نحن نعد شيئًا رائعًا من أجلك.

لوحات براقة
حياة وفن

لوحات براقة

لوحات براقة
بقلم نورة آل طه
August 13th, 2023
نأكل لنُشبع روحنا....
الفنَّانة سارة شاكيل

ربَّما يكون المحتوى في مواقع التَّواصل الاجتماعي مربكًا جدًا. على الرَّغم من ذلك، ستجدون في الانستغرام منشورات لا نهاية لها عن الحياة العصريَّة، والذِّكريات، والطّعام. بينما برزت فنَّانة بشكل كبير، بل "تألَّقت" بأعمالها الفنِّية الفريدة.

سارة شاكيل، واحدة من الفنَّانات الرَّائدات عالميًا في فنِّ "الكريستال" أو البلورات البرّاقة. تستخدم بلورات براقة دقيقة ومتوهجة في صناعة أشكال ماديَّة ورقميَّة على حدٍّ سواء، وذلك بإعداد قطع فنِّية رائعة تعالجها بواسطة برنامج الفوتوشوب.

مع امتلاكها لأكثر من مليون متابع على مواقع التواصل الاجتماعي، فإنَّ أعمالها الكولاجيَّة الصَّارخة تخلف صدىً كبيرًا عند رؤيتها. وخاصَّة تلك الأعمال التي لها علاقة بالطّعام، فإنَّ لها "متعة" استثنائية، إذ تحوّل الأطباق الرَّئيسية، مثل آنية من الفاكهة إلى فنٍّ ساحر.

بدأت شاكيل نشر عملها الفنِّي لأول مرَّة على موقع الإنستغرام في عام 2016، وتتذكر عندما تلقت 23 إعجابًا، كانت تؤمن حينها بأنها "فعلتها!"، ولم تكن تعلم أن هذه الخطوة ستكون بداية لفصل جديد في حياتها.

وفي مقابلة خاصة أجرتها مع مجلة إثرائيات، أخبرتنا عن ذكريات طفولتها المليئة بالضَّحك. لقد كان الوقت الذي أمضته في أثناء العزلة بهيجًا، حين كانت تشاهد المسلسل الأمريكي "شركة الثلاثة Three’s Company" مع قطَّتها، تقول: "لست بحاجة إلى شخص آخر لأكون مميزة، أعتبر نفسي محظوظة، وأني مجرَّد طفلة سعيدة".

مياه إيفإنَّ وسارة شاكيل،
 تكوين فنّي باهر، لندن 2022، بإذن من الفنَّانة.
"إنّ حبي للبلورات البرّاقة يعود للماضي"

شاكيل الفنَّانة الباكستانية التي درست طبَّ الأسنان، اعترفت بأنها كانت "مصادفة مبهجة"، عندما ابتكرت لأول مرَّة عملها البلوري البرَّاق من الكولاج، وأضافت: "إنّ حبي للبلورات البرّاقة يعود للماضي، فجدّتي اعتادت على جمع قطع السواروفسكي والاحتفاظ بها في خزانة خاصَّة. ولاحقًا، كلّ شيء جاء إليَّ في الوقت المناسب، وكنت بطبيعتي متعلِّقة بها". 

 نما وضعت شاكيل لمساتها تجدها مغطاة ببلورات برّاقة، مستهدفة على مدى الحياة إضافة لمسة إيجابية للعالم. تقول شاكيل:"إنَّها ليست مجرَّد مرحلة بالنسبة لي، يدهشني كيف للبلُّورات أن تحتوي الكثير من الانعكاسات والانكسارات على سطحها، تعجبني طريقة انعكاس عدَّة ألوان من بلّورة واحدة، أعتقد أنني سأحتفظ بها دائمًا معي".

شراكتها المهنية مع سواروفسكي، كانت نتيجة مصادفة لقاءات ناجحة، إذ هيَّأت لفنَّانة الانستغرام الشّراكة مع شركة "الكريستال" الرّائدة عالميًا. تخبرنا مبتسمة: "أحب ما طرأ على حياتي من تغيير. نشرتُ ذات يوم صورة من عملي الفنّي للبلورات البرّاقة. رأيت تعليقًا نصُّه: "عمل رائع، يا سارة"، شيء ما جعلني أهتم لاسم ذلك المستخدم، بحثت عن الاسم في غوغل، واكتشفت أنه ماركوس لانج-سواروفسكي، لم أصدق ذلك! إنه مدير سواروفسكي، وحفيد حفيد سواروفسكي".

