نحن نعد شيئًا رائعًا من أجلك.

الحياة في الموسيقى، مع المايسترو يحيى
الفنّان الضيف

الحياة في الموسيقى، مع المايسترو يحيى

الحياة في الموسيقى، مع المايسترو يحيى

ألوان مائية على ورق, نورمان ماكدونالد 

بقلم فريق تحرير إثرائيات
March 20th, 2023

عشق الموسيقى العالمية منذ صغره، وولع بموسيقى بيتهوفن وموتسارت وتشايكوفسكي وهايدن وباخ وغيرهم، بينما ينفق أقرانه مصروفهم على الحلوى والأغاني المحلية، كان يبتاع به آخر ما وصل إلى المملكة من موسيقى كلاسيكية أمام استغراب البائع من حداثة سنه، واختلاف ذائقته عن غيره. بحث عن مكان ملائم لدراسة الموسيقى في الرياض، فلم يفلح. اتجه إلى كرة القدم لتعويض شغفه بالموسيقى، قُبل في مدرسة نادي الهلال الكروية وهو لا يزال في الصف الثالث الابتدائي، وتدرب بإشراف واهتمام المدرب العالمي بروشتش، الذي أغدق عليه بأبوة حانية في الملعب، إلى درجة تكلفه إحضاره من المنزل وإعادته بسيارته عندما لا يجد مواصلات تقله، حرصا على مداومته على التدريب. وأن يحتك مع الجيل الأكبر من اللاعبين مثل يوسف الثنيان وجيله، لاكتساب المهارة منهم. 

فهم أيضًا كانوا في عهدة المدرب اليوغسلافي. نتائجه الدراسية المتواضعة لم ترضِ والده فاضطر لهجر الكرة ومتابعة دراسته، بعد سنة تقريبًا اتصلت إدارة نادي الهلال بوالده ليلعب مع فريق الناشئين مقابل تعويض مالي مجز نسبيًا، فوافق والده شرط أن يبحث عن وظيفة تؤمن له مستقبله، وافق وبدأ البحث عن وظيفة رياضية، ولم يوفَّق. في أثناء بحثه عن الوظيفة عثر مصادفة على إعلان عن وظائف عسكرية موسيقية، وكانت نقطة التحول في حياة الموسيقار يحيى حسن مساوي، الذي وجد أخيرًا منفذًا لولعه المبكر. إثرائيات التقت به وكان هذا الحوار:

حدثنا كيف جرت معك الأمور بعد أن عثرت على فرصتك في العودة إلى الموسيقى؟

في معهد الموسيقى التابع للجيش تم الترحيب بي وقبولي بعد الاختبارات السمعية والحسية، مع توصية خاصة من رئيس لجنة القبول بأن ألقى رعاية خاصة لمتابعة دراسة الموسيقى. وزعّت وقتي بين كرة القدم والموسيقى، وحققت النجاح في المكانين لمدة سنة، لكن إدارة المعهد الموسيقي لاحظت غيابي يوميًا من الساعة الثانية عشرة ظهرًا حتى العاشرة مساءً، وهو ما يخالف أنظمة المعهد إذ يجب أن أمكث فيه طيلة أيام الأسبوع لمدة سنتين عدا يومي الخميس والجمعة، وخيّرت بين أمرين إما أن ألتزم المعهد أو أغادره إلى ملعب الكرة، فاخترت الموسيقى وأنهيت الدورة بتفوقٍ مهد لي متابعة دراستي في دورة إعداد المدربين، التي كانت أفضل الدورات على مستوى المملكة

في البداية رفضت لأن علي أن أجتاز دورتين تمهيديتين، لكن تم استثنائي منهما لموهبتي الموسيقية. كانت بدايتي في هذه الدورة صعبة لأن معظم المشاركين فيها أعمارهم تقارب الثلاثين، أي ضعف عمري تقريبًا، كان التحدي كبيرًا، ولكن وفقت بسبب إيماني بالله وثقتي بنفسي ودعم المسؤولين في المعهد، كنت أتذكر شغفي المبكر بالموسيقى وأتساءل إن كان مجرد استمتاع أو رغبة جارفة في العلم، مع سنوات الدراسة اكتشفت أن الموسيقى علم واسع غير محدود. حزت المرتبة الأولى في نهاية الدورة، وابتدأ مشواري العملي مع الموسيقى عندما استلمت فرقة المعهد، ثم ابتعثت خارج المملكة للتدرب على قيادة الفرق الموسيقية، وتفوقت على الدول المشاركة، وأخذت على عاتقي رعاية المواهب وتطويرها في بلادي الغالية، وألفت الكثير من الأعمال الفنية وخاصة الكتب والمراجع الموسيقية المتنوعة لأنني كنت أعلم ما يحتاجه الجيل الجديد.

