نحن نعد شيئًا رائعًا من أجلك.

الهُوِيَّة وأثرها على الفَن
A-
A+
لقاء خاص

الهُوِيَّة وأثرها على الفَن

الهُوِيَّة وأثرها على الفَن

ضياء العزّاوي ، تصوير كريس وود.

بقلم غدير صادق
October 20th, 2022
“بمعرفتي للثقافة العربية بكل شموليتها .. يكون لهذا البحث منهجًا له بعده العربي في المخيلة الفنّية أو في تفسيراتها الثقافية”

ضياء العزّاوي

نبذة عن الفنّان ومسيرته الفنِّية

ولد ضياء العزّاوي في العراق عام 1939 ودرس علوم الآثار في جامعة بغداد، والفنون في أكاديميّة بغداد للفنون الجميلة بعد توجيه من معلمه حافظ الدروبي، وتخرج منها عام 1964، حيث كان يدرس في النهار الآثار والعالم القديم، وفي الليل يدرس الرسم الأوروبي، يقول: "هذا التناقض يعني أنني كنت أعمل مع المبادئ الأوروبية ولكن في نفس الوقت أستخدم تراثي كجزء من عملي". 

خلال دراسته في أكاديمية الفنون الجميلة انخرط في الجماعات الفنّية المدارس الفكرية، مثل المجموعة الفنّية المحليّة، المعروفة باسم الانطباعيين التي كانت تحت إشراف معلمه حافظ الدروبي، ومجموعة بغداد للفنّ الحديث تحت إشراف شاكر حسن سعيد، ثم أنشأ العزّاوي جماعته الفنّية الخاصة المعروفة باسم الرؤيا الجديدة التي كتب بيانها باسم "نحو رؤية جديدة". من خلال دراسته لعلم الآثار وإلمامه بتاريخ العراق والحضارات التي تواترت عليها، طور العّزاوي أسلوبا فنّيًا خاصًا به حيث كانت ثيمة التاريخ الثقافي العربي والأساطير مثل ملحمة جلجامش القديمة، وواقعة استشهاد الإمام الحسين (رضي الله عنه) حاضرة في أعماله.
 

بعد تخرّجه وقبيل انتقاله الدّائم إلى لندن، عمل العزّاوي في دائرة الآثار العراقية في بغداد (1968-1976)، ومن ثم كمدير فنّي للمركز الثقافي العراقي في لندن، حيث قام بترتيب عدد من المعارض، وكان أيضًا محررًا لعدة مجلات مثل: مجلة أور (1978-1984) - وهي مجلة جديدة يصدرها المركز الثقافي العراقي في لندن-، ومحررًا للفنّون العربية (1981-1982)، وعضوًا في هيئة تحرير المجلة العلمية "مواقف". 

عاصر العزّاوي فترات سياسية مضطربة ومفصلية في المنطقة وخصوصًا في بلده العراق واحتلال فلسطين، فكان لهذه الأحداث النصيب الأكبر من منتوجه الفنّي الذي أصبح ذو صوت سياسي قوي.

كان العزّاوي من جيل الشعوب الذين شهدت سقوط بلادها وأوطانها في ظل ديكتاتوريات دموية وحروب طاحنة أدت لدمار مستمر، وكان لهذه الأحداث وقع قوي على نفسه، عزم أن يكون إنسانًا قبل أن يكون فنّانًا، فكانت أعماله مرآة واقعية تعكس الدمار والدماء والسواد الذي حل بالمنطقة، وكانت صوتًا مدوّيًا لمن كتمت أصواتهم. 

أعمال العزّاوي تدمج عناصر مختلفة للرموز الثقافية العربية، فكانت الحروفية والأدب والشعر مكونًا أساسيًا لها. وتميّزت بسرديتها التاريخية لما تمر به المنطقة من حروب ومجازر ودمار، واتسمت بمزج التراث العربي مع الحداثة، وهي ثيمة متكرّرة في أعماله. 

