نحن نعد شيئًا رائعًا من أجلك.

هُوِيَّة القَهوة السُّعودية
الكنوز العربية

هُوِيَّة القَهوة السُّعودية

هُوِيَّة القَهوة السُّعودية

"رجال المملكة العربية السعودية" فيصل الخريجي، 2020. 150x150 سم. إكريليك على قماش. لقراءة المزيد عن الفنّان، راجع مقال متحف الفنّ الخليجي.

بقلم فريق تحرير إثرائيات
October 20th, 2022

ترتبط القهوة ارتباطًا وثيقًا بالهويّة العربيّة السّعوديّة، حيث حضرت في ثقافتها العربيّة من قرون، لتصبح جزءًا لا يتجزّأ من الحياة الاجتماعية. فتتكثّف الثّقافة والعادات والتّقاليد في فنجان القهوة كرمزٍ للكرم والضّيافة التي يتميّز بها العرب في الماضي والحاضر. 

الفنجان جليس الشعراء وأُنس الفنّانين في عزلتهم أو ملتقاهم. ولأهمية القهوة في الثقافة السّعودية، أطلقت وزارة الثقافة مبادرة (عام القهوة السّعودية) بوصفها منتجًا ثقافيًّا فريدًا، يعكس جوانب من الهويّة السّعودية، ويظهر التّنوع الثّقافي الكبير في المملكة عبر اختلاف طرق إعداد وتقديم القهوة السّعودية. 

عبدالله بن ناصر بن كليب؛ مهتم بالتّراث عامة، والتّراث الشّفوي والسّلوكي خاصة، ومنها الكتابة عن القهوة وثقافتها. درس الهندسة المعماريّة، وأغرم بتنوع الثّقافات ومدى تأثيرها على حياة الشّعوب، فقادَه الشّغف إلى التّجوال عبر العالم، وزارَ دولًا شتّى ومختلفة، مثل: اثيوبيا، وكوستاريكا، وكوبا، والمكسيك. 

يجوب البلدان ليرتوي من معين نتاجهم الفكري والتراثي، ويستقرئ فيها شعوبها ويتصفح ملامح بشرها، وعاداتهم في محاولة جادّة للتّعرف عليهم وفهمهم. 

نحاوره اليوم لنقترب من شغفه، ونستطلع جوانب معرفته بتراث القهوة السّعودية وتقاليدها، من وسط الجزيرة العربية مع فهمه وإدراكه العميق للاختلافات بين إقليم وآخر. 

للقهوة العربية والسّعودية رابط صداقة عتيق، وأصالة في الضيافة، صورة غير مؤرخة، بإذن من أرشيف أرامكو.

ما الفرق بين القهوة السّعودية وأنواع القهوة الأخرى؟ 

امتازت القهوة السّعودية بأنّها رمز الضّيافة والكرم والاحتفاء. فالقهوة السّعودية لم تباع، بل قدمت كضيافة ولم تقدم كسلعة من أول ظهورها، وهذا ما يميزها فكانت أول ما يقدم للضيف كوسيلة للترحيب ووسيط محبة وسلام بين الأفراد والقبائل. 

للقهوة السّعودية خصّيصة جميلة في إعدادها أمام الضيف، كطقس ومشهد مسرحي متكامل الأركان، ليعم عبير القهوة في المجلس، ويخالط أنفاس الحاضرين مختلطًا بتلك العطور الفواحة من قهوة وزعفران وهيل، ويستمعون لنغمات (النجر) مقترنة بصوت صبّ الفناجيل، فتهيئ مناخًا من السعادة يختلط بكلمات الترحيب بالضيوف. 

كما للقهوة السّعودية عادات كثيرة وسلوم، منها المنطوق ومنها غير المنطوق. ومن العادات غير المنطوقة: عادة هزّ الفنجان بعد الاكتفاء من شرب القهوة، لئلا يشعر بقية الضيوف بالحرج أو يتم التشويش على المتحدثين، ومنها عدم شرب الفنجان لو كان للضّيف حاجة عند صاحب المضافة. وأيضًا الفنجان الأول يكون من نصيب معدّ القهوة، ويسمى بفنجان (الهيف) لأنّه لاختبار جودة القهوة ودرجة حرارتها، وفي الماضي كانت طريقة لطمأنة الضّيف بأنّ القهوة غير مسمومة. 

وبعده فنجان الضّيف الذي يقدم للضّيف الكبير والرئيسي في المجلس، والفنجان الذي يليه هو فنجان الكيف، ويعني أنّ القهوة أعجبت الضّيف، ويتبقى فنجان السيف وهو فنجان بمجرد شربه ينعقد بشكل تلقائي، حلف والتزام بين الضّيف والمضيف في الحرب أو السلم. وهناك فنجان خامس اندثر ذكره وهو فنجان الفارس؛ إذ كان شيخ العشيرة يسأل من يشرب فنجان فلان، أي أنّ شارب هذا الفنجان يجب أنّ يذهب ويطلب دم فلان هذا، ولا يعود حتى يثأر له، وقد اندثر بعد الأمن والأمان. 