قامت شاكيل بإرسال رسالة إلى ملفِّه الشَّخصي، وشاركته امتنانها لدعمه لها. قصَّة مقتضبة، حيث كلَّفها بالقيام بأعمال فنِّية، لا بل دعاها أيضًا للقيام بجولة في مصنع سواروفسكي في النمسا. تضيف قائلة: "إنَّه لشرف حقًا أن أعمل مع سواروفسكي وأن أتلقَّى منهم هذا اللُّطف، وإتاحة العمل معهم على البلورات البرّاقة".

احتسيني، فنُّ الكولاج، بإذن من الفنَّانة.
"الحياة نفسها إلهام"

تخلق شاكيل باستمرار فرصًا إيجابية في حياتها من خلال موقفها المبهج والمتواضع، فتعمل على تجسيد تلك الإيجابية من خلال أعمالها الفنِّية. بصفتها "رائدة أعمال فنِّية"، وهو مصطلح تمَّ ذكره في ملفها الشخصي على انستغرام، تمكَّنت من تحويل واقعها إلى فنٍّ تضيفه إلى العالم. تخبرنا شاكيل: "أيًّا كان ما أضعه نصب عيناي، أراه من منظورين مختلفين: أحدهما لما هو عليه، والآخر كقطعة فنِّية مبلورة". من أين يأتي إلهامها؟ بالنِّسبة لشاكيل: "الحياة نفسها إلهام".

بتواضع تضيف قائلة: "أعتقد أنه  هبة من الله. قبل أيام فقط، كنت أقود سيارتي وفكَّرت كيف أن قلبي مصنوع من الفن. اضطررت للتَّوقف على جانب الطريق وسجلتها في ملاحظاتي. حتَّى لو كنت أقود السَّيارة أو أتناول الطّعام، فإنَّني أشعر بالإلهام. أحبُّ أن أرى الأشياء البسيطة جدًا، لأنَّني أستطيع البناء عليها أكثر. يميل الناس إلى اعتبار الأشياء البسيطة أمرًا بديهيًّا. أنا أنظر إلى صغائر الأمور، والأشياء العادية كمصدر إلهام لي".

فطور الأبطال، عمل فنّي مزيج من الكولاج والتصوير، بإذن من الفنَّانة سارة شاكيل.
للدافئين بقلوب باردة، بإذن من الفنَّانة سارة شاكيل.
طازجة من البداية، بإذن من الفنَّانة سارة شاكيل. 

 

ترى ما مدى أهميّة المواد الأولية، عندما يتعلّق الأمر بضرورة الطّعام! من خلال فنِّ الطّعام المتلألئ لشاكيل، تذكِّرنا كيف أنّ عظمة الطّعام دائمًا تكون في المواد الغذائية الأساسية، والتي يمتلكها الجميع تقريبًا في الثلاجة أو مخزن الطّعام.

تقول شاكيل: "الطّعام شيء رائع، ولكن مع الأسف لا ينعم الجميع بتناول ثلاث وجبات منها في اليوم. إذا تأملتم أعملي الفنِّية، فإنَّها مشغولة من مواد غذائية لا تعدُّ من الوجبات الفاخرة، إنَّما تتكون من مكونات عناصر أساسية، مثل: البيض والمندرين والموز والليمون... وهي مكونات يمكن للجميع تحمل تكلفتها وتناولها.

