نحن نعد شيئًا رائعًا من أجلك.

الذكاء الاصطناعي: عدو أم حليف للمصمم؟
A-
A+
مسابقة المقالة الإبداعية مع هيئة فنون العمارة والتصميم

الذكاء الاصطناعي: عدو أم حليف للمصمم؟

الذكاء الاصطناعي: عدو أم حليف للمصمم؟
بقلم نهار بهيج عبدالفتاح
May 1st, 2023
الذكاء الاصطناعي سيفرز لنا المصممين المبدعين الحقيقيين، وسيفرّق لنا بين المصمم المبدع الحقيقي وبين مستخدم أدوات التصميم.
نهار بهيج عبدالفتاح

"محمد علي كلاي؟" قالتها والدتي وهي تختلس النظر على رسمي الكرتوني له، لم أصدق ما قالت! 
كنت وقتها حديث التخرج من كلية العمارة والرسم مجرد هواية، وكانت معرفة والدتي للشخصية، ومن مدى، دليل ملموس على أن رسمتي حققت المطلوب، ليكون هذا الموقف إعلاناً لبداية رحلتي في الرسم الكرتوني، والتي رسمت عبرها الكثير من الشخصيات المعروفة، ووجدت العديد من الأشخاص الذين استخدموا رسوماتي ليضعوها كصور شخصية لحساباتهم على منصات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يسعدني، واعتبره وقودي الذي يدفعني للاستمرار بالرسم.

ولكن في أحد الأيام ....

وجدت أحدهم قد استبدل رسمي لصورته الشخصية برسم آخر، أكثر روعة وأكثر تفصيلاً وأكثر دقة، كان رسماً يحتاج أضعاف الوقت الذي وضعته على رسمي لهم. لأبدأ بالبحث عن الحسابات الأخرى المستخدمة لرسمي، وهل غيروها كما فعل الأول؟ وكانت الصدمة أنّ معظمهم فعلوا نفس الشيء!

من هذا الرسام المبدع الجديد؟

من هذا الشخص وراء كل هذه الرسومات الرائعة التي أحتاج لسنوات عدة كي أصل إلى مستواها؟

بعد القليل من بحث اكتشفت أنّ "الذكاء الاصطناعي" هو من وراء كل ذلك.

نهار بهيج عبدالفتاحالفائز بالمركز الثاني في مسابقة المقالة الإبداعية.بالإذن من هيئة فنون العمارة والتصميم، وزارة الثقافة

تملّكني الغضب من ذلك الذكاء المزعوم، إنه غباء واعتباط مصطنعَين، وشعرت مباشرة بأنّ رسوماتي لم يعد لها قيمة، وأنني في مواجهة عملاق يستحيل هزمه، فعلى الرغم من ظهوره منذ خمسينيات القرن الماضي () إلا أنّ دخوله المجال الإبداعي هو الأمر الجديد كلياً والذي يجب مقاومته.

نظرت إلى "الذكاء الاصطناعي" على أنّه عدو لي، وعليه أن يكون عدواً لكل المصممين؛ كي لا يستحوذ على مهنتنا، ولكن بعد مرور عدة أيام وتجاوزي لمراحل الحزن الخمس: الإنكار، الغضب، المساومة، الاكتئاب، وأخيراً القبول؛ بدأت أحاول استيعاب الأمر وفهمه أكثر، لأسأل نفسي:

من هو هذا العملاق؟، هل يستحق كل هذا الاهتمام؟، هل سيفقد المصممون وظائفهم في مواجهته؟، هل الذكاء الاصطناعي عدو أم حليف للمصمم؟

من هو هذا العملاق؟ ما هو الذكاء الاصطناعي؟

من تعريفات الذكاء الاصطناعي أنّه "آلة يمكن لها أن تتصرف بأسلوب بشري في الإدراك أو الاستنتاج" ()، وإن طبقنا نفس التعريف على التصميم، فهو: "آلة تحاول التصرف كالمصمم".

