الهُوِيَّة التاريخيَّة

تحدثُ الهجرة، وهي التّنقل من مكان إلى آخر لأسباب مختلفة، سواء كان ذلك للأمان أو للأراضي الأكثر خصوبة أو لتغيير الفصول أو لإعادة الاتصال أو الانفصال، منذ بداية الزمان. 

تتشكل الهويّات وتتأثر بالانتقال من مكان إلى آخر، حيث يتبنى الكثيرون عادات جديدة ولغات وتقاليد جديدة، ويتخلصون من الهويّات القديمة، بينما يحافظ الآخرون على هويّتهم أينما ذهبوا، أو على الأقل يحافظون على جوانب منها مثل لغتهم ودينهم وروابط أجدادهم والقصص التي يحملونها عن أسلافهم وأصولهم. 

يتّخذ البعض هويّات جديدة بناء على مكان ولادتهم، والبعض الآخر يعتمد على وقت هجرتهم وكيفيّة تلك الهجرة. لكن كما نعلم جيدًا، ليست كل عمليات الهجرة سهلة وبعضها خطيرة، وتنطوي على مخاطر عالية، كما نسمع في الوقت الحاضر في تقارير الأخبار حول اللاجئين الفارّين من أماكن الصّراع والاضطراب إلى مواقع أكثر أمانًا واستقرارًا. 

هنا، نناقش هجرة تاريخيّة مهمّة للغايّة، هجرة تستمر في إلهام العالم الإسلامي. 

أطلقت إثراء هذا العام "معرض الهجرة على خطى الرسول صلى الله عليه وسلم" الذي يسلط الضوء على الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة. تلك الرحلة الملهمة التي تشكلت بداية التاريخ الإسلامي، وانطلقت حضارة غيرت العالم، كما أسهمت في نشأة مجتمع إسلامي دولي يضم اليوم أكثر من 1.5 مليار شخص. 

يقام معرض الهجرة بالتعاون مع المتحف الوطني بالرياض وبيت الفن الإسلامي ومجمع الملك عبد العزيز للمكتبات الوقفية وجبل التركواز. ليستعرض العديد من القطع الأثرية المقدمة من هؤلاء الشركاء. كما يضم المعرض أعمالًا جماعية ابتكرها متخصصون وفنّانون أشعلوا هذه الرّحلة من خلال الأعمال الفنّية والأفلام الوثائقية والكتب التي تحكي قصّة الهجرة. 

إليكم بعض الجواهر الشّيقة لاكتشافها والتي تشتمل على عناصر هويّتنا، من الصّنادل التي ما زلنا نرتديها حتى اليوم مع الملابس التّقليدية، إلى الخيام المقامة للمناسبات الخاصّة، وفخر الشّعر وبقائه عبر العصور، ومفهوم القرابة والانتماء. 

نتقدم بجزيل الشكر والتقدير لأمناء معرض الهجرة، الدكتور إدريس تريفاثان والدكتور كميل محمد المصلي على جهودهم المبذولة في هذا المعرض. 

"أردت تنفيذ عمل فنّي يعبر عن مفهوم (المؤاخاة) الذي تجسد بين المهاجرين والأنصار بعد البحث في قصة الهجرة، حيث أرغب في أن تعبر القطعة عن المصاعب التي عانى منها المهاجرين أثناء الهجرة، وعن إيثار الأنصار المتمثل في استقبالهم للمهاجرين في منازلهم، ودعمهم لهم من خلال مشاركة كل ما يملكونه، لذلك سعيت لتنفيذ عمل تركيبي كبير يبرز هذه الروابط وقوة تجذرها في تكوين علاقة مثمرة باستخدام المواد الطبيعية (كإشارة للطبيعية والبيئة التي تحتضن مسار الهجرة)

جمعت في هذا العمل بين مرونة الأقمشة ونعومة الطين، إذ غمست الأقمشة في الوحل وربطتها معًا بأحجام مختلفة. حيث تهدف هذه العقد إلى الإشارة للعلاقات الوثيقة الغنية بالإيثار والحب بين الأنصار والمهاجرين، بينما تمثل الخيوط المدمجة ذات الألوان المختلفة نمو وقوة جذور شجرة عظيمة. وأوجّه من خلال هذا العمل نداء يدعو لإحياء مفهوم المؤاخاة والذي يمنح معنى للحياة". - الفنانة زهرة الغامدي