نحن نعد شيئًا رائعًا من أجلك.

عوالم النَّسيج المُبَهَّرة
A-
A+
عزلة فنِّية

عوالم النَّسيج المُبَهَّرة

عوالم النَّسيج المُبَهَّرة

من مجموعة "قضية متشابكة"، بإذن من الفنَّانة وتشكيل.

بقلم فريق تحرير اثرائيات
August 13th, 2023
"أردت من خلال دمج التَّوابل والملح في نسيج (لورو بيانا)، أن أشيد بالعلاقات القديمة وطرق التِّجارة التي طالما تقاسَمتها الإمارات العربية المتحدة مع البلدان المجاورة لها..."
- الفنَّانة باولا أنزيكه

بالنسبة لباولا أنزيكه الفنُّ عالم من الخبرات الملموسة والغنيَّة ثقافيًّا. عادةً ما تتدلَّى أعمالها الفنِّية من السَّقف وتكون نتاج مواد طبيعيَّة، تعمل أعمالها الفنِّية على جذب عقول ووجدان وحواس المشاهدين، فهي تحثُّهم على التَّفاعل والانضمام إلى أعمالها الفنِّية، تجمع الفنَّانة الإيطالية المعاصرة بين البحث في تقنيات الحياكة مع تقاليد الحرف اليدويِّة والنَّسيج، لإنشاء مشغولات ناعمة ومستدامة بيئيًّا.

تتشابك قطعها المنسوجة الآسرة بشكل جميل مع مختلف المجالات، من الفنِّ والأنثروبولوجيا إلى التاريخ والبيئة، وغيرها من الموضوعات. لا يسعك أمام أعمالها إلا أنَّ تنجذب نحو البحث في ألوان لوحاتها، والشُّعور بنسجها، وشمِّ روائحها، والتَّعلم من قصصها.

تعيش أنزيكه في تورينو بإيطاليا، عُرضت أعمالها في العديد من المؤسسات الإيطالية وأماكن أخرى؛ بما في ذلك متحف سالفاتوري فيراغامو في فلورنسا بإيطاليا، وتيرنر المعاصر في مارغيت بإنجلترا، وتشكيل في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، وأماكن أخرى عديدة. شاركت أيضًا في العديد من برامج الإقامة الفنِّية بين الدول، مثل فرنسا والبرازيل وهولندا والإمارات العربية المتحدة.

سألنا الفنَّانة أنزيكه عن الفنّ، والمواضيع التي ترغب في استكشافها من خلال أعمالها وضمن مشارعيها الفنِّية. سنترككم مع كلماتها التي توضح فيها بالتَّفصيل رحلتها الفريدة وتجاربها في عالم فنِّ النَّسيج.

الفنُّ هو مهنتي، وحياتي، وعائلتي، وعشقي.
بإذن من الفنَّانة وتشكيل.
حدِّثينا عن علاقتك بالطَّعام؟ أرى أنك نسجت أواني وأضفت لها التوابل، هل تخبرينا المزيد عن هذا المشروع الفنّي؟

تلك التَّشكيلات الفنِّية التي شوهدت في أعمال (قضية متشابكة) ما هي إلا جزء من عملية تفكير وبحث في الثَّقافة الخفيَّة التي تحيط بدبي وضواحيها. أردت من خلال دمج التَّوابل والملح في نسيج (لورو بيانا)، أن أشيد بالعلاقات القديمة وطرق التِّجارة التي طالما تقاسَمتها الإمارات العربية المتحدة مع البلدان المجاورة لها، وهي ثقافة متشابكة تشكَّلت عند مفترق الطُّرق بين الشَّرق والجنوب وآسيا.

في أوائل سبتمبر، بدأت البحث عن موقع لإقامة لورو بيانا في (تشكيل) في مدينة دبي، لقد زرت العديد من المواقع المتعلقة بالعمارة المحلية، بما في ذلك المواقع الأثرية في العين وحول دبي، بالإضافة إلى برنامج (بدوة) للتَّنمية الاجتماعية، وهو مركز في دبا الحصن يحمي الممارسات الثَّقافية المادِّية القديمة التي يديرها مجلس إرثي للحرف المعاصرة.

من خلال مراقبة الأماكن والبيئات بعناية، اكتشفتُ ثروة من المراجع التي تحفّ بها؛ من الشعاب المرجانية الكبيرة، المستخدمة تقليديًا كطوب في مباني قرية الحمرا في رأس الخيمة (هندسة كسرية نفيسة)، إلى ظلال مختلفة من الرِّمال (الملحوظة بشكل خاص عند غروب الشمس) في قلعة الجاهلي في العين، والتَّغيرات اللَّونية للرِّمال في مركز مليحة للآثار، وحديقة بحيص الجيولوجية في الشارقة، بالإضافة إلى (قشور) الرمال والملح الموجودة في البحيرات المالحة (السبخة) في الوثبة، أبوظبي.

