الهُوِيَّة من خِلالِ عَدَسة
تطريز، مدينة الطائف، بعدسة ظافر الشهري.
المصوّر ظافر الشهري.
عُرف المصوّر ظافر الشهري بصورهِ التي تصطاد لحظات الحياة البسيطة للنّاس والمجتمع في مختلف مناطق المملكة، والتي تكشف عن جمال الثّقافة السّعودية وتنوعها.
وعُرف أيضًا بأن عدسته توثّق معالم المملكة السّياحية من زوايا لم تُرَ من قبل، لتصبح أخيرًا صوره جزءًا من تصميم الجواز السّعودي الجديد.
مفتونًا بعالم الصورة، بدأ المصور ظافر الشهري رحلته في عالم التّصوير الفوتوغرافي بداية عام 2008، لكن شغفه بعالم التصوير بدأ قبلها بعامين، حيث كان يكرّس ساعات طويلة من يومه للاطلاع بشكل مكثَّف على هذه الهواية، وحين قرّر أن يقتني أوّل آلة تصوير له. بدأ يصوّر ويجرّب بدافع التّعلم باستمرار، وقال معلّقًا على بداياته: "حين دخلت عالم التصوير لم أكن أفكر قط أن أصبح مصورًا محترفًا أو أن أجني المال من التّصوير ويصبح مصدر رزقي الأساسي". وفي نفس العام الذي بدأ فيه التّصوير، حصل على أول جائزة عالمية له في مسابقة الشيخ سعود آل ثاني في قطر للتصوير الفوتوغرافي ، وحقّق فيها الميدالية الذّهبية.
ويعتبر الشهري أنّ تصوير حياة الشارع أو (street photography) هو الأسلوب المفضّل إليه منذ البداية، إذ يقول: "تصوير الحياة في المجتمع أو الشارع يسمح لك أن تجلس مع الناس في المدن والقرى، وتتحدث وترى حياتهم عن كثب، وهذا أكثر شيء يجذبني في هذا النوع من التصوير".
وأضاف قائلًا: "حياة الشّارع سمحت لي أن أتعرّف بشكل أكبر على النّاس والثّقافة والأماكن السّياحية. وهذا الأسلوب يسمح لك أن ترى الرّاعي والجبل والشّخص الذي يعزف النّاي على رأس الجبل".
وتتمحور صور الشهري حول المواضيع الثّقافية والسّياحية، التي بمجملها تركّز على هذين الجانبين. وفيما يتعلّق الثّقافة، يقول: "الثّقافة لا تنتهي، وهي جزء مهمّ ومستمرّ ومتجدّد طالما الإنسان موجود وباق".
للمجد والعلياء، الصورة الفائزة بجائزة التميز الإعلامي لعام 2019. بعدسة ظافر الشهري.
ثلاث صور التَقَطَتها عدسة الشهري لأهم معالم المملكة زيّنت صفحات جواز السّفر السّعودي الجديد، لتصبح جزءًا من تصميم الجواز، فهي تعكس هويّة وتاريخ المملكة العريق. وقد اختيرت صوره ضمن مجموعة صور التقطها عدد من المصوّرين، منهم: المصور عماد الحسيني، وعبدالعزيز الدخيل. كما تم اختيار صور لمبنى إثراء وبئر رقم 7 والمعروف ببئر الخير من أرشيف ارامكو.
وعبّر الشهري عن مدى سعادته قائلًا: "سعدتُ جدًا بالعمل على هذا المشروع الذي بدأ في عام 2018، ولأنّ أعمالي واحدة من الأعمال المختارة في الجواز السّعودي الذي يحمله كلّ مواطن. كانت الفكرة من المشروع هي إضافة صور في جواز السّفر للمواقع التّراثية والصّناعية في السّعودية، واختيرت ثلاث صور التَقَطُّها لعدة مناطق منها البحر الأحمر ونيوم وجبل طويق".
نيوم، السعودية، بعدسة المصور ظافر الشهري.
كانت العدسة من أهم الأدوات التي استخدمها الإنسان للتعبير عن هويّته الخاصّة والمميّزة، لذلك يعدّ دور المصوّر ذا أهميّة كبيرة في توثيق ملامح الحضارة والثّقافة الوطنيّة التي تعكس جمال الهويّة. وعندما سئل الشهري عن دور المصور في الحفاظ على الهوية، أجاب:
"إنّ من الواجب على كل مصوّر أن يوثّق ويحافظ على هويّته وهويّة بلده، من خلال تصوير المناطق الحضاريّة والتاريخيّة والسّكان الأصليين لهذه المناطق، الذين هم في الأصل السّبب الرّئيسي في الحفاظ على الهويّة الحقيقيّة للمنطقة".
وأضاف على موضوع الهويّة قائلًا: "إنّه من المهم أن نتحدّث أكثر عن موضوع الهويّة لأنه مرّت فترة من الزّمن أهملنا فيها هويّتنا بشكل غير واع، وهذا الأمر تسبّب في ضياع الشيء الكثير منها، أما الآن وبوجود وعي أفضل ندرك أهميّة الحفاظ عليها، واليوم، كثير من الدّول يشكّل العامل الرّئيسي لدخلها الاقتصادي؛ هو محافظتها على التّراث فقط".
