نحن نعد شيئًا رائعًا من أجلك.

التجربة الفنِّية الرَّائدة
A-
A+
حوارات خاصة

التجربة الفنِّية الرَّائدة

التجربة الفنِّية الرَّائدة

من أرشيف جمعية الثقافة والفنون

بقلم ريم الغزال
August 13th, 2023

"الفنُّ هو صورتنا التي بها نُقدِّم واقِعنا، ونُحاكي به ماضِينا، ونَستشْرِف به مُستقبَلنا". يوسف الحربي

نصف قرن من التجربة الفنّية التي أغنت الحياة الثقافية في المملكة العربية السعودية، ورسّخت الأسس الفنِّية لتجربة لها هُويَّتها وخصوصيتها، ورعت أجيالًا من المبدعين، وهيَّأت لهم مناخات الإبداع والاكتشاف. جهود عظيمة ورائدة بذلها أصحاب القرار في دعم التَّطلعات الطَّموحة، نرى مخرجاتها اليوم حضورًا عالميًّا يستقطب اهتمام الفنَّانين والعاملين في المجالات الفنِّية، وخطوات نوعية هائلة، تحثُّ الأجيال الجديدة على مزيد من الإبداع، وفي اللِّقاء التالي نستكشف هذه الآفاق مع الأستاذ يوسف الحربي مدير جمعية الثقافة والفنون بالدمام

هل تحدثنا عن نفسك قليلًا أستاذ يوسف؟

تخصصي هو معلم تربية فنِّية، شغوف بالبحث في الكلمة واللَّون واللَّحن في جميع جوانب الفنِّ والثَّقافة، ويمكن القول أنَّ الانسان تُعرِّف عنه أنشطته وأثره وما يقدِّمه من جهود، والحمد الله ما قدَّمَتْهُ لي تجربة التَّعليم والبحث في الفنون، وجمعية الثَّقافة والفنون، وسَّعَتْ لحلم كبير، حلم إنسان شغوف بالثَّقافة والفنون؛ تنظيمُا وتأطيرا وتربية وتعليمًا وإحاطة وتعاونًا ومبادرة، بفضل فريق لا يقل شغفًا عني حاليًّا. حاصل على درجة البكالوريوس في التَّربية الفنِّية، وكاتب في الفنون البصريِّة، وصانع محتوى للمهرجانات الثَّقافية والفنِّية، كاتب عمود أسبوعي في صحيفة اليوم، ومستشار إبداعي وإعلامي. 

لديَّ العديد من العضويات، منها: عضو مؤسس في الجمعية السعودية للخط العربي، والجمعية السعودية للفنون التشكيلية، وجمعية السينما، وأحد أعضاء اللجنة الاستشارية في جمعية حارف، وبعض الجهات الخاصة، كما أسَّست عدَّة مهرجانات وتجمُّعات ثقافيَّة، منها: مهرجان وتريَّات للموسيقى، وملتقى الفيديو آرت الدولي، وشاركت في تأسيس برامج ثقافيَّة محلِّية وخليجية في مجالات: المسرح، والأفلام، والقصة القصيرة، والفنون البصرية. حاصل على عضوية العديد من الجمعيات والتجمُّعات الثَّقافية والفنِّية المحلِّية والخليجيَّة، كما ترأست أكثر من 35 لجنة إعلامية في مهرجانات ثقافية. 

كاتب مقالات وتحقيقات صحفية في الصُّحف والمجلات الخليجيَّة والعربيَّة في الفنون البصريَّة. لي كتابان بمثابة بحث متفرِّد، الأول عن: الفيديو آرت التأثر والتأثير في التجربة الخليجية والعربية صدر في طبعتين، والثاني بعنوان: حين يُباع الفنّ - المنجز الفني وبورصة العالم؛ يتحدّث عن ثقافة الاقتناء الفني وعلاقته بالمنجز الإبداعي وسوق الفنون.

يوسف الحربي مدير جمعية الثقافة والفنون بالدمام.
ماذا يعني لك الفن؟

الفنُّ عالم حقيقي، وفضاء حرٌّ لاستيعاب الذَّات والآخر، والتَّواصل الجمالي بوعي وإدراك لقيمة ذلك الجمال. الفنُّ هو صورتنا التي بها نقدِّم واقعنا، ونحاكي به ماضينا، ونستشرف به مستقبلنا. بالفنِّ نعبِّر عن المجتمع والهُويَّة، وبالفنِّ نبني وعي الأجيال القادمة على احترام الأجيال الرَّائدة في الفن.