ما الآلة الموسيقية المفضلة لديك؟ ولماذا؟ 

 أعمل على كثير من الآلات الموسيقية قد تكون عشرين ألة ما بين (نحاس) (ريش) (ايقاع) (وتريات)، أحب في فئة الآلات النحاسية آلة الترومبيت، وفي آلات الريش آلة الساكسفون آلطو، وفي الوتريات آلة الكمان وفي الإيقاع آلة الدرامز، أما الآلة الأقرب إلى قلبي والتي أستطيع أن أخرج ما في قلبي بواسطتها فهي آلة (البيانو)، آلة المؤلفين الموسيقيين العالميين.

المايسترو يحيى مساوى، في حفلة اليوم الوطني،2022، مركز إثراء.

أخبرنا عن تاريخ الموسيقى في الجزيرة العربية، وما هي الحقب المختلفة التي مرت بها؟ 

التراث الثقافي في بلادنا يشتمل على فنون عدّة منها الأداء، والغناء يعد من الفنون الجماعية الحاوية لفنّ الأداء: أي صوت الحنجرة والآلة، وفن القول: أي النص الشعري، وفن الحركة: أي الإيقاع واللعب أو الرقص المصاحب. إنّ الإبداع الموسيقي والغنائي عبر التاريخ الطويل مرّ بعدة مراحل في الجزيرة العربية، وتحديدًا في الحجاز (مكة المكرمة، والمدينة المنورة) كان له جانب اجتماعي وإنساني مهم في التركيبة السكانية للمنطقة، التي شهدت إبداعًا ثقافيًّا وفنيًّا باستمرار، ومن هذا الإبداع شعر الغزل الأقرب للغناء وقد اشتهر في وقت سمّي بعصر بني أمية. 

وعن تاريخ الموسيقى في الجزيرة العربية في الحقبة الأولى، اشتملت الموسيقى العربية على العديد من الثقافات الموسيقية المختلفة التي تتراوح ما بين موسيقى كلاسيكية، وشعبيّة، وغيرها. والموسيقى العربية لها تاريخ عريق من التطور والتفاعل مع الحضارات المختلفة، ومن أهمها: الحضارة المصرية القديمة، واليونانية، والفارسية، والكردية، وغيرها. ويمكن ربط تطور الموسيقى العربية بتغيرات زمنية عدة، شهدت فيها تطورًا كبيرًا، وانتقالات نوعيّة إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن. نلخصها بما يلي: 

أولًا: فترة ما قبل الإسلام (أي فترة الجاهلية)، هناك دلائل على وجود عدة أشكال للموسيقى في ذلك الوقت في الجزيرة العربية ما بين القرن الخامس والسابع، والدليل على ذلك وجود شعراء الجاهلية في ذلك الوقت، التي كانت أشعارهم وقصائدهم تقال بإيقاع وأنغام موسيقية جميلة.

ثانيًا: فترة ما بعد الإسلام، شهد الأندلس نهضة دلّت على علو الموسيقى العربية بشكل كبير جدًا، وتحديدًا في القرن الحادي عشر، حيث أصبحت الأندلس في ذلك الوقت، مركزًا تجاريًّا لصناعة وتصدير الآلات الموسيقية، وأهمّها آلة العود. فالموسيقى العربية لم تظهر غناءً متقنًا وعلمًا مدروسًا إلا بعد الإسلام، حيث كان يفد إلى الحجاز مغنون ومغنيات بعضهم ذوي أصول فارسية، وأغلبهم كان يجيد نظم الشّعر والغناء، أمثال: عزة الميلاء – معبد – وإبراهيم الموصلي وابنه اسحاق الموصلي – زرياب، الذي هاجر للأندلس وفتح فيها مدارس لتعليم الموسيقى، فظهر علم الموسيقى ووضعت القواعد والنظريات الموسيقية من قبل فلاسفة كبار، منهم: الكندي، والفارابي. 