والتطور الكبير الحاصل في هذه الآلة جعلها تقتحم المجالات الإبداعية، لتتحوّل إلى مصمم خارق من خلال مجموعة من البرامج التي اشتهرت بسرعة كبيرة مثل دل إي 2 DALL-E 2، وستابل ديفيوجن Stable Diffusion، وميدجيرني Midjourney وغيرها.

هذه البرامج هي شكل من أشكال الذكاء الاصطناعي والذي يُعرف باسم نظام النص إلى صورة text-to-image system أو نظام كليب CLIP system وهو اختصار لجملة "ربط النص بالصور Connecting text to image" ()، بمجرد أن تعطيها مجموعة من الجمل (المدخلات Prompts)، ستخرج لك بتصاميم ونتائج مبهرة.

ثوانٍ معدودة ويمكن لك أن تصمم ملصقاً إعلانياً لفعاليتك القادمة، أو تصميم ثلاثي الأبعاد وقريب من الواقع لمنزلك، أو تصميم عصري لزي ترغب بارتدائه في مناسبة ما. أي أن جميع المجالات التصميمية يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتداخل معها، سواء كان التصميم العمراني، المعماري، الداخلي، الأزياء، المنتجات، الجرافيكي وغيرها.

ولكن هل يستحق الذكاء الاصطناعي كل هذا الاهتمام؟

بالقليل من البحث أدركت مباشرة أن الإجابة: نعم؛ فقدرات الذكاء الاصطناعي لا يمكن لأي شخص أن ينكرها، ولم أجد أبلغ مما وصفت به بأنّها: "تسونامي" () () على المجال الإبداعي لشدة وقوة تأثيرها، أي أنّها ليست موجة عابرة، بل موجة مهيبة عملاقة ستسجّل كعلامة زمنية فارقة في تاريخنا البشري.

وبدأنا فعلاً بالتماس ذلك التأثير حيث بدأت النتائج بالظهور، لنشاهد أول غلاف لمجلة من صناعة الذكاء الاصطناعي في يونيو 2022، وكان لمجلة كوزموبوليتان Cosmopolitan النسائية، حيث وصل صانعوه إلى نتيجته النهائية في أقل من ساعة، وذلك قبل انتهاء اجتماعهم على تطبيق زوم Zoom ().

عمار ريشي Ammaar Reshi هو مدير تصميمي باكستاني بريطاني استخدم الذكاء الاصطناعي في كتابة ورسم كتاب للأطفال، أنتجه بالكامل في إجازة نهاية الأسبوع، وعرضه لبيع نسخ منه على موقع أمازون Amazon ().

جيسون آلين Jason Allen فازت لوحته المصنوعة بالكامل باستخدام الذكاء الاصطناعي بمسابقة معرض ولاية كولورادو Colorado State Fair عن فئة التصوير المتلاعب به رقمياً Digitally Manipulated Photography ().

شركة سيكويا كابيتال Sequoia Capital الاستثمارية تقول إنّه في عام 2025، أي بعد ثلاثة أعوام فقط، ستصبح الكمبيوترات قادرة على الكتابة أفضل من الإنسان العادي Average Human، وفي عام 2030 سيستبدل الكتّاب المحترفون، والفنانون، وصنّاع الألعاب الإلكترونية Video Games، مما سيوفر تريليونات الدولارات على أصحابها ().

والآن، أرى التشابه بين رحلة الذكاء الاصطناعي ورحلة الآلة البخارية؛ فبمجرد ابتكارها بدأ القلق يساور عمّال المصانع بأنّ الآلة ستحل محلهم وسيفقدون وظائفهم، ومع مرور الزمن تحوّلت مخاوفهم إلى حقيقة وفقدوا أعمالهم حقاً.

ويبدو أنّ الذكاء الاصطناعي هو الآلة البخارية للعديد من المهن المختلفة الأخرى، والتي عاجلا أم آجلاً ستحل محلهم إن لم تكن بالفعل قد فعلت ذلك للبعض منها.