حدِّثنا عن تاريخ الجمعيَّة، ومن ترأسها؟ وما الهدف من تأسيسها؟ 

الجمعية العربية السُّعودية للثَّقافة والفنون، جمعية عريقة، ولها تاريخها العميق في خدمة الثَّقافة والفنون. تأسست في سبعينيات القرن الماضي، وأصبح لها نشاطها الفاعل وفروعها المتعدّدة التي تبحث في الفنون، وتقدم الثقافة السعودية بمختلف أنماطها، وتفتح فضاءاتها أمام المبدعين والهواة في كل مناطق المملكة. ترأس أول مجلس للجمعية صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبدالمحسن الشَّاعر والفنَّان، إذ ترأس هذه الانطلاقة حاملًا لواء هذا المجال المستحدث في السبعينيات الميلادية.

وكان لتأسّيسها دورًا هامًا في الارتقاء بالثَّقافة، ونشر الوعي، وتعميم الحضور الجمالي بخصوصيته المميزة للمملكة والمجتمع، مع رعاية الأدباء والفنانين والمثقفين، واحتضان مواهبهم وابداعاتهم، وتمثيل ثقافة المملكة في كل المحافل الثَّقافية العربيَّة والدُّولية.

من أرشيف جمعية الثقافة والفنون
أخبرنا عن سبب كون فرع الشَّرقية مميزًا بفنِّه؟

لا بدَّ من الإشارة أن كل فروع الجمعية تعمل بجد ونشاط، ولها حضور بارز، ويبني فرع الدَّمام نشاطه على الشُّمولية المنعكسة على مستوى الفئات والفنون، يعني التَّعاون والقرب والتَّواصل والعمق والمواكبة طوال العام. لدينا أنشطة تتغيَّر شهريًّا، وقراءات لتجارب وكتب ثقافية، وهي أنشطة تقدِّم الفائدة والمعرفة والمتعة؛ مما يلائم الأذواق، ويتكامل مع المدركات، وينمي التَّواصل الفكري والحسِّي. كذلك ننظِّم ملتقيات ومهرجانات سنويَّة تهتمُّ بالفنون المعاصرة، الفيديو آرت، والخط العربي، وأيضًا المسرح، والسِّينما، والفنون الشَّعبية، والموسيقى، والأدب.

هذا دون التَّغافل عن سعينا للتَّعاون التَّنظيمي مع الأروقة الفنِّية، والفضاءات الثَّقافية والمراكز الثَّقافية والجامعات، وهو ما يضمن استمراريَّة في التَّواصل الفنِّي، ويحقِّق أهداف الجمعيَّة العامَّة وأهدافنا الخاصَّة في أن تكون الثَّقافة السُّعودية الأصل المنير في العالم بمبدعيها ومثقَّفيها.

مثال على هذا الشَّغف، أنَّ معظم البرامج والملتقيات وحفلات التكريم نضع لها شعار لفظيًا معبرًا عنها بطريقة مختصرة وملفتة "سلوجن"، فالأرقام تثبت هذا التَّميز ولله الحمد. منطقتنا غنيِّة بثقافتها وفنونها كما هي غنيِّة بطاقاتها البشريَّة والاقتصادية والاجتماعيَّة، ويعود الفضل بعد الله باهتمام قيادتنا الحكيمة، وباهتمام ورعاية سمو أمير المنطقة الشَّرقية الأمير سعود بن نايف، وسمو نائبه الأمير أحمد بن فهد بن سلمان على اهتمامهم ورعايتهم ووقوفهم الدَّائم في المجال الثَّقافي.

من أرشيف جمعية الثقافة والفنون
من هم بعض الفنَّانين المشهورين الذين شاركوا في الجمعيَّة؟

الحقيقة أنَّ كلَّ أبنائنا هم مفخرة، وحضورهم نبيل وصادق، ولدينا الكثير من الأسماء اللَّامعة التي انطلقت من الجمعيَّة منذ عقود، كانت البدايات من فعاليات أو برامج أو اكتشاف مواهب وحقَّقت النَّجاح والتَّطوير في جميع المجالات الفنِّية والثَّقافية والشَّعبية، منها ما كانت شهرته عربية وواسعة سواء في التَّمثيل أو الغناء أو الفنون التَّشكيلية، كما لا ننسى أنَّ الكثير من الأسماء حصلت على جوائز ومراكز دولية في الفنون أو المسرح. لم تكن أسماؤهم بالشُّهرة التي تمتَّع بها البعض، لكن تبقى الجمعيَّة بيت الخبرة والاحتضان الشَّامل لجميع الفئات الفنِّية، ذِكرنا لبعض الأسماء قد يَسقطُ سَهوًا بعض الأسماء أيضًا، والمنتمون والمسجَّلون بالجمعيَّة بالآلاف، وقد تميَّز وأبدع منهم الكثير.

من أرشيف جمعية الثقافة والفنون
ما هو مستقبل الجمعيَّة برأيك؟

نحن نسعى بخطى جادة ليكون حضورنا مبنيًا على الثَّقافة الوطنيَّة، وخصوصيَّتنا التي تفرض ذاتها، لأنَّ الهُويَّة هي التي تفرض أيضًا التميُّز، لذلك مستقبلنا مرتبط بحاضرنا وواقعنا، وبما نقدِّمه حاليًا لنكون على مستوى راقٍ، وكذلك بقدرتنا على احتضان أبنائنا المبدعين باختلاف توجُّهاتهم الفنِّية والتَّعبيرية، وتوفير الفضاءات الخاصة لهم ولاهتماماتهم.