تشرح أهميَّة الأطعمة التي نأخذها كأمر بديهي، وتقارنها بالمادَّة الثَّمينة. تقول شاكيل: "كلَّما كانت المادَّة أكثر لمعانًا أو بريقًا، كلَّما أدركنا أنَّها الأغلى. وأحيانًا، لا تتألَّق المواد الثَّمينة أو تتلألأ مثل طعامنا. كنت أرغب في إضفاء لمسة جماليَّة على الطّعام الذي نميل إلى أكله، أو التَّخلص من الفائض منه. أحاول إرسال رسالة خفيَّة: (يجب أن تقدِّر ما يُعطى لك). عندما تقدرون مادة ما، فإنَّكم تحافظون عليها آمنة، يجب أن نكون ممتنين للطعام الذي نتناوله".

نحن ندرك أنَّ الألماس له قيمته مما يجعلنا نتعامل معه بحرص تام. كذلك تهدف الفنَّانة شاكيل إلى تطبيق نفس الأيديولوجية على الطّعام الذي غالبًا ما نأخذه كأمر بديهي. بالتَّعاون مع كرستالات  سواروفسكي البرّاقة الخاصَّة بها وخبرتها الذاتية في تعلم الفوتوشوب، فإنَّها تقوم بلصقها على قشور الموز، وقشرة البيض، وكذلك على البرغر، والبطاطا المقلية، والماء، والقهوة.

تقول شاكيل إن فنّها في الطّعام يهدف إلى جعل الناس يشعرون بالسَّعادة والامتنان لما يوفِّره لنا من وسيلة للعيش، فتعبِّر عن ذلك بقولها: “أفعل ذلك من أجل التَّعبير عن نفسي، ولإيصال الرَّسائل من خلال فنِّي، ولأجل فنٍّ أحبُّه، فأنا في نهاية المطاف فنَّانة. وقد تكون أعمالي الفنِّية عن الطَّعام جعلتني أرغب في تناوله أكثر!”

نحو مغيب الشمس، بإذن من الفنَّانة سارة شاكيل. 

ولأن طهو الطّعام وطريقة عرضه في الأطباق نوع من الفن، فإنَّ شاكيل تتذكَّر لحظة فاجأتها فيها جذور الشمندر في تجربة فريدة من نوعها؛ كان ذلك في مطعم حائز على نجمة ميشلان في ألمانيا، حين قدموا لها طبقًا نباتيًّا من قائمتهم، لتستعيد ذكرياتها مع شرائح الشمندر الرَّقيقة التي تُقدم مع المكسَّرات والصَّلصة، وتعترف بأنَّها أكلت كلّ جزء صغير من الطَّبق، تقول: "لم أعتقد أبدًا أنَّني سأحبُّ جذور الشمندر كثيرًا!

كان طبقًا شهيًّا للغاية! قلتُ في نفسي، إنَّه فن! لقد امتلأت عيناي وكذلك معدتي، كان أفضل توازن شعرت به". عندما نحافظ على عقلنا المنفتح أمام لوحة ألوان مشرعة لأنواع مختلفة من الطّعام، قد نُدهش من الأذواق الرَّائعة التي تطعمنا. كما أنَّها تزيد من إبداعها من خلال لصق كريستالات سواروفسكي على الشُّوكولاتة الخاصَّة بها، وإلقاءها في وعاء يشبه الحبوب مع الحليب، وسكبها من علبة كوكاكولا. كما أنَّها تُبهِّر قضمات السوشي بالكريستالات،

 مما يجعل المظهر المغري للأكل لا يُصدَّق. تخبرنا قائلة: "لقد أكلته بعد ذلك!". إنَّها تطمئن أي شخص يتساءل عمَّا إذا كانت ترمي الطّعام الذي زيَّنته، فتعقِّب: "أزلت الكريستالات عن البيض المقلي، وأكلت الموز والمندرين أيضًا. المرات القليلة التي لم أتمكن فيها من تناولها كانت عندما التصقت بعض بقايا الصَّمغ بالطّعام، واضطَّررت للتَّخلص منها، لكنِّي أبذل قصارى جهدي لعدم إهدار الطّعام".

"أن نتناول الطّعام معًا، هو شكل من أشكال الترابط"
العشاء العظيم، بإذن من الفنَّانة سارة شاكيل وغاليري الآن.