ما الذي يميّز القهوة السّعوديّة؟ 

أرى أنّ طريقة شرب القهوة في أكواب صغيرة تسمى فناجيل، هو أهم ما يميز القهوة السّعودية، فهي تسهم في تقريب الضّيوف من مضيفهم، فيحكي معهم ويرحب بهم، ويتجاذبون أطراف الحديث أثناء تقديم الضّيافة، فينعم الجميع بأجواء دافئة قلما تراها في عادات أخرى من التراث، وتتميز بمشاعر كرم الضيافة فلا يمكن فك ارتباط القهوة عن المجالسة والأُنس. ومن ميزاتها كذلك طعمها السلس والغني، بسبب تحميصها الفاتح وبهاراتها العطرية. 

لماذا سميت القهوة السّعودية بدلًا من القهوة العربية؟ 

من منظوري الشّخصي أراها احتفاءً بالقهوة التي تزرع في المملكة العربية السّعودية، ولإكمال سلسلة إنتاجها، حيث يزرع البن في المملكة ويقطف ويجفف من قبل المزارع السعودي ثم تجهز ليبيعها التاجر السعودي، ليشتريها ويعدها صاحب المجلس السعودي، بأواني صنعت في المملكة العربية السّعودية، من محماس ودلّة وتقدم لك بضيافة وقدوع سعودية. 

وهذا أمر تنفرد به المملكة العربية السّعودية لتنوع أراضيها واتساعها، وعمل أبنائها فيها من مزارع وتاجر وصانع ومضيف، فأنت أمام منتج سعودي كامل غذائيًا وثقافيًا. ويختلف البنّ من منطقة إلى منطقة لعدد من الأسباب كالسلالة، أو طبيعة الأرض وعناصرها الكيميائية، أو طريقة الري سواء كانت مياه الأمطار أو الآبار. 

ما مكوناتها؟ وكيف تحضّر؟ وهل هناك وقت في اليوم مخصص لشربها؟ 

القهوة السّعودية من الممكن أن نختزلها في خمس مواد، وهي القهوة والبهارات التي تضاف إليها: الهيل والمسمار والزعفران والمستكة، وأما وقتها فهو على قسمين، الأول: وقت قدوم الضيف أيًّا كان الوقت، والثاني: في الصباح الباكر قبل الفجر. أما الآن، بعد الشروق ووقت الظهيرة وبعد المغرب، وكانت قهوة المغرب لطرد النعاس لانتظار صلاة العشاء، أو من أجل اضيق الخاطر قبل النوم، فينام شاربها سعيدًا مبتهجًا. 

هل تختلف طريقة تحضيرها من مدينة لأخرى؟ 

نعم تختلف، وأرى أنّ الاختلاف له علاقة بالمناخ؛ ففي المناخ الحار تكون النَّفسُ أقرب للوصفات العطرية الخفيفة، وفي المناخ البارد تكون النفس أقرب للقهوة الغامقة والثقيلة، كما هي أغلب العادات المتوارثة التي تنشأ من الحاجة والضرورة. 

وأعود للقهوة السّعودية في حديثي، وأقول أنّها هي خمس وصفات، على سبيل المثال لا الحصر (حيث لا يمكن حصر الوصفات العائلية المتوارثة من جيل لآخر وأنّه لا حدود للكرم فالعرب تفنّنوا في إكرام ضيوفهم) فتتميز قهوة المنطقة الوسطى (نجد) بأنّها شقراء وبإضافة الزعفران والعويدي. على خلاف قهوة المنطقة الشرقية حيث أنّه من غير المشاع استخدام العويدي، وأما قهوة الجنوب فتتميز بإضافة الزنجبيل وقليل من القرفة، وتنفرد قهوة المنطقة الغربية (الحجازية) بإضافة المستكة وأما قهوة الشمال، تحميصها يكون أغمق، وتنكه بالهيل ويكون قوامها أثقل وكثيف. 

القهوة السّعودية تراث من الضيافة. الصورة غير مؤرخة ، بإذن من أرشيف أرامكو.

هل تعدّ القهوة من أنواع التراث؟ 

نعم هي من التراث، وقد سجلت في اليونسكو كتراث ثقافي غير مادي، ويكمن أهمية التسجيل لتسليط الضوء أكثر وإنعاش جهود الصون والمحافظة عليها. 

لماذا يعتزّ السّعوديون بإظهار ثقافة القهوة؟ ولما هو مهمّ نشرها في العالم؟ 

أهمية القهوة عند العرب منبعها اهتمامهم بإكرام الضّيف وحسن الجوار، فكما تعلمون كانت ضيافة العرب بعد الإسلام الحليب، وقد عرفت بعض القبائل بأهل المثلوثة، وتعني أنّ ضيافتهم تعتمد على مواد ثلاث: الحليب والتمر واللحم. ثم استبدل الحليب بالقهوة وصارت هي مشروب الضيافة. 

أمّا نشره للعالم؛ فهو من الممارسات الجيدة والأخلاق الجميلة التي تتحلى بها الأمم وتتقارب وتتعايش، فالكرم أصل كل خير والبخل هو أصل كل شر. وانتشار الضيافة والكرم يساعد في إحلال السلام والمحبة بين الشعوب والأعراق. 

القهوة السّعودية تراث من الضيافة. الصورة غير مؤرخة ، بإذن من أرشيف أرامكو.

وماهي علاقة القهوة بالبدء في الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية؟ 

القهوة السّعودية هي مشروب الضّيافة، ورسول السلام بين الضّيف والمضيف، ولا ننسى أنّ إعداد القهوة في المجلس ينشر رائحة زكية فيه، فالقهوة والزعفران والهيل والعود الأزرق روائحها تسرّ الخاطر وتشرح الصدر. 

إعادة تعيين الألوان