مجزرة «صبرا وشاتيلا» (1982-1983) ضياء العزّاوي
مقدّمة عن الهُويّة وكيف تُشكل مفهومًا محوريًّا في أعمال الفنّان:

لولا عراقية ضياء لما كان الفنّان الذي نعرفه اليوم، فقد كان لنشأته في العراق الدور الأكبر لنسج هويّته، نشأ عزّاوي في فترة مفصلية للعراق والعالم العربي كافة، حيث تواترت الحروب والمجازر والتّهجير والإحتلال على المنطقة، كانت المنطقة في حالة من التّوتر والفوضى بعد مرحلة الإستعمار الإنجليزي وسيادة الخطاب العروبي في المنطقة الذي كان يهدف في محوره لإبراز الهويّة العربيةّ، والإعتزاز بالوطن، والولاء المخلص للوحدة العربيّة، والإهتمام بالقضايا السّياسية والإجتماعية التي تخصّ المنطقة، والتّرويج لجو عام يسوده التآخي والتآزر والتضامن بين شعوب العالم العربي. فقد درس العزّاوي في فترة الستينيات من القرن الماضي في العراق وتأثر بالجماعات الفنّية التي برزت في تلك الفترة. وشهد بروز ثّلة من الفنّانين النّوابغ مثل حافظ الدروبي، جواد سليم وشاكر حسن سعيد، الذين كان لهم الأثر الأكبر في رسم ملامح الحركة التشكيلية الفنّية في العراق، التي كانت تتّسم في جوهرها بالاحتفاء بالتراث والتاريخ، وخلق مدارس فنّية وأساليب متفردة عن الفنّ الأوروبي، وفي نفس الوقت تدعو للتجديد والتحديث والابتكار والبعد عن المحدودية وضيق الأفق في الإنتاج الفنّي.

ألف ليلة وليلة- النسخة الثالثة، 1986.ضياء العزّاوي (من مجموعة مؤسسة دلول للفنّون)
ألف ليلة وليلة- النسخة الثالثة، 1986.ضياء العزّاوي (من مجموعة مؤسسة دلول للفنّون)

لعل أبرز ما يميز أعمال العزّاوي هي الثنائية المتناقضة التي يتذبذب بينها الفنّان، فتارة تكون معظم أعماله مصوّره للدّمار والدّماء والحروب والمجازر كحالة أشهر لوحاته "صبرا وشاتيلا" مقتنيات متحف تيت لندن. أو مجموعة لوحاته "نحن لا نرى إلا جثثًا" التي صوّرت الحالة البشعة التي قد تصل لها النّفس البشرية من قتل وسفك لدماء الآخر فقط لكونه آخر، وتارة أخرى نرى عزّاوي يحتفي بثقافته العربية فيكون

حضور الحرف في التجريد والشعر والأدب جليًا في أعماله في مجموعة "المعلقات السبع" التي تحتفي بالشعر ومجموعة "ألف ليلة وليلة" التي تحتفي بالفنّ القصصي القديم. كان العزّاوي فنّانًا أعطى ثقافته وهويته العربية حقها ولم يبخسها. إذ كان صادقًا في تصوير الأحداث السياسية المؤلمة والقبح الذي نتج من الحروب التي حلت وما زالت جزءًا من الواقع الذي يعيشه العربي دون أن يغض النظر عن الجمال الذي تفرّدت به اللغة العربية والأدب والشعر. 

س1: هل لك أن تخبرنا عن خلفيّتك؟ وكيف بدأت كفنّان؟ وكيف دخلت الأوساط الفنّية في بغداد؟ ما هي الأشكال الفنّية والثقافية التي أثّرت بشكل أكبر في أسلوبك وعملك؟ 

دراستي الأكاديمية لعلم الآثار والحضارة، وفي نفس الوقت دراستي الفنّية في معهد الفنّون، هي التي رسمت خلفيتي الثّقافية والفنّية، هذا التضاد بين البعد التاريخي لحضارات متنوعة وبين تاريخ الفنّ الأوربي المعاصر كان سببًا لإيجاد أسلوب يجمع بينهما، في نفس الوقت كان للأسطورة الرافدينية وغنى محتواها أكبر تحد فنّي لي، وذلك في إمكانية جعلها إنجازًا مقبولًا يسهم في تفسير الظواهر المعاصرة. 