أول أعمالها المادِّية التَّشكيليَّة: "العشاء العظيم The Great Supper"، عبارة عن طقم عشاء كامل مغطى "بكريستالات" سواروفسكي، تتألَّق فيها الكراسي والأطباق والأواني والطّعام وتذهل كل زائر. تحدِّثنا شاكيل عن كيفيَّة تواصل شركة Now Ghallery البريطانية معها من أجل تكوين عمل فنّي. اعترفت ضاحكة من فكرتها: "بعد ابتكاري لعملي الفنِّي الأوَّل عن الطّعام البلوري، باستخدام الخبز المحمَّص والسِّكين الكريستالية، تساءلت في نفسي: ماذا لو كلَّفني أحدهم بالفعل بإنشاء طاولة بلوريَّة كاملة؟".

 ومع هذا، ربما أدركها الحظُّ في ذلك، أو كان لطاقتها الإيجابية الفضل في جذب هذه الفكرة لتصبح حقيقة واقعة. حيث قامت الشَّركة بعد ثلاثة أشهر، بالتَّواصل معها وطلبوا منها أن تصنع لهم شيئًا من أعمالها. فبدأت تعصف أفكارها، وهي تقول: "أريد أن أضيئ مائدة العشاء". ترسل لوحة "العشاء العظيم" لشاكيل رسالة إيجابية عن أهمية وقت العشاء. تقول الفنَّانة: "إن لوحة العشاء العظيم صمِّمت تكريمًا لوقت عشاء العائلة. بالنِّسبة لي، تمثل مائدة العشاء نقطة تلاقي العائلة والأصدقاء. حان الوقت لمناقشة أحداث اليوم ومشاركة الضحكات"، تحثُّنا الفنَّانة شاكيل على تناول الطّعام معًا، بسلام وفرح مع الاستمتاع بالمشاركة ووجبة الطّعام، فتردف بقولها: "منذ أن شكّلت هذه القطعة، كنت على يقين بانشغال المجتمع في خضم العمل، إلى أن فاتهم معنى هذا الوقت الخاص، فمشاركة الأكل هو أساس التَّرابط". 

من بين العديد من الاتفاقيات التي عقدتها مع العلامات التِّجارية المعترف بها عالميًا، تتذكَّر شاكيل تعاونها مع مياه "إيفيان EVIAN"، لقد كانت على دراية بنكهة الماء وفضَّلت الماركة المعروفة "إيفيان". تقول شاكيل: "من دافع حبي لمياه إيفيان، التقطت صورة لزجاجاتها وقمت بجعلها فوارة، ثم علقت عليها: هكذا أرى المياه الفوارة". وهكذا أعجبت إيفيان بصورتها، وبعد بضع سنوات  واصلوا مع شاكيل للتعاون معها لإطلاق إنتاجهم الأول لمياه إيفيان الفوارة. تتألق محفظة أعمال شاكيل الواسعة بأعمالها الفنِّية الأصيلة، التي تثير بهجة تصبُّ في إبداعاتها.

 مع هذا النَّجاح، تشاركنا عملًا قيد التنفيذ: "أعمل مع طاهٍ لصنع بلورات شفافة وصالحة للأكل. إلا أن العمل ما يزال قيد التنفيذ، لكني أريد أن يتمتع الأشخاص بتجربة الرؤية بعدسة 360 ˚، أثناء الاطلاع على عملي". لربما في يومٍ ما، قد نأكل طبقًا مليئًا بأعمال الفنَّانة سارة شاكيل البرّاقة! وكما أنَّ الطّعام هو وقودنا، فإنَّ الفنَّ مصدر ممتاز للتَّغذية الإبداعية. تشاركنا الفنَّانة شاكيل أهمية استخدام المكونات الثلاثة الأولى في الحياة والفن: دفعة من الإيجابيَّة، وملعقة كبيرة من التَّواضع، وكوب من الامتنان.

العشاء العظيم، بإذن من الفنَّانة سارة شاكيل وغاليري الآن.
العشاء العظيم، بإذن من الفنَّانة سارة شاكيل وغاليري الآن.

للتبحُّر في عالم سارة شاكيل البرَّاق، يمكنكم زيارة أعمالها الفنِّية على حسابها في انستغرام:  @sarashakeel.
  

إعادة تعيين الألوان