الهُويَّة الشَّكليَّة للعَرب
صورة مزارع عربي، التقطت بين عامي 1940-1950، تصوير دانيال فان دير مولين.
ما الذي نراه عندما نحدّق في المرآة؟ لرّبما سنرى وجوهنا وملامحها، أو هيئة ملابسنا، وحتى كلّ إيماءة جسدية تمثل جزءًا من هويّتنا. تلك هي الحالة الطبيعية للتعبير عن الذات وبنيتها، إضافة إلى كونها امتدادًا لأجيال وحيوات ثقافية سابقة. إنها هويّتنا الثّقافية الشّكليّة، والتي يراها الآخرون قبل أن يتمكنوا من معرفة من نحن حقًا.
تشير الهويّة الثّقافية الشّكليّة إلى التّمثيل المرئي الذي يُظهر الانتماء إلى مجموعة معينة بناءً على فئات ثقافية مختلفة، والتي تشمل الجنسية، العرق، السّلالة، الجنس، والدّين. فالهويّة الثّقافية معقّدة ومتعدّدة الأوجه، ولا توجد طريقة محددة للكشف عنها، وفي حالة الهويّة الثّقافية العربية الشّكليّة، فإنّها لم تمنح فرصة استكشافها وفهمها بدقّة من قبل الشعوب والثقافات العالمية.
تعلمنا كأطفال ألا نحكم أبدًا على أي شخص من خلال مظهره، بل نستكشفه من خلال شخصيته. ومع ذلك، فقد نشأنا على التحيّزات التي ورثناها من مجتمعاتنا، وأسلافنا، ومعلمينا، وتراثنا. يمكن أن تكون هذه التحيّزات مجرد تعبيرات سطحية، وينتهي بها الأمر إلى تنميط مجموعة مختلفة من الناس والثقافات في صورة محددة.
تشير هذه الصّور النّمطية المحدّدة إلى صور ذهنية تمثل رأيًا مفرطًا في تبسيط الثقافة، مما يدفع الناس لتبني مواقف ومعتقدات وقيم، تمهد للإضرار بالمجموعة الثّقافية المستهدفة بهذه الصّور النّمطيّة.
الشكل 1- ثري عربي من جدة. التقط الصورة بول كاستلينو في 23 أبريل 1918.
الشكل 2- شيخ عربي، التقط الصورة في القطيف سنة 1926 بواسطة أرنولد
طوال القرن الماضي، تم تصوير العرب في وسائل الإعلام بأدوارٍ تشوّه صورتهم، وتروج عنهم طبعًا سيئًا وخاطئًا. حيث يُنظر إليهم من خلال عدسة محرّفة، يغدون كأنهم همجيون داخل صندوق، غير قادرين على التصرف بطريقة حضارية بسبب ثقافتهم البدائية، كما وصفها إدوارد سعيد في كتابه الشهير الاستشراق:
"يُنظر إلى العرب على أنهم يمتطون الجمال، إرهابيون، ذوو أنوف معقوفة، فاسقون فاسدون، ثروتهم غير المستحقة هي إهانة للحضارة الحقيقية".
أدى تجريد العرب من إنسانيتهم في وسائل الإعلام إلى زيادة مشاعر الكراهية ضدهم. مع أنها عملت على تقديم رؤية أكثر توازنًا لمعظم الثقافات حول العالم، بقيت تروج لمنظور واحد واسع نحو العرب؛ كتهديد ودونية وبدائية متعارضة تمامًا عن المعتقدات الغربية، وذلك من خلال الحكم على صفاتهم العرقية والجنسية والدينية المغايرة.