معلقة 'الحارث بن حلزة'،(1980) ضياء العزّاوي. بكرم من مؤسسة كندة (من معرض أماكن)

عند الانتهاء من دراستي الفنّية عام 1964 ساهمت ولأول مرة في المعرض الجماعي لجمعية الفنّانين العراقيين، وكذلك فعلت في السنة التالية 1965، ثمّ توفرت لي الفرصة للانتماء لجمعية الانطباعيين العراقيين التي أسسها الفنّان حافظ الدروبي.

في حينها استقبلت أعمالي بترحيب صحفي لما تميزت به من بعد فنّي وحضاري يقترب من تجربة جماعة بغداد للفنّ الحديث التي أُسّست من قبل جواد سليم، والتي كانت تدعو لتحقيق فنّ عراقي يرتبط بالهويّة الوطنيّة.

س2: نظرًا لتزايد عرض عملك الفنّي للجمهور الغربي، ما هو الدور الذي تودّ أن يلعبه عملك كجزء من الخطاب حول الفنّ العربي؟ 

حالي كحال أيّ مبدع يسعى لتحقيق تميّزه الفنّي ذو البعد المرتبط بموروثه الحضاري والشّعبي، وبهذا التّميز يكون الفنّان مساهمًا فعّالًا في توسيع دائرة الحوار البصري والمعرفي مع الثّقافات الأخرى، ممّا يؤدّي بالتّالي إلى تقليل التّشويه المتعمّد من بعض الصّحف ووسائل الاتصال الاجتماعي لمجتمعاتنا العربية. 

س3: ما هي الموضوعات الأكثر شيوعًا في عملك؟ ولماذا؟ 

في البدايات ارتبطت موضوعاتي بالأسطورة والمورث الشّعبي، وما تحتاجه من تطوير لعلامات وأشكال مأخوذة من الموروث وبالشّكل الذي يبعدها عن ماضيها، فملحمة جلجامش مثلًا تمًّ معالجتها والنّظر إليها من زاوية خوف الإنسان من الموت وفي استحالة الخلود. من هنا يمكن للأسطورة أو السّرديات الشّعبية أن تكون وسيلةً لتحقيق عالم فنّي غني يُفسّر حسب منظور وثقافة المشاهد. ومن بعدها اعتمدت على موضوعات ذات ارتباط بالحياة اليوميّة، وما يتيحه لي السّفر المتنوّع من مشاهد واكتشافات معرفيّة تتمتع بها الحياة المعاصرة.

س4: كيف تؤثّر الأحداث السّياسية والاجتماعية والعالميّة الحاليّة على عملك، وكيف يتم اختيار الوسيط الذي تستخدمه أو تجرّبه في عملك؟ 

لا يمكن للإنسان أن يعزل نفسه عما يحيط به من حياة، ولا يمكن لأيّ مثقف من منطلق أخلاقي أن يتخلى عن مساهمته في تطوير المجتمع وتوسيع مداركه الإنسانية، فالإنسان كائن اجتماعي، وبالتالي لا بدّ له من أن يعالج الموضوعات السياسية، لما لها من تأثير مباشر على الحياة العامة التي يعيشها وعلى مستقبل عائلته. بالنسبة لي شكّل الحقّ الفلسطيني، وما تتعرض له المجتمعات العربية من ضغوطات مجتمعية مدمرة، أهم ما حاولت التعبير عنه، هذه الضغوط أخذت من جيل الشباب أحلامه بالتغيير الملازم للتطور الإنساني والضروري للحياة الطبيعية. 

