الخُبَر أصالةُ الجذور وآفاقُ التَّنمية
المؤسس محمد بن راشد العمور الدوسري (رحمه الله)
بقلم حفيدة مؤسس مدينة الخُبَر:
وديان محمد راشد محمد راشد العمور الدوسري.

الخبر الشمالية، 2021، بعدسة بيان الصادق.
المجتمع الودود والمتقبّل للآخر هذا ما كانت وما زالت تشتهر به مدينة الخُبَر الجميلة، أصل تسميتها بالخُبَر - كما قيل - أنّه الغدير الذي تجتمع فيه مياه الأمطار "خُبَراء"، وقيل بأنّ كلمة "خُبَر" تدل كذلك على أشجار السّدر والأراك التي تكثر على ساحلها، وآخرون يرون بأنّ تسمية الخُبَر بمعنى علم بحقيقة الأمر وأدركه، كما يقال عادة: "ما سمعت الخُبَر؟"
وسبب حبي للخُبَر، واختياري لكتابة هذا المقال ليس لأنّها المدينة التي ترعرعت بها فحسب، بل لأنّها المدينة التي تأسّست على يد جدي محمد بن راشد العمور الدوسري (رحمه الله)، حينما نزح الدواسر من نجد إلى البحرين، بعد استيطانهم في الساحل الشرقي من الخليج، واستقرارهم فيها، وأصبحوا من القبائل البحرية التي تعمل في صيد اللؤلؤ والزراعة في منطقة البدع في البحرين، فغدت مدينة عامرة بهم وبأنشطتهم التجارية والبحرية واستطاعوا أن يؤسسوا فيها مجتمعًا مزدهرًا، عرفت بعد ذلك بـ "البدعية" أو "البديع".
ولأنّ جلّ عملهم البحري كان صيد اللؤلؤ، امتلكوا الكثير من المراكب، عرف منهم نواخذة كثيرون، وبرعوا في أعمال الغوص. أما عملهم الزراعي، فأكثره في مزارع النخيل التي امتلكوها في البدع، نشاطهم هذا أثر في ازدهار الحياة الاقتصادية في البحرين، فحازوا امتيازات كثيرة، أعطيت لهم الأراضي وأُعفوا من الضرائب، لكنهم خرجوا واستوطنوا في الخُبَر لعدة أسباب أولها الاستعمار الإنجليزي الذي عاشته البحرين آنذاك، وثانيها ما واجهته البحرين من أحداث عامي 1919 و 1922 ميلادية وغيرها، وثالثها محاولة حكومة الهند البريطانية في التدخل بالشؤون الداخلية، مثل: القضاء والضرائب، وإدخال إصلاحات جديدة لأنظمة الغوص والإدارة المالية، والشرطة والتعليم ونظم الحكم، وتغيير العادات والتقاليد، ووضع العلم البريطاني عند باب البحرين، فقرر الدواسر الخروج منها.

كورنيش الخبر، 2021، بعدسة بيان الصادق.
وقد ذكر لي ذلك العم إبراهيم خالد الدوسري، المهتم بتوثيق التاريخ واصفًا قصة خروجهم من البحرين قائلًا: "ففي ليلة مظلمة من يوم الجمعة في الـ 27 من شهر ذو القعدة 1340هـ الموافق 22 يوليو 1922م، خرج (رحمه الله) محمد بن راشد العمور الدوسري مع عائلته، وإخوانه، وأبناء عمومته، وبعض كبار السن من العمور، لأنّهم كانوا الأقل عددًا من الدواسر، مما جعلهم الأخف والأسرع في التنقل، فنزحوا من البحرين إلى الخُبَر، ثم تبعهم على فترات باقي أفراد قبيلة الدواسر، واضعين أسس مدينة الخُبَر". اتّصف رحمه الله بالكرم وسخاء العطاء، حيث كانت أبواب مجلسه مشرعة دائمًا لمساعدة الناس والمحتاجين، ومن مزايا هذا المجلس بأنّه كان مقصدًا لمن أراد أن يلتحق بوظيفة في أرامكو.
اشتهر أهل الخُبَر بنوع معين من الرقصات الشّعبية كالأهازيج البحرية والعرضة، تعبيرًا عن السرور وترحيبًا بالقادة، ففي عام 1939م حينما قدم إليها الملك عبدالعزيز وولي عهده الملك سعود، تلبية لدعوة الشيخ محمد بن راشد، قاموا باستقبال جلالته بالأهازيج المتعارف عليها كناية عن الحب والتقدير لسموه، ويعد أول قدوم للملك عبدالعزيز لمنطقة الظهران لمشاهدة أول شحنة زيت ، كما تمتلك مدينة الخُبَر تاريخًا رياضيًّا عريقًا يضم عددًا من الفرق والنوادي الرياضية مثل: نادي الأهلي ونادي الشعلة وغيرها.