ونلاحظ أن هذا التراث الجميل من الفنون، وخاصة الغناء والموسيقى، دخل جملة البنيان الثقافي للمجتمع السعودي وأصبح جزءًا لا يتجزأ منه، وانتقل من جيل إلى جيل، وحفظ بعضهم عن الآخر بعد ذلك، عن طريق الممارسة الجماعية، والتناقل الشفوي، وحفلت بها مناسباتهم الاجتماعية والثقافية. والموقع الجغرافي للمملكة العربية السعودية ساهم كثيرًا في تطور الثقافة داخل البلاد، وخاصةً السياحة الدينية التي جعلتها وجهة كل من له علاقة بالشعر والغناء.

بينما فنيًا تألفت المملكة من عدة أقاليم؛ أولها الغربي أو الحجازي: 

مكة، والمدينة، والطائف، وينبع. ثانيها الأوسط أو النجدي: الرياض، وسدير، والقصيم، ثالثها الإقليم الجنوبي: عسير، ونجران، وجازان. رابعها الإقليم الشرقي: الأحساء، والقطيف. وأخيرًا الإقليم الشمالي: حائل، وتبوك، والجوف.

كيف أثَّر تنوع الثقافات في الجزيرة العربية على ألحانها؟ 

الجميل في عالم الإبداع هو تناقل الخبرات، ومن أهم النجاحات اختلاف الثقافات الموسيقية، فلا شيء يبقى على حاله، إذ لو كانت الموسيقى العربية ذات طابع واحد فقط، لما تقدمنا خطوة نحو الأمام، ولكن الاختلاف هو ما أوجد روحًا جمالية في الغناء والموسيقى لدينا، والشاهد على ذلك وجود أغان كثيرة لفنّانين (دون ذكر أسماء) معظم موسيقاهم مشتقة من الموسيقى الغربية، ولولا هذا المزج الفنّي لما سمعنا ألحان عذبة رائعة، ودليل ذلك ما قدمه الموسيقار محمد عبد الوهاب في ألحانه الموسيقية التي مزجت ما بين الغربي والشرقي، وأيضًا ألحان الرّحابنة في جميع أغاني السيدة فيروز.

كيف تقيم وضع الموسيقى السعودية حاليًا؟ 

إلى حدٍ ما مقبول، والسّبب غياب الكثير من الشعراء، وتوقف الكثير منهم عن الشعر. عندما يوجد لدينا شعراء بقدرات الأمير خالد الفيصل، والأمير بدر بن عبد المحسن والشاعر إبراهيم خفاجي، يمكننا القول بأن الأغنية ستعود إلى ألقها أيام الستينيات، إلى أيام طلال مداح، ومحمد عبده. أقول لطلابي في معهد ثقف الذين أدرسهم علم الصوت (الفوكاليز): أصبحت أصواتكم رائعة جدًا، ولكن كان الله بعونكم، من الشاعر الذي سيقدم هذا الصوت!

والمملكة العربية السعودية تعيش حاليًا حالة استنفار فنّي من جميع النواحي، على مختلف الأصعدة الفنّية، وخاصة: الموسيقى، والعزف الآلي، والغناء، كمخرجات غنائية رائعة، وفق معايير فنّية راقية. الوضع حاليًا ممتاز في ظلِّ الفرص المتاحة للنهوض بالموسيقى والغناء على وجه التحديد، من قبل المسؤولين في بلادنا الغالية، لتحقيق ما يواكب الرؤية الطموحة التي تأمل بالوصول للعالمية في شتّى المجالات الفنّية. 

ما هي الأشياء التي يحتاجها الفنّان السعودي ليصعد بالأغنية السعودية إلى العالمية؟ 

لا بد للفنّان أو الفنّانة أن يدرك أن ما كان بالماضي حقق بكفاح وجهود جبارة لأن الدعم كان محدودًا جدًا، لذلك كان الجيل السابق يحفر في الصخر للوصول للمجد. وها نحن الآن نقول لهم شكرًا من خلال تتويجهم في المناسبات الوطنية داخل المملكة، هذا دليل على أن الفنّانين والفنّانات القدامى قد بذلوا كل ما لديهم من إبداع، على الجيل الجديد أن يعي حجم المسؤولية، ويحاول أن يكتسب خبرة كبيرة من الجيل السابق وخاصة صفة الصبر في البدايات محاولة تلو محاولة حتى يصل لمرحلة النضوج الفني والتكامل الغنائي الطربي، لا بدَّ أن يعرف أنَّ هناك فرقًا بين المقلد، والمؤدي، والمغني، والمطرب، هذه الفروقات سيكتشفها مستقبلًا من خلال أدائه الفنّي على المسرح.