لم يكن من السهل مثلًا عدم الاحتجاج فنّيًا أمام مذابح الفلسطينيين في تلّ الزّعتر وصبرا وشاتيلا، أو في تدمير مزارع البسطاء من الفلاحين، وليس من السّهل عدم الاحتجاج والإصرار على فضح الهمجيّة الغربيّة الممنهجة في تفكيك المجتمعات العربيّة عبر طرق شتى، العسكرية منها أو السياسية التي تستنبط مفاهيم متزمّتة لتفسير التاريخ العربي وصولًا لما تمتلكه هذه المجتمعات من ثروات طبيعية.

المعلقات السبع: طرفة بن العبد، (1978) ضياء العزّاوي. (من مجموعة مؤسسة بارجيل للفنّون)

س5: كيف تؤثر هويتك كعراقي يعيش خارج بلده على أعمالك؟ 

خرجت من العراق وعمري كان في منتصف الثلاثينيات، ولدي تجربة فنّية ساعدتني على قدر من الانفتاح على ثقافة المجتمع الجديد، وكان لدراستي لعلم الآثار عامل مهم في الحفاظ على ما لدي من معرفة تاريخية، وبمرور السنوات لم يعد الموروث الحضاري المتنوع في العراق بين سومر وآشور وبين الحضارة الإسلامية هو ملك لنا كعراقيين، بل هو ملك للبشريّة جمعاء، وبالتالي من سماته أن يكون رافضًا للتعصب القومي، من هذا المنطلق الإنساني؛ غالبًا ما كنت أطرح أعمالي كفنّان عربي لما له من امتداد جغرافي وحضاري، وأن يكون بحثي الفنّي له علاقة بمعرفتي للثقافة العربية بكل شموليتها، بمنهج له بعده العربي في المخيلة الفنّية أو في تفسيراتها الثقافية. 

س6: ما أهم الأحداث التي شكلت مسارك الفنّي وساهمت في تأسيسه أو أدى بعضه إلى طابع سياسي؟ 

لعل الموضوع الفلسطيني العامل الحاسم للتّوجه السّياسي في العمل الفنّي، فأنا من جيل تربى على القضيّة الفلسطينيّة، وكان الإخفاق في التّعامل معها جزءًا من الموقف المبدئي للدّفاع عن الحقّ الذي تمّ سلبه من قبل مجتمعات استيطانيّة غربيّة في مجملها. 

وفيما بعد، جاور هذا الموضوع ما حدث في العراق من استهداف غربي لسياسات عراقية خاطئة انتهى باحتلاله، بذريعة ملفقة وبظهور طبقة سياسيّة فاسدة عملت على إحداث الفرقة بين أفراد المجتمع.

س7: ما الذي تتمنّى تحقيقه من خلال عملك؟ ومن هو جمهورك المستهدف؟ بشكل عام، كيف يستجيب الجمهور لأعمالك؟ 

ما أُنتجه من أعمال هو صورة لموقفي في الحياة، لا استهدف مجتمعًا معينًا ولا أريد أن أكون صورة للعربي المنغلق على ثقافته، مع مرور السّنوات أصبحت أعمالي موجودة في مجموعات عربية وأجنبية وهو اعتراف بمهنيّة تجربتي وقدرتها على أن تكون جزءًا من ثقافة المجتمعات الأخرى. 

س8: كيف تؤثّر وتشّكل اللغة العربية والشّعر والثّقافة والأدب على عملك؟ لماذا؟ 

الشّعر والأدب لهما حصّة الأسد كما يقال في ثقافتي العامّة، ومنذ الستينيات كان لي اهتمامات متنوعة بالقراءة بين الرواية والشّعر العراقي والعربي، وبسبب دراستي للآثار أُتيحت لي الفرصة للاطلاع على شعر الأسطورة السّومريّة والبابليّة، وبمرور السّنوات امتدّ اهتمامي إلى الشّعر العربي المعاصر، وأصبحت لي صداقات مع العديد من الشّعراء، وحفزتني هذه المعرفة أن أذهب أبعد من اللوحة، إلى إنتاج دفاتر شعرية متنوعة الحجم والمادّة، ومتنوعة أيضًا في طريقة إنتاجها كأعمال أصلية فريدة أو أعمال مطبوعة ومحدودة النسخ.

إعادة تعيين الألوان