لقد قمت بدمج ثلاثة عناصر مأخوذة من المنطقة في منسوجات وألياف (لورو بيانا). التوابل حاضرة في أعمالي لأنَّها تحمل معنى رمزيًّا للتجارة التي كانت دائمًا مع الثّقافة المتكوّنة عند مفترق الطُّرق بين الشرق والجنوب وآسيا.

من مجموعة "قضية متشابكة"، بإذن من الفنَّانة وتشكيل.
من مجموعة "قضية متشابكة"، بإذن من الفنَّانة وتشكيل.
حدِّثينا عن نفسك، متى صنعت قطعتك الفنِّية الأولى؟

أثناء دراستي في مدرسة ستادل في فرانكفورت أم ماين (2000-2004م)، لم يكن المنهج يعتمد فقط على مناقشة الأعمال الفنِّية والتَّدرب عليها مع أستاذ الفنّ المُشرف، بل شمل أيضًا مناسبات مختلفة للتَّبصر ولقاء العديد من المنظّرين والفلاسفة وعلماء الفن، كما يقدم المنهج أمثلة عديدة لتوسيع آفاق الفنِّ المعاصر. وبالتَّالي، أصبح من المناسب لي استكشاف وجهات النَّظر التِّاريخية ووضعها في علاقة مع ممارستي الفنِّية.
من خلال تقديم بعض الأمثلة على أنشطتي الأخيرة كنت أرغب في توضيح بعض مسار البحث الذي كان مستندًا لآخر التطورات في أعمالي الفنِّية، سواء من خلال ورش العمل أو من خلال الإقامات المهنيَّة التي شكَّلت مناسبات للإبداع والبحث والدِّراسة 
في عام 2005م، دعيت للمشاركة في ورشة عمل في متحف فيترا في بويس بوشيه (فرنسا)، حيث شاركت في بناء معماريات من الخيزران الشجري. أتيحت لي الفرصة لتعلم التِّقنيات المعماريَّة والإنشائيَّة، من النَّباتات مثل أوراق النَّخيل والألياف الطَّبيعية كالخيزران، ومن خلال هذه التَّجربة صادفت كتابين: الهندسة المعمارية بدون معماريين (1987)، وكتاب البنَّائين العظماء (1979) لبرنارد رودوفسكي. قرّبتني هذه القراءات من الأفكار المتعلقة بالاستدامة الذاتية والتَّوافق البيئي، وهي قضيَّة معاصرة مرتبطة بإعادة اكتشاف بيئتنا المعيشيَّة الطبيعيَّة.
منذ أن أتيحت لي الفرصة لزيارة مسجد قديم، يقع أساسًا على طريق الحرير، لاحظت كيف كان مكان العبادة هذا فارغًا تمامًا. كان عملي الفنِّي الجديد مشغولًا من الصُّوف، ومبنيًّا على أشكال مقعَّرة ومحدَّبة، مستوحى من الانطباع القويِّ للفراغ الذي كان لديَّ هناك. وفي صيف عام 2015 في هلسنكي، بحثت في تقاليد وأصول المنسوجات الاسكندنافيَّة، وبشكل أكثر تحديدًا السِّجاد الفنلندي. ساعدني هذه الإمكانية على الدِّراسة والاقتراب من تأثيرات السِّجاد التَّقليدي الذي أنشأه السُّكان اللابيّون الأصليون (شعوب السامي).
 

بإذن من الفنَّانة وتشكيل.
حدِّثينا أكثر عن أعمالك الفنِّية، والمواضيع التي ترغبين في نشرها.

الفنّ نشاط يقع على مفترق طرق العديد من التَّخصصات المتنوعة الواسعة النطاق. فمن خلال وسائل الإعلام والمواد المختلفة، أقوم بالبحث في إمكانيات الفنِّ للرَّبط بينه وبين المجالات التَّخصصية المتنوعة، من علم البيئة والتقاليد الشعبية أو المهنية، إلى الأنشطة الأنثروبولوجية والعلمية. خلال ممارستي الفنِّية طورت اهتمامًا قويًّا بالمواد الطَّبيعية، التي تشكل جوهر أسلوب عملي، حيث يمكنكم "الرؤية باليدين"، وهو بُعد ملموس له ثقله وجاذبيته في الأعمال التجريبية الفنِّية.

أبحاثي تقوم على رحلات في سياقات مختلفة تمامًا عن بعضها بعضًا. خلال هذه الرحلات والإجراءات، انفتحتُ على تقاليد الحرف المختلفة التي تتغير عبر الزمن ومن شخص لآخر، وذلك من خلال عملية ذاتية متجدِّدة. إنَّ الاقتراب من المنسوجات الطبيعية - النباتية يتيح لي الفرصة لفهم الحياة الثقافيَّة والماديَّة في المناطق الحضريَّة وكذلك في الضَّواحي. هذا يسمح لي بالدُّخول في علاقة مع المكان والسُّكان من منظور بيئي.

