نحن نعد شيئًا رائعًا من أجلك.

ألحان الأجيال
عدد خاص

ألحان الأجيال

ألحان الأجيال

عود عمل فني، 140x140 سم، فاطمة النمر، بإذن من الفنّانة.

بقلم غدير صادق
March 20th, 2023

يمتد تاريخ الأغاني السعودية إلى عقود وعقود قبل تأسيس الدولة السعودية، حيث كان لكل قبيلة أغانيها وأهازيجها التي تميزها، منها ما يُتغنى بها في السلم أو الحرب، أو المناسبات الخاصة. تلك الأغاني تعدُّ من أهم مكونات التراث غير المادي في المملكة، وإنه من الصعب تحديد الخط الزمني لتطور الأغنية السعودية الحديثة. لكن الدراسات في تاريخ الموسيقى تقول إنَّه كان لكل قبيلة ومنطقة جغرافية فنونها الخاصة بها، مثل فنّ (المجرور) بالطائف وفن (العرضة) في المنطقة الوسطى، وفن (المجس) الحجازي، (ودق الحب)، (والليوة)، (والحصاد)، (والفريسة) في المنطقة الشرقية. وفي مطلع الخمسينيات من العقد الماضي، مرّت المملكة بتحولات ثقافية واسعة غيرت الوجه الثقافي للمملكة بشكل جذري، وشهدت تحولًا كبيرًا في مجال الموسيقى؛ كانت الأغنية الشعبية السعودية متباينة تبعًا لمنطقتها، ونوع جغرافيتها، وإمكانياتها الشحيحة، وندرة الآلات الموسيقية، مما حالت بينها وبين تطور الأغاني، وتجديد الألوان الموسيقية فيها. ثم بدأت تتخذ مجالًا أكثر شمولية، وتندرج تحت مظلة واحدة تسمى الأغنية السعودية الحديثة.

إلا أن التحول الغنائي لم يحدث بين ليلة وضحاها، لقد شهدنا في تلك الحقبة الكثير من التغييرات والابتكارات والتجديدات في مجال الموسيقى بالمملكة العربية السعودية، وقاد هذا التغيير رواد عظماء كان لهم إبداع واسع، وعلى رأسهم طارق عبدالحكيم (1918-2013) الموسيقار والملحن السعودي، ومن ثم طلال مداح (1940-2000)، ومحمد عبده (1949)، هؤلاء الذين ساهموا بأدوارهم وبجهودهم الجماعية في إحداث نقلة كبيرة في الأغنية السعودية الحديثة، وأخذوا بها إلى آفاق جديدة يتغنى بها على مسارح حيّة داخل المملكة وخارجها. وبفضل جهودهم انتقلت الأغنية السعودية من أغاني تراثية متعددة الأوجه إلى أغنية لها معالمها الواضحة.

ما يثير الدَّهشة هو نجاح الجيل الأول من المغنين في ترك بصمتهم الواضحة، وبدأت الأجيال تتوارث أغانيهم، وصمدت أمام كل التغيرات الثقافية، وصارت محبوبة ومعروفة لدى كل الأجيال، لتصبح بذلك مكونًا مهمًا من مكونات الثقافة السعودية والعربية، وجزءًا من هويّة الفرد ووجدانه وثقافته المحلية المشتركة التي تجمعه بأبناء بلده.

تمتلك الأغنية السعودية مقومات وخصائص ثابتة لحفظها في وجه التغيرات، وتبقيها متجددة عبر العقود، حتى الأغاني التي تم تلحينها توزيعها في مطلع الستينيات من العقد الماضي؛ ما زالت حاضرة في كيان الشعب السعودي وذاكرته الموسيقية، فالكل يتغنى ويدندن حتى اليوم بأغاني مثل، "يا ريم وادي ثقيف" التي نشرت عام 1952 والتي غناها طارق عبدالحكيم، وأغنية "تعلق قلبي طفلة عربية" لامرئ القيس التي لحنها طارق عبدالحكيم، وغنتها المغنية اللبنانية هيام يونس ثم طلال مداح.

 فاطمة النمر، بإذن من الفنّانة.
أبرز الأغاني:

في هذه القائمة، تستكشف الكاتبة غدير صادق أبرز الأغاني الحديثة الخالدة التي ترسخت في ذهن الشعب السعودي، وذاع صيتها وانتشرت بين الجمهور العربي أيضًا. صدحت هذه الأغاني من حناجر مغنين سعوديين وعرب، نظرًا لقيمتها الفنية الإبداعية، ونظرًا لأهمية مكنوناتها وكلماتها التي ما زالت تلاقي قبولًا ناجحًا في قلوب الجماهير العربية. ونذكر عددًا منها على سبيل المثال لا الحصر:

أبكي على ما جرا لي يا هلي: غنى هذه الأغنية طارق عبدالحكيم، من كلمات محمد السويلم، حيث نشرت في التلفزيون السعودي لأول مرة .