ولكن هل الذكاء الاصطناعي هو الآلة البخارية بالنسبة للمصممين؟

هل سيختفي المصممون؟ هل سيفقدون وظائفهم في مواجهته؟

عندما أصبح في كل هاتف محمول كاميرا، تأثر عمل المصورين بشكل كبير، ولكن المصور الحقيقي صاحب الثقافة والنظرة والأسلوب المميز لم يتأثر على الإطلاق، فهناك الكثير من مستخدمي الكاميرات، ولكن قليل منهم مصورين.

وهناك الكثير من مستخدمي أدوات التصميم، ولكن قليل منهم مصممين.

عندما ظهر الحاسب الآلي ولوحة المفاتيح، انتهت مهنة مستخدمي الآلة الكاتبة، ولكن ليست نهاية الكتّاب، فالكاتب لا تعنيه الأداة التي سيستخدمها، سواء كانت لوحة المفاتيح أو الآلة الكاتبة أو ورقة وقلماً، المهم أن يجد ما يضع عليه كتاباته.

في الحقيقة، الذكاء الاصطناعي سيفرز لنا المصممين المبدعين الحقيقيين، وسيفرّق لنا بين المصمم المبدع الحقيقي وبين مستخدم أدوات التصميم.

وهذه ليست الإيجابية الوحيدة للذكاء الاصطناعي، فهو تقنية كالتقنيات الكثيرة التي ساهمت في تطوير القطاعات التي دخلت عليها، وتشبه -إلى حد ما- دخول التصميم البارامتري Parametric Design في المجال المعماري، هذا الدخول طوّر من قدرات المعماريين وأفرز لنا أعمالاً معمارية مبهرة لم نشاهد مثلها من قبل؛ وبالتعامل مع الذكاء الاصطناعي بنفس الطريقة التي تعامل بها المعماريون مع التصميم البارامتري، والكتّاب مع ظهور لوحة المفاتيح بدلاً من الآلة الكاتبة، والمصورين مع كاميرا الهاتف المحمول، سترتقي مهنة التصميم وسيعرف من هم المصممون حقاً.

الذكاء الاصطناعي سيستبدل فعلاً من سيستمرون على أساليبهم وتقنياتهم التقليدية في التصميم والإبداع، ليختفي المصممون المصرون على إنكار وإهمال الحقيقة وهي كالشمس في وضح النهار، وإن أردنا تفادي ذلك فعلى المصممين الجدد ترويض ذلك العملاق الاصطناعي، وتعلم أحدث تقنياته وتطوراته ومتابعتها، وتطويعه لحل مشكلاتهم التصميمية، والتكيّف مع الواقع القادم الجديد.

يقول ليون أوكاكورا كاكوزا Okakura Kakuzō: "فن الحياة هو إعادة التكيف المستمر مع محيطنا".

بعد هذه التساؤلات، أظنني بلغت إجابتي عن السؤال الأخير وهو:

هل الذكاء الاصطناعي عدو أم حليف للمصمم؟

لأجيب أنه أكثر من حليف، فهذا العملاق الذي اعتقدت أنّه وحش كاسر ما هو إلا عملاق وديع، كطفل يحاول محاكاة حركاتنا وتقليد تصرفاتنا دون إدراك، عملاق لم يظهر إلا لرغبته الشديدة في المساعدة وتسهيل مهامنا المختلفة. الذكاء الاصطناعي هو الشريك المثالي للمصمم، والذي بتعاونهما معاً بإمكانهما صنع إبداعٍ لم يشهد له تاريخنا مثيلاً.

أنا الآن متأقلم ومدرك ومتقبل للواقع الجديد في المجالات الإبداعية المختلفة، في الحقيقة أنا أكثر من ذلك، فأنا سعيد بالذكاء الاصطناعي وفخور بقدرة العقل البشري التي وصلت بنا إلى هذا الابتكار العظيم. ولعل والدتي ستختلس النظر على رسم آخر لي لـ"محمد علي كلاي" لأخبرها بأنّها ليست من رسمي وحدي، بل بالشراكة مع صديقي الجديد "الذكاء الاصطناعي".

إعادة تعيين الألوان