الخبر، 2020، بعدسة بيان الصادق.
معرفتي واهتمامي بمدينتي وجذوري وأصولي، وكيف تأسست الخُبَر، تعد جزءًا لا يتجزأ من هويتي، معرفة تزيد من احترام الإنسان لنفسه ولذاته، لذلك اعتزازي بانتمائي يمثل خيط صلة بين الماضي والحاضر، كما مثلت لي قصة الجيل الماضي أنّ التعاون والترابط والاحترام بين الناس في اتخاذ القرارات، واحد من أهم أسباب نجاح المجتمعات سواء أكانت صغيرة (مكونة من أفراد، وأسرة، وأصدقاء)، أم كبيرة مثل المؤسسات العلمية والتعليمية، وذلك للارتقاء بمجتمع سليم مترابط ومتكامل يسعى لتحقيق أهدافه المرجوة.

الخبر الشمالية، 2021، بعدسة بيان الصادق.
تعدُّ الخُبَر الآن من أهم المدن السياحية والاقتصادية، وأجمل المدن في المملكة العربية السعودية، وتتمتع بموقعها الخلّاب في غرب شاطئ الخليج العربي، حيث تتمركز غالبية الأماكن الترفيهية والحدائق والمقاهي والمطاعم الفاخرة على بحر الخليج العربي، مما يجعلها مقصدًا للزوار والسياح من أجل قضاء أوقات سعيدة. وتضم المدينة عددًا من الأحياء العريقة مثل: الخُبَر الشمالية والجنوبية والعقربية وغيرها من الأحياء، يضاف إلى معالمها المشهورة؛ شارع الأمير فيصل بن فهد (البيبسي)، وشارع الملك خالد، وشارع السويكت.
وقد أسهم اكتشاف النفط فيها في ازدهارها وتأصيل ما يتّصف به سكان مدينة الخُبَر في تعاملهم مع القادمين إليها بالحفاوة والرحابة والضيافة فهي من السمات الأساسية للمجتمع العربي والإسلامي، ومع وجود الشركات البترولية وغيرها من الشركات الكبرى تنوعت تركيبتها السكانية.
تعزّز نموها وانفتاحها الآن رؤية المملكة العربية السعودية 2030 التي تسلط الضوء على تطوير المدن والمشاريع، والتي من شأنها فتح مجالات جديدة للتنمية الاقتصادية والتنويع الاجتماعي والثقافي، إنها مدينة جميلة مزدهرة، عامرة بالنهضة والمشاريع الجديدة، جاذبة للزوار من جميع أنحاء العالم. يضاف إلى ميزاتها قربها من مدينة الظهران التي تعد المركز الأساسي لصناعة النفط في المملكة، والمقر الرئيسي لشركة أرامكو السعودية، وقربها ايضا من مدينة الدمام والتي تعتبر عاصمة المنطقة الشرقية.
إنها مدينتي، مدينة الخُبَر، التي تجمع بين عراقة التاريخ وبين غنى وحداثة الحاضر في نسيج متكامل من الانسجام والجمال الذي يسحر مُرتاديها وقاطنيها، وكلّ من يزورها يتمنّى العيش فيها.

الخبر الشمالية، 2021، بعدسة بيان الصادق.