يد خادم الحرمين الشريفين، في قمة الرياض، 2017. بعدسة ظافر الشهري.
يحكي لنا الشهري أنّ كل صورة التقطها خلفها حكاية وعناء طويل، ويصف رحلات تصويره التي تمتدّ وتستغرق أحيانًا شهرًا من التّرحال والتنقل قائلًا: "رحلات التّصوير تصبح أشبه بالمسرحيّة التي تحضرها ولا تعلم الفصول التي بداخلها، أحيانًا قد تخطّط لتصوير موضوع يكون بينه وبين منزلك أكثر من 10 كيلو، ولكن تتفاجأ أنّك قد تعثر على الصّورة التي تعجبك على مقربة من باب منزلك".
ويصف الشهري مكانة الصّور التي يلتقطها بالنسبة إليه بأنها: "اللّبنة التي يبني بها الإنسان قصره أو منزله"، حيث أنّ كل صورة التقطها تمثّل جزءًا من لوحة يرسمها المصوّر على مدار السّنين تعكسُ منظوره للحياة.
ويرى الشهري أنّه من الصّعب تفضيل صورة على الأخرى: "بعض الصّور ينتشر بشكل واسع وكبير وتصبح قريبة من القلب لأني أراها باستمرار، وبعض الصّور الأخرى يكون موضوعها محدّد وتكون نتاج تحدٍّ حيث أكون قد بذلت المستحيل لأصل للصّورة المطلوبة".
وكانت صورة يد خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز واحدة من أشهر الصّور التي لاقت إعجاب الناس في وسائل التّوصل، وكان قد التقطها الشهري في عام 2017 في قمة الرياض، عندما استقبل الملك رئيس أمريكا آنذاك دونالد ترامب.
وحين سئل المصّور عن قصّة صورته المشهورة للإبل مع طائرات صقور السّعودية أجاب: "هذه الصّور كانت نقلة في حياتي، وهي تمثّل كيف يمكننا الجمع بين محافظتنا على التّراث وفي نفس الوقت نعيش آخر ما توصّل له العالم في التّطور والصّناعة، دون التنازل عن هويّتنا ومبادئنا. إنّها من الصّور التي عانيت حتى التقطتّها، انتظرت أكثر من ثلاثة أيام أتردّد على المكان ذاته، بانتظار الموقف نفسه، وهنا كانت لكلّ ثانيّة قيمتها من أجل تكوين متكامل للصّورة، والحمد لله فازت هذه الصّورة بالجائزة الذّهبية في النّمسا".
مهرجان الجنادرية، بعدسة ظافر الشهري.
شاطئ مدينة الوجه، 2014، بعدسة ظافر الشهري.
ووصف الشهري أيضًا قصّة التقاط صورة الجمل مع صاحبه، حيث كانت من أجمل الصّور التي التقطها من غير ترصدٍ مسبق: "هذه الصّورة كانت لمهرجان في 2014 في مدينة الوجه، حينها كنت في جولة تصوير حول المملكة في مناطق مختلفة، رأيت إعلانًا شدّني جدًا عن إقامة سباق قوارب في مدينة الوجه، وفهمت من الإعلان بأنّ المقصود هو سباق القوارب السّريعة العالميّة، فتوجّهت بعدها إلى تبوك ثم إلى مدينة الوجه قاطعًا مسافة 1300 كيلو تقريبًا، وحين وصلت هناك تفاجأت بأنّ السّباق كان لقوارب الصّيد العاديّة، وليس كما توقّعت، وكانت صدمةً كبيرةً بالنّسبة لي. لكنّي كنت مؤمنًا بأنّ ثمّة صورة يمكن التقاطها في مكانٍ ما.
وحين انتهى المهرجان عند وقت الغروب، كانت هنالك قافلة من الإبل قرّر أصحابها أن يدخلوها في البحر لأنّهم أرادوا غسلَ الطّلاء عن وجوهها، إلا أنهم لم يدركوا بتصرفهم هذا قد هيّئوا لي فرصة التقاط صورة كانت تستحقُّ المسافة الطّويلة التي قطعتها للوصول إلى هذا المهرجان. وما زالت هذه الصورة من الصور التي تتداول بشكل مستمر حتى يومنا هذا، مما يعيدنا إلى نفس الفكرة؛ فكل رحلة تصوير هي مثل حضورك لمسرحيّة لا تعرف فصولها".
مجموعة من الصور بعدسة ظافر الشهري.
يؤمن ظافر الشهري بأن التّجربة والمحاكاة من أهم أسرار التطوّر في مجال التّصوير فيقول: "أنصح المصوّر الهاوي أن يجرّب ويحاكي الصّور التي تعجبه سواء كانت صورة لمنظر طبيعي أو صورة لشخص ما، والمحاكاة لا تكون بمعنى التّقليد أو الاستنساخ، لأنها تعدّ من مراحل التعليم؛ يتم من خلالها دراسة كيفيّة وصول المصوّر للتّكوين المثالي للصّورة، كما يجب أن يتعلم الشّخص طرق معالجة الصّور، فالتصوير لا يعتمد على الكاميرا فقط، إنما هناك عناصر أخرى كالمكان والوقت المناسب للخروج بأفضل النتائج".
مجموعة من الصور بعدسة ظافر الشهري.
مجموعة من الصور بعدسة ظافر الشهري.