشاف، والآخر مفاجأة. ولا يمكن لأيّ من الأنا والآخر أن يتحقّق أحدهما، بمعزل عن سواه، فكلّ أنا بالضّرورة تنطوي، في عمقها وجوهرها، على آخر. تتّسع الأنا وتتعدّد وتكبر وتعظم باتّساعه. الأنا الخالصة وهمٌ وعدم!
من حيث التّاريخ... فقد عاش الإنسان وتقلّب، وما زال، في مضمار محتشد بالهويّات، ابتداءً من هويّة الجسد، إلى هويّة الهيئة والملامح، إلى هويّة العصبة والجموع، بما تحويه من التّقاليد، والدّين، والطّائفة، والانتماء والولاءات.. الخ، وبقي الإنسان في معركته مع هويّاته هذه من صوب، ونزاعه مع هويّات الآخرين من صوب ثان، وصراعات الجموع، ما بينها البين، والتي استعملت الأيديولوجيا والسّاسة هويّاتها من صوب ثالث. الهويّة جدل مفتوح، من صوب لا نهائي!
من حكمة اليونان إلى التّنوير، إلى الحداثة... إلى العالم السّائل الرّاهن، احتفظت الهويّة الإنسانيّة الكبرى بسمة القابلية، وكل رحابة في الفكر والمعرفة والفنون، تمشي بالحتم نحوها، على طريقة ابن عربي؛
"لقد صار قلبي قابلًا كل صورةٍ... فمرعى لغزلان ودير لرهبانِ
وبيت لأوثان وكعبة طائــــــفٍ... وألواح توراة ومصحف قــرآنِ
أدين بدين الحبّ أنّى توجّهت... ركائبه فالحبّ ديني وإيماني".