مستقبلنا سيكون حيويًّا بهم وبنشاطهم، إضافة إلى الحركة والاهتمام العام بالثَّقافة في المملكة، والتي تُشرف عليها وزارة الثَّقافة وهيئاتها التي تدعم الأنشطة، وترتقي بها مستشرفة المستقبل دون أن تنفصل عن الهُويَّة والخصوصيَّة والحضور الأصيل الذَّي يميزنا، والجمعية لديها العديد من المهرجانات والملتقيات، وهناك أفكار لتنظيم برامج مختلفة يتنافس خلالها المنتمون إلى هذه المجالات.

من أرشيف جمعية الثقافة والفنون
تأخذ الجمعية بعين الاعتبار الفنون المعاصرة والتَّطورات التِّقنية الجديدة التي اكتسحت هذا العالم، كيف توازن بين الرِّيادة والتَّطوير؟

الفنون المعاصرة هي جسر التَّحول التِّقني والرَّقمي الذي لم يتوقف عند أي مجال حتى مجال الفن، ولذلك من واجبنا مسايرة هذا العصر ومتابعته ومواكبته وفق تجاربنا التي يُشهد لها بالابتكار والموهبة والحرفيِّة التي وصلت العالم من أوسع الأبواب، ومن حقِّ الأجيال علينا كجمعيَّة ثقافيَّة أن نتعاون معًا للتَّعريف بالفنون المعاصرة، وتثبيت بصمة التجريب التِّقني والرَّقمي، لذلك حرصنا على تنظيم ملتقى الفيديو آرت والبكسل آرت، وركَّزنا على ورش وحلقات نقاش عن تطوُّر الفنون، حتَّى نبقي على همزة الوصل بين الأصيل والحَداثي والمعاصر.

من أرشيف جمعية الثقافة والفنون
الثَّقافة تحوَّلت إلى استثمار قادر على خدمة المجتمع والاقتصاد كيف ذلك؟

العمل الثَّقافي بروحه الجديدة تحول من التَّلقي إلى الاستثمار، ومن المشاركة إلى التَّنفيذ، ومن الاستهلاك إلى التَّفاعل في مختلف المجالات والقطاعات، لذلك رؤية 2030 تبصَّرت جدوى الثَّقافة، وخبرت مداها الجيَّد في خدمة الفنون من حيث المشاركة والتكامل بين الأفكار الثقافية والفنية والاقتصادية، مثل توازي التُّراث والسِّياحة مع الثَّقافة، من خلال الأنشطة التي تعرف بالحرف والهُويَّة الجمالية والمناطق الطَّبيعية ومستوى العيش والفنون الشَّعبية، وخلق مسارات جديدة بينها، إضافة إلى المشاركة في معارض الكتب التي لم تعد تقتصر على مجرد عرض كتاب، بل دفع دور النَّشر للاهتمام، وحثِّ المشاركة وخلق التَّواصل الثَّقافي على مستويات اجتماعيَّة بصرية تحفيزيَّة قادرة على تحويل المنتج الثَّقافي إلى منتج مادي ومعنوي، نسعى إلى تكثيفه وتثبيته وتكوينه معًا، وبكل مستويات التعبير الفنيَّة والبصريَّة، بالإضافة إلى بعض ما يخدم الإبداع، مثل تكثيف وتنشيط حالة الاقتناء في الأعمال الفنيِّة.

من أرشيف جمعية الثقافة والفنون
نصيحة تقدِّمها للفنَّانين الشَّباب؟

لدينا نخبة زاخرة من الفنَّانين والمهتمِّين والمبدعين، والحمد الله أن الحركة الثَّقافية السُّعودية أصبحت المهد الحقيقي لكل الفنَّانين المنطلقين من أرضهم ومن وطنهم إلى العالم، وهو ما يشكِّل ركيزة حقيقية للإبداع والتميُّز بالأفكار والأداء والحضور في كل المجالات. 

لذلك، نصيحتي لكلِّ فنَّان شابٍّ أن يصغي لواقعه ومحيطه، ويستوعب هُويَّته وعمقها المتجذِّر في الأرض بكل تفاصيله، وأن يخرج من ذاته ليستلهم من تجارب الآخرين. أنصحه بالتَّفردِّ لا بالتَّقليد، وأن يبحث له عن مسار يضمن تميُّزه، وأن يواصل ويستمر بالتَّجريب ويندفع بثقة وجرأة وأن ينفتح على تجارب الآخرين، ويكون متعاونًا وأن يضمن التَّواصل الحقيقي.

يوسف الحربي
إعادة تعيين الألوان