لنا الله: غناها محمد عبده، ولحنها طارق عبدالحكيم، من تأليف الشاعر ابراهيم خفاجي، تم نشرها لأول مرة في عام 1967، وما زالت هذه الأغنية في كل مرة يتم غناؤها، قادرة على نشر مشاعر الفرح والطرب بين الجماهير، ليتغنوا ويطربوا بها بفرح مشترك.

يا دار لا هنتي ولا هان راعيك: كتبها الشاعر الشاب عبدالعزيز السالم، ولحنها رابح صقر، نشرت من ضمن البومه؛ "رابح96" الذي نشر عام 1996. وكانت أغنية يا دار من الأغاني الوطنية الراسخة في ذاكرة الشعب، حيث نجحت بجمع مشاعر الفرح والاحتفال بالفخر والاعتزاز بالوطن وأمجاده. ولم تكن "يا دار" أغنية وطنية فقط، ولكنها كانت حاضرة في حفلات الزفاف لتأجيج مشاعر الفرح ومزجها بالوطنية والحب العارم لهذا الوطن.

يا سارية خبريني: أغنية من أغاني الفلكلور الحجازي التي استطاعت بسلاستها وكلماتها الرنانة أن تتجاوز كونها أغنية فلكلورية، لتتحول إلى أغنية حديثة مع حفاظها على أصالتها الشعبية، ما زالت تغنى إلى يومنا الحالي، ألفها لطفي الزيني (1939-2001)، المعروف بموهبته الفنية، حيث كان شاعرًا وممثلًا ومنتجًا، كما غناها الكثير من المغنين السعوديين والعرب، وفي الفترة الأخيرة أعادت غناءها الفنانة مريام فارس، وبهذا تعيد ترسيخ الأغنية في ذاكرة الجيل الناشئ.

مقادير: من كلمات محمد العبد الله الفيصل، وألحان سراج عمر، سجلها طلال مداح في القاهرة، وكانت من ضمن أولى الأغاني التي كان يطمح من خلالها مداح لأخذ الأغنية السعودية إلى آفاق جديدة. وقد غنتها أيضًا المطربة الكبيرة وردة الجزائرية. كانت "مقادير" من الأغاني المثقلة بمشاعر الألم والمعاناة، وعلى الرغم من ذلك تركت بصمة في وجدان الناس في المملكة وخارجها، ونجحت في أن تكون أغنية حاضرة بقوة في ذاكرة جميع الأجيال.

وطني الحبيب: كاتب هذه الأغنية الوطنية الاستثنائية والخالدة في ذاكرة الجميع، هو الدكتور مصطفى بليلة، مدرس عمارة وهندسة في جامعة الملك سعود، كان يعمل في الإذاعة أثناء فترة ابتعاثه في إيطاليا. وغنى هذه الأغنية المليئة بمشاعر الحب والإخلاص تجاه الوطن الغالي المطرب طلال مداح، حيث أذيعت لأول مرة في عام 1961. وتعتبر أول أغنية وطنية تبث للشعب، حيث كانت فقط الأناشيد والأهازيج هي ما يبث في القنوات الرسمية. ما زالت هذه الأغنية حاضرة ويتغنى بها في المناسبات الوطنية، ويتم الاستشهاد بها للتعبير عن حب الوطن، وتعد من أشهر الأغاني الوطنية التي نجحت بأن تتجاوز كونها أغنية فقط، لتكون جزءًا لا يتجزأ من ذاكرة الشعب وروحه الوطنية.

يا طيب القلب: كانت من أهم أغاني عبدالمجيد عبدالله، التي ظهرت في عام 1998، وتركت بصمتها في عالم الفيديو كليب من خلال كلماتها الشاعرية والمرهفة، وما زالت الأغنية حاضرة في قلب الجيل الحالي ومحبوبة من قبل الجميع.

الجميل في هذه الأغاني أنها تحمل الكثير من الأهمية الثقافية، واللافت فيها أنها تشكل رافدًا من أهم روافد الثقافة الموسيقية والجسور الفكرية التي تربط بين الأجيال السابقة والناشئة، على الرغم من معايشتهم لوقائع وتغييرات اجتماعية وثقافية مختلفة. كما ترتقي هذه الأغنيات الخالدة لتكون أكثر من مجرد كلمات .وألحان مغنّاة، بل لتصبح حلقة وصل ثقافية بين عدة أجيال

إن للأغنية أثرٌ في تعزيز التواصل الثقافي والتاريخي، وتكون بذلك مستندًا لهوية ثقافية مشتركة، لها تاريخ ثابت، تتحدى كل ظروف العولمة والتغييرات الثقافية السريعة التي ظهرت مع عصر الانترنت.

من العبقرية أن يتم إنتاج أغنية ما في مطلع الستينيات من القرن الماضي، وتظل إلى يومنا هذا محافظة على معانيها ومشاعرها الإنسانية، ويبقى صداها ثابتًا مما يعزز التواصل الثقافي، ويقوي الذاكرة الصوتية التي يتم توارثها عبر الأجيال.

إعادة تعيين الألوان