أيضًا لا بد من ممارسة الموسيقى كعازف، وأن يختار آلة موسيقية مثل العود أو البيانو أو غيرهما، لتساعده على الاستماع الجيد للكثير من المقامات العربية، وغنائها بشكل علمي وليس عن طريق التقليد، لا بد من التنوع في اختيار الأغاني، وفي كل الأغاني الوطنية والكلاسيكية والطربية، من المهم جدًّا دراسة مخارج الحروف لتصل الأغنية بمحتواها سواء أكانت عامية أو فصحى.

بعد أكثر من 30 سنة في مجال الموسيقى، ما أهم درس تعلمته من الموسيقى؟

في الحقيقة سأكمل السنة التاسعة والثلاثين بعد ستة أشهر في مجال الموسيقى، وما زلت أتعلم كل يوم شيئًا جديدًا. سحر الموسيقى، سحر يأخذك إلى عالم جميل، وينقي النفس ويجعلها تسريح في عالمك الخاص. لتفكّر جيدًا كيف تكون الحياة حيث الصدق والحب والأمان. علمتني الموسيقى الصبر لتحقيق الأهداف. وأهم درس تعلمته في عملي الموسيقي؛ هو: لا يوجد نجاح دون عقبات ولا توجد طريق ممهدة للنجاح دون المصاعب، ولكن بفضل الله والصبر تعلمت في الدنيا كلّ شيء ممكن، شرط أن يكون لديك هدف وطموح نحو مستقبل الإبداع. عالم الموسيقى عالم يحتاج للصبر وفي كل قطعة موسيقية أبدأ بها؛ أشعر أنني أخوض معركة إما أن أنتصر أو أنهزم، ولا أخفيكم عندما أنتهي من قطعة للمؤلف موتسارت، أو بتهوفن. أشعر أنني منتصر في تلك المعارك الموسيقية ناهيكم عن شعوري بأنني أعيش بعالم آخر من البهجة والفرح عند ملامسة البيانو أو عندما أقود فرقة موسيقية.

كيف ترى المواهب الجديدة في معهد ثقف، وهل يمكن للجيل الجديد أن يحيي ثقافة وتراث الموسيقى السعودية ويحافظ عليها، علمًا بأن تأثير الموسيقى الأوربية والغربية كبير على الجيل الجديد.

 المواهب الموسيقية أو الغنائية التي صنعها المايسترو بمعد ثقف، هي الآن الرافد الحقيقي للوطن في كثير من المحافل، والدليل على ذلك العازفون في الفرقة الوطنية بينهم مجموعة تخرجت على يد المايسترو، وأيضا كورال ومغنون، فالتعليم الأكاديمي عمل على صقل هذه المواهب، لدينا كورال الأن يقف خلف كبار الفنّانين في المملكة وهذا كله في فترة وجيزة جدًا، ناهيك عن العازفين على باقي التخصصات، مثل: (البيانو، والعود، والكمان، وغيرها من الآلات الموسيقية). الأكاديمية التي عمل عليها المايسترو دمجت الموسيقى العالمية بالموسيقى الشرقية، ونجحنا بفضل الله لما للموسيقى الكلاسيكية من قوة على التخصص، ولما للموسيقى من إحساس جميل في العزف عند الغناء، لذلك كان هناك مفهوم الفرق بين الثقافتين، وحققنا ذلك الهدف من خلال بناء أكاديمي والحمد لله. بكل تأكيد الجيل الجديد قادر على المحافظة على التراث القديم من خلال المشاركات التي يتم فيها دمج دماء جديدة وقديمة مع بعضها، لإكساب الجيل الجديد خبرة وعراقة الماضي، فالموروث السابق غني وجميل وأصيل بكل ما تعنية الكلمة من فنٍّ، أما فيما يخص الموسيقى الغربية فهي ضرورة لكل الموسيقيين، أو المغنيين لما لها من قوة أكاديمية لتعلم الموسيقى. والتأثر بها موجود في كثير من الأغاني الآن في التوزيع الموسيقي، أو الإيقاع الغربي، هو نشاط جميل جدًا، هذا الجيل في المستقبل سيكون لديه الإمكانيات التي تجعله الأفضل بين كل الأجيال وهذا ما نتمناه وتتمناه قيادتنا حفظها الله.

إعادة تعيين الألوان