الخطُّ كفنّ للهُوِيَّة
"مجاز (2)"، 2022، 150*200، اللوحة بإذن من الفنان.
يتمتع الحرف العربي بجماليّات فريدة تميّزه عن غيره من حروف اللّغات الأخرى، فهو يتيح خيارات جماليَّة عديدة لعلاقة الأحرف ببعضها، وقابل للتّشكيل بسلاسة من خلال تطويع الأحرف واستجابتها لأيّ تصميم أو إبداع يخطر في بال الفنّان والخطّاط إلا أنَه حرف حسّاس، ولا بدّ من الاتقان أن يرافقه الخيال الإبداعي والإحساس العالي لتكون النتيجة لائقة، فأيّ نشاز بسيط في شكل أو ارتباط أيّ حرف بغيره يؤذي اللّوحة كلّها، تمامًا كما يؤدّي أيّ خطأ لغويّ إلى دمار جماليّة المعاني.
لذلك استُخدم ويُستخدم حتّى الآن في فنون كثيرة منها فنّ العمارة عبر التّاريخ إذ يتمتّع الخطّ العربي ببنية هندسيّة خلّابة إضافة إلى جماله. وفي العصر الحديث دخل الفنون التّشكيلية، فتخصّص في استثماره فنّيًا عدد كبير من الفنّانين التّشكيليين الذين يمتلكون موهبة الخطّ، وتنوعت أساليبهم الجماليّة والتّعبيريّة.
وتاريخ الخطّ العربي حافل بالإدهاش، والخطّاطون عبر الماضي استحقّوا مكانة رفيعة واهتمامًا كبيرًا، من بينهم خطّاطون من بلدان غير عربيّة خلّدت لوحاتهم، بل انخرط في هذا المجال خطّاطون من العالم؛ لما للحرف العربيّ من طاقات تشكيليّة هائلة. وتخصّص كثيرون في لوحات الخطّ العربي التي أصبحت جزءًا مهمًّا من الفنون المعاصرة وازدَهَت بلوحاته كُبرى الصّالات والمعارض والمتاحف والمراكز الفنّية والثّقافية والقصور الرّسمية وغير الرّسمية.
الفنّان السّوري عقيل أحمد من خريجي كليّة الفنون الجميلة في حلب، طوّر مهاراته في مجال الخطّ العربي، منذ سنّ العاشرة وحتّى الآن، متدرجًا في تعلّمه واتقانه لأصول الخطّ العربي، زاد مداركه المعرفيّة والبصريّة بالفنّ المعاصر، واشتغل على أدواته التي ساعدته على تشكيل أسلوبه الفنّي في التّعامل مع الحروف وتكوينها مع دمجها بعالم الألوان السّاحر، وهكذا أرسى حضوره على ضفاف هذا الفنّ الفريد.
اشتغلت في بحثي البصري على رؤية معاصرة تربط بين الفنّ والخط العربي، كالبحث عن الصّلة بين المقام الموسيقي والمقام البّصري، بحث شبيه بالتّعمق فنّيًا حول الإدراك والعاطفة والشّعور، هذه هي أساسيّات العمل الفنّي، التي لا تبتعد عن العفويّة العاليّة في لحظة معينة.
سبق أن أقمت ستّة معارض فرديّة توزّعت بين بيروت وقطر والكويت وبرلين، وشاركت في معارض جماعيّة كثيرة وبيناليات ومحافل دوليّة للفنّ، وحُزتُ جوائز منها جائزتا (البردة) من الإمارات العربية المتحدة.

