فنُّ الطَّعام
نداء الرُّمان، عمل الفنَّانة ألونسا غيفارا، بإذن من تشكيل.
نحن بحاجة إلى تقديم الحماية والشكر لهذه المخلوقات؛ كالنحل، فهي التي تمدُّنا بالحياة وتحافظ على كوكبنا مزدهرًا.
الطَّعام هو الحياة، والحياة في الطَّعام. المثل العربي القديم، الذي يذكِّرنا بفوائد التَّمر للرُّكب، ما هو إلا واحد من الأمثال التي نسمعها عن تأثير الأطعمة المختلفة والمتنوِّعة على حياتنا. فالطَّعام هو فلسفة بحدِّ ذاته، وهو طريق الحياة وطاقتها.
عندما يسألكم أحد ما: ما هو طبقكم المفضل؟ ستحتاجون إلى تفكير عميق للإجابة عن هذا السُّؤال، من ذاكرة الحنين التي تخصُّ عددًا من الأطباق، إلى التَّواصل الثَّقافي للنَّكهات الشَّهية التي تترك بصمتها في النِّهاية.
ونظرًا لأهميَّته العالمية وتنوعه الثَّقافي، فإنِّنا نحتفي بموضوع الطَّعام في نسختنا الحادية والعشرين، والتي تحمل عنوان "المائدة". إنَّها رؤية فنِّية وثقافيَّة وفلسفيَّة لمفهوم الطَّعام والنَّكهات.
يتجمَّع النَّاس حول المائدة، سواء كان ذلك على الطَّاولة أو على الأرض؛ لأجل تناول الطَّعام، والشَّراب، والدَّراسة، والقراءة، والرَّسم، وتبادل الأحاديث، والتَّصاميم، وإظهار الطَّابع الشَّخصي، وتعزيز أواصر الصِّلة، وسرد الذِّكريات. هناك دراسات عديدة توضِّح كيف أنَّ الطَّعام الممتزج بالحبِّ والمعدُّ في المنزل يساعد الجسم على التَّوازن. وكذلك مجرَّد الجلوس على الطَّاولة وشمِّ رائحته لبضع دقائق يساعد الجهاز الهضمي على العمل بشكل صحيح.
نادرًا ما يأكل معظمنا طعامًا يطهوه بنفسه، وخاصَّة ممَّن لهم وظائف صعبة، والقليل منِّا يتناول طعامه على المائدة، إلا ما ندر في مناسبات خاصَّة. فأثناء العمل نطلب الطَّعام حتى يصلنا إلى مكاتبنا، وعندما نعود إلى المنزل، نأكل جميعنا أمام التلفاز بدلًا من الجلوس ملتفين حول مائدة أرضيَّة مستمتعين بوجبة صحيَّة مليئة بالأحاديث، آخذين كلَّ الوقت لتذوُّق كلِّ لقمة منها.
تُظهر العديد من الدِّراسات أنَّ الأطفال الذين اعتادوا تناول الطَّعام مع عائلاتهم يتمتعَّون بمهارات اجتماعية أفضل واضطرابات سلوكيَّة أقل، وأنَّ الأسر المتفاعلة مع بعضها بشكل عام، تتمتَّع بصحَّة أوفر، لأنَّ العديد من المشكلات يتمُّ حلُّها حول مائدة الطّعام. ليس هناك ما يقلِّل من أهميَّة التَّجارب الغذائية في حياتنا وإبداعنا ورفاهيتنا.
في هذا الإصدار الخاص، نلتقي بفنَّانين ومبدعين في مراحل مختلفة من حياتهم، يستكشفون جوانب الطَّعام من خلال إبداعهم وفنِّهم.
كما نُبرزُ الأعمال الفنِّية المركّبة للمتألِّقة (ميسلون فرج) على غلاف العدد، وهي قطعةٌ تجسِّد دفء البيت وطابعِه. في وقت ما، كان يملك كلّ واحدٍ منا طبقًا من الفاكهة، وغالبًا ما يتم إعادة ملئه من قبل أحد أفراد الأسرة في المنزل.
سواء أردتم اكتشاف فنَّ "التوست" أو فنِّ "الكريستالات البرَّاقة"، أو قصائد مكتوبة عن الجوع، أو ربَّما بين أساطير الطَّعام وخرافاتها، إضافة إلى الطُّرق العديدة التي حافظت على الأطباق القديمة لتبقى معنا، مثل بعض المواد الغذائية، كالبطاطس التي تحتلُّ مكانة خاصَّة في ذاكرة النَّاس وقلوبهم. أيًّا كان اهتمامكم، فستجدون حتمًا ضالتكم في هذا العدد.
كذلك، علينا الوقوف وتقديم العرفان ليس فقط لأصغر الكائنات، بل لأهمها، فهي التي تبقينا جميعًا أحياء وبطوننا مكتفية.
لعدَّة قرون كان النَّحل مصدر فائدة للنَّاس، والنَّباتات، والكوكب. وذلك من خلال نقل حبوب اللّقاح من زهرة إلى أخرى، فإن النَّحل، والفراشات، والطُّيور، والخفافيش، وغيرها من الملّقحات الحيوانيَّة، تجعل إنتاج الغذاء ممكنًا، مما يساهم في الأمن الغذائي العالمي. وعلى فرض أنَّ ذلك لم يكن كافيًا، فإنَّ التَّلقيح له أيضًا تأثير إيجابي على البيئة من خلال المساعدة في الحفاظ على التَّنوع البيولوجي، والنُّظم البيئيَّة النَّابضة بالحياة التي تعتمد عليها جميع الكائنات الحيَّة.
وجاء في مخطوطة بعنوان (تلخيص عمدة الصَّفوة في حلِّ القهوة) للعلامة مدين بن عبد الرحمن القوصوني عام 1213، كلمات جميلة كتبت عن القهوة:
"أنا المعشوقة السّمراء
أُجلى في الفناجين
وعود الهند لي عطر
وذكري شاع في الصين"..
لذا، استرخوا مع كوب من القهوة أو الشَّاي، واستمتعوا بهذا العدد المميز. مهما كانت ذائقتكم في الطَّعام، سواء كانت في الأطعمة الجاهزة، أو الأطعمة الفارهة، أو تتَّبعون حمية خاصَّة أو أسلوب حياة نباتيَّة؛ تذكَّروا أنَّ حياتنا تدور حول عناصر الطَّعام والشَّراب من كلِّ الأنواع.
فـي هـذه النَّسـخة الفريـدة يلقـى القـرَّاء مبتغاهـم، مـع أطعمة مختلفة تحاكـي قصصهم، وتشـاركهم من خلال الفنّ والإبداع.
مع خالص التقدير،