أعمالي الفنِّية واعية تمامًا لقضايا البيئة، وتستجيب لها.

عندما أستعدُّ لأعمالي، أختار عدم استخدام أي شيء مشتق من أو يعتمد على مواد تركيبية أو ملوثة. أهتم باكتشاف إمكانات المواد الطبيعية من خلال تحولاتها. فالمكون اليدوي والتركيز على خصائص المواد المختارة (مع ميل خاص للمواد الطبيعية) هما في صميم ممارستي الفنِّية.

بينما أقوم بتجهيز أعمال تدعو المشاهد إلى تجربة شكلها، فإن وجهة النظر البيئية التي أتبناها تتضمن أيضًا دراسة قائمة على ملاحظة المشكلات السياسية والبيئية ذات الصلة، فضلاً عن التحولات الجغرافية والإقليمية التي تؤدي إلى ظهورها النهائي. لا تظهر هذه الآراء السياسية والبيئية بشكل واضح في نتائج عملي، ولكنها جزء لا يتجزأ منه، حيث تكون النتيجة النَّحتية هي المرحلة النِّهائية من العمل.

يتضمن بحثي وجهة نظر علمية صارمة، ومراقبة المشكلات السياسية والبيئية ذات الصلة ودراستها، فضلاً عن التحولات الجغرافية والإقليمية. نظرًا لأن هذا البحث لا يظهر دائمًا بشكل واضح في نتائج عملي، فإنني أركز على طريقة بيئية للعمل مع المواد كجزء لا يتجزأ من الإجراءات حيث تكون النتائج النَّحتية هي الجزء الأخير من العمل.

من مجموعة "قضية متشابكة"، بإذن من الفنَّانة وتشكيل.
ما هي مشاريعك السابقة التي شعرت أنَّها أحدثت تأثيرًا فنيًّا؟

المشروع الأخير (أصوات الأرض)، الذي يعود إلى عام 2020م. هو دعوة للمشاهد للغوص والاستمتاع، والتأمل بعمق في العلاقة بين الفنَّ وعالم النَّحل. وهو عمل فنِّي قمت بإنتاجه خلال فترة الجائحة في الريف، وهو مصنوع من ألياف طبيعية بما في ذلك الكتّان والقطن وشمع العسل؛ وقمت بنسجها بيدي العاريتين.
العمل الفني يضع المشاهد أمام ذاته، وذلك من خلال إدراكه وردة فعله في المكان. لحظة دخوله، تتم دعوته للسير على سجادة من خلية النحل بدون حذاء، ثم الولوج فعليًا إلى العمل الفني. مجرد دخولكم بيئة العمل الفني، ستلاحظون حضور رائحة مستديمة.
هذه الرائحة في الواقع هي رائحة شمع العسل التي تنطلق من الشبكة التي تتسع في المساحة العليا؛ وهي نوع من السجاد تتشابك فيه شرائط من الأقمشة الملونة المنقوعة في شمع العسل. تحفز رائحة شمع العسل الجهاز العصبي والإدراكي لجسمنا وتؤثر على مزاجنا، مما يضفي تأثيرًا مهدئًا بشكل عام.
 

من مجموعة "قضية متشابكة"، بإذن من الفنَّانة وتشكيل.
ما هي خططك المستقبليَّة ومشاريعك الحاليَّة التي ترغبين بالحديث عنها

في شهر مارس، دُعيت إلى اسطنبول من أجل مشروع بحث بدأه أحد الفنّانين. أعمل أيضًا على كتاب جديد حول النَّسيج باعتباره أحد أقدم التَّقنيات الثَّقافية، مهنة قديمة وُجدت قبل الزِّراعة والكتابة. في هذا الكتاب أجمع كل خبراتي في البلدان التي تعلمت منها وأقمتُ فيها ورش عمل حول النَّسيج بدون نول، مع سكانها المحليين، مثل غواتيمالا، وبوليفيا، وأذربيجان، والإمارات العربية المتحدة.

ما هو شعارك في الحياة؟

أظهروا احترامًا للطبيعة، وكونوا دائمًا على دراية بمدى الحاجة الملحة لحلِّ أزمة الكواكب، وكذلك أظهروا شخصيتكم المنفتحة والفضوليَّة للتَّعرف على أشخاص من ثقافات مختلفة.

هل هناك شخصيَّة تلهمك وترغبين بالحديث عنها؟

المزارع والفيلسوف الياباني ماسانوبو فوكوكا في كتابه "ثورة القشة الواحدة"، كتاب رائع حقًّا.

إعادة تعيين الألوان