"مشروع (5) ميديا خيالية"، وسائط متعددة، 120 * 110 * 24، اللوحة بإذن من الفنان.
وعن أهميّة الفنّ عنده يقول:
الفنّ حقيقة نقيّة تسمو فوق الواقع، يتملّكني كحالةٍ روحانيّةٍ عاليةٍ مترعةٍ بالموسيقا والمشاعر والأحاسيس، فسحة حريّة أعبّر فيها عمّا يدور بداخلي بعفويّة بعيدة عن التّكلف والتّصنع. والخطّ العربي الذي كان تسلية الطُّفولة أصبح شغفًا ومجالًا حيويًّا ليس للتّعبير المعنوي والبلاغي والخطابي فحسب، إنّما للتعبير البصري الذي يتجاوز عوائق المعرفة باللّغة.
ما الصّعوبات التي واجهتك في بداية مسيرتك الفنّية؟
لم تكن صعوبات وعراقيل بقدر ما كانت طريقًا نورانيًّا لبلوغ حالة من فيض المشاعر إزاء الحرب المستعرة في سوريا، وبحثًا عن الأمان في مكان آخر للاستمرار في التجربة الفنّية، فكانت سمة التّجربة جدلًا فنّيًا بين الغربة وبين الحنين إلى الوطن.

"الحب المطلق"، مشروع (8) وسائط متعددة على المعدن، 2021، 150 * 120 * 30 ، اللوحة بإذن من الفنان.
بمن تأثّرت في تجربتك الفنّية؟
تأثّرت بكل من اشتغل على الخطّ العربي من فنّانين عرب وغير عرب، وكانوا قدوة لي في أثناء تطوير تجربتي للوصول لهذا الشّغف بالبحث والاستفادة من التّجارب الفنّية العالميّة، التي تغني رؤيتي البصريّة وخبراتي المعرفيّة.
ماذا يعني لك مصطلح الهويّة؟
الهويّة هي ذاتنا وأفكارنا التي نعيش بها في هذا العالم الفسيح، حاليًا أصبح مصطلح الهويّة أقل حضورًا بسبب اطلاعنا على العالم وسهولة التّواصل بين الثّقافات والتّمازج بين التّجارب.
ما شعارك في الحياة؟
ما يخرج من القلب يدخل القلب، الإنتاج الفنّي الحقيقي والصّادق يصل بسهولة لقلب المتلقّي.

مزيج من الوسائط المتعددة على فايبر كلاس والمعدن،2022، 180 * 200، بإذن من الفنان.
هل تظن أن الهويّة لها تأثير واضح على أعمالك الفنّية؟
أحاول دائما التّفكير خارج صندوق التّقليدي، والبحث في تراثنا وأفكارنا وطريقة حياتنا، من أجل إنتاج فنّ معاصر يشبهنا ويناسب عصرنا وذائقتنا الرّاهنة.

"مشروع (7)"، وسائط متعددة، على معدن 130 * 140 * 56، اللوحة بإذن من الفنان.
كيف تريد للنّاس أن يشعروا عندما يشاهدون لوحاتك؟ وما هي الرّسالة الرّئيسة التي تحاول نشرها من خلال فنّك؟
أحرص على أن يجد المشاهد أمام لوحتي علاقة بينه وبين عملي الفنّي، وأن يشعر بمشاعري وأحاسيسي دون العودة إلى النصوص التي استلهمت منها عملي. ورسالتي التي أعمل من أجلها أن تكون الحياة مشبعة بالفنّ والموسيقا.
ما هي أكثر المشاعر أو اللحظات التي تدفعك لكي ترسم؟ وما الذي يؤثر بك كفنّان؟
الموسيقي تُشعل داخلي نارًا لا تطفئها إلا الألوان، وهي حالة صافية تعيد تأويل المشاعر والأحاسيس في قلبي لصياغة نصّ بصريّ جديد، وأكثر ما يؤثر فيني هو حياتنا الواقعيّة، إذ تكون المشاهدات اليوميّة عُرضة للتّحول إلى فكرة أعمل عليها.
ما طموحاتك ومشاريعك للمستقبل؟
الطّموح مفتوح دائمًا لا يعيقه شيء، ولا سقف محدّد له، فعلى قدر حلمك واجتهادك يتّسع الفضاء ويمتدّ الأفق.