إذ نرى في فيلم العودة إلى المستقبل (1985)، مشهدًا يظهر من خلاله مهاجمة أبطال الفيلم من قبل إرهابيين عرب. فالإرهابي يرتدي شماغًا، ويتحدث إلى من معه من الرجال بشيء من الإحباط لأن أسلحتهم لا تعمل، وهكذا يتم تصويرهم على أنهم عنيفون وأغبياء. فما علاقة ذلك مع الحبكة التي تجعل من هؤلاء الرجال عربًا بالضرورة؟
وأيضًا في فيلم علاء الدين (1992) ديزني، المكان الخيالي (أغرباه) تلك الأرض الأسطورية، التي لا تملك موارد تكفي سكانها، والمليئة بشخصيات عنيفة وعدوانية ممن "سيقطعون أذنك، إن لم يعجبهم وجهك"، هذا حسبما ورد في أغنية الافتتاح. نرى أن عدم أصالة التّمثل الثّقافي الذي يحدث في الرسوم الكاريكاتورية قد خلق فكرة خاطئة عما تبدو عليه البلدان العربية، مما أدى إلى فرض سرد الرواية البربرية، والمشاهد الطبيعية الصحراوية الفظّة.
حتى في الآونة الأخيرة، في فيلم كثيب (Dune) 2021، الذي تدور أحداثه على كوكب صحراوي يسمى أراكاس، فإن الشخصيات التي تتحدث اللغة العربية تتمثّل في حشود عنيفة وملثمة، ونساء ينتحبن حتى ينقذهن "البطل". كما أن مؤلف الرواية فرانك هربرت، اعترف في العديد من المناسبات، أنه استمدّ من الثّقافة العربية ليقوم بكتابة رواياته.
الشكل 3- عائلة عربية، تم التقاط الصورة بين عام 1940-1950 بواسطة دانيال فان دير ميولين.
ولا يعد هذا العيب الوحيد الذي يُلاحظ في مجال الترفيه، إنما العديد من وسائل الإعلام الإخبارية تساعد في تجريد السكان العرب من إنسانيتهم. فالأمثلة تتراوح بين نشر الرسوم التوضيحية التي تُظهر غطاء الرأس العربي على أنه قنبلة، وتلك الصور التي تظهر حشودًا غاضبة من الرجال الذين تم القبض عليهم وهم يصرخون في الكاميرا، أو صور الأراضي الفقيرة التي تواجه الحرب دائمًا. كما تستهدف الصور السلبية النساء العربيات، لا سيما عندما يتم تقديمها بطريقة مهينة، من خلال تصويرهن على أنهن عاجزات، وغير قادرات على اتخاذ القرار، وليس لهن سلطة على أنفسهن.
وقد أشار الناقد الإعلامي الدكتور جاك شاهين في قوله أنه قد لا يدرك الكثيرون أن المفاهيم الخاطئة البسيطة لها عواقب وخيمة عندما يتعلق الأمر بالتأثير على قرارات صانعي السياسة. لذا فإن التصوير العادل والتمرير الدقيق للمعلومات ضروريان لعدم إفساد عملية صنع القرار.
وإلى جانب التصوير العادل، يجب تصنيف القوالب النمطية والاستعارات المعروضة في وسائل الإعلام بوجه عام، والإشارة إلى ما هو تمييزي ضد ثقافة معينة أو شعب معين، كتجريد العرب من إنسانيتهم وتحويلهم إلى غرباء. فالتصدي للقوالب النمطية وتحدّيها أداة هامة في مكافحة التحيّزات، سواء كانت صريحة أو ضمنية.
أخيرًا، لتغيير هذه الروايات وتصحيح صورة العرب في الإعلام العالمي، من الضروري دفع وتشجيع المبدعين العرب على تقديم ثقافتهم بطريقة أصيلة لتراثهم. فوسائل الإعلام تعد أداة قوية، ومن خلالها يمكننا التواصل مع العديد من الثقافات حول العالم.
إنه الوقت المثالي، لتقديم ثقافتنا العربية على أنها هويّة غنيّة ومتنوّعة وجميلة.
*غادة المهنا مستشارة ثقافية وإعلامية، تعمل في منطقة الجزيرة العربية. تركز في عملها على رواية القصص الأصيلة والحفاظ على الثقافة والتبادل الثقافي. تقيم حاليًا في برلين، ألمانيا.