نحن نعد شيئًا رائعًا من أجلك.

أصواتُ الأذان
لقاء خاص

أصواتُ الأذان

أصواتُ الأذان

"نسمة كونية"، عمل الفنان جو نعمة، 2023.

بقلم غيداء المقرن
March 20th, 2023

فنّ الصوت هو شكل من أشكال الفنون المعاصرة، وهو أهم وسيلة تعبيرية شاعرية في يومنا هذا. يستخدمُ الصَّوت كأداة للتعبير الإبداعي، وهي طريقة مباشرة لتفاعل المشاهدين مع الفنّ، حيث يؤثر الصَّوت على مشاعر الفرد دون أي تفكير أو تفسير. إنَّ فنّ الصَّوت ليس مجرد تجربة سمعية؛ بعض الفنانين يستخدمون الصوت لمد جسور التواصل، وتجاوز العوائق بين الأصوات البيئية وبين غيرها من الأصوات العادية، كذلك الموسيقى بإحساسها المعاصر أو التاريخي. كما يبحث آخرون في الآثار السياسية والثقافية لبعض الأصوات.

يُقامُ بينالي الفنون الإسلامية بنسخته الأولى في محطة الحج الشهيرة بجدة، من 23 يناير 2023 وحتى 23 أبريل 2023، تحت شعار "أول بيت". بعمله الفني (نسمة كونية)، يلامس الفنان جو نعمة خيالنا وذكرياتنا وصميم أعماقنا، حيث يضعنا تمامًا في وسط البيئة التي جاءت منها أصوات الأذان. هذا العمل يتضمن تركيبًا صوتيًا من 18 قناة لتسجيلات مختلفة من الأذان، وقد جاءت من 18 بلدة حول العالم.

هذه الميزة التفاعلية المثبتة جمعت عدة تسجيلات لأصوات الأذان من بلدان متعددة في أوقات مختلفة. يوجد ضمن هذا التركيب اختلافات متنوعة. حيث تتضمن ما يعد أول تسجيل للأذان من المسجد الحرام في مكة من أواخر القرن التاسع عشر، وأول تسجيل من ماجيندناس في الفلبين.  ويُضفي كل من هذه الأماكن طابعه الصوتي الفريد الذي يصطحب طبيعة بيئته ومجتمعه. كما تم تصميم العمل بشكل يسمح بالاستماع لكل صوت بشكل مستقل، ويتزامن مع الأصوات الأخرى في آنٍ واحد.

جو نعمة، فنّان إعلامي ومؤلف موسيقي ومدرس، من مواليد ميشيغان بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1978. يقيم ويعمل بين بيروت ولندن، غالبًا ما تتناول أعماله الهوية، والذاكرة، وتراتبيات السلطة في تركيبة الأصوات والموسيقى. يعمل على عدة وسائط معًا من خلال الصوت، والأداء، والنحت، والفيديو. حصل جو على درجة الماجستير من جامعة نيويورك، وتم عرض أعماله وبثها على شاشات في مركز ديترويت للعلوم، ومتحف كوينز، ومتحف بروكلين في الولايات المتحدة الأمريكية، ومركز بيروت للفنون في لبنان.

"نسمة كونية"، عمل الفنان جو نعمة، 2023.
ولقد حدثنا أكثر في إثرائيات عن عمله "نسمة كونية":

 س1- ما هو الإلهام من وراء هذا العمل الفنِّي؟

أبدي اهتمامًا فعليًا بمعالم الصوت، وخاصة في الأماكن العامة. وما لدور هذا الصوت في الشعائر الدينية. فقد خرج العمل الفني (نسمة كونية) من محادثة مع أمينة البينالي - سمية فالي - عندما أشارت إلى أنه في كل ثانية من اليوم هناك أذان يصدح في مكان ما على وجه الأرض. وعلى الرغم من حقيقة أن كل أذان يقرأ نفس العبارة تمامًا، إلا أن هناك اختلافات لا حصر لها في هذا السياق. فكل ترتيل أذان يتم بشكل فريد تبعًا لكل بلد، بينما يتأثر استقبالنا لصوت الأذان حسب الظروف والمواقف التي تحدث أثناء سماعنا له، وحسب المؤثرات البيئية التي يتم من خلالها تضخيم الصوت في مدينة تعج بالحركة المرورية الصاخبة.

س 2- ما هو أسلوبك في تكوين هذا العمل الفنّي؟

أردت تسليط الضوء على البلدان والظروف التاريخية والجغرافية، حيث تقوم الظروف الاجتماعية بخلق انعكاسات جديدة وغير متوقعة على الأذان. لذا، قمت بجمع أكثر من 100 تسجيل لصوت الأذان، بعضها تسجيلات مؤرشفة، بالتعاون مع مهندسي صوت محليين لتسجيل الأذان والضواحي المحيطة ببلدان محددة حول العالم. ولما انتهينا من جمع التسجيلات، حاولنا اختيار تلك التي كان لها صدى على مشروعنا. على سبيل المثال، كان من المهم تضمين أول تسجيل على الإطلاق للأذان، من عام 1885 في المسجد الحرام في مكة المكرمة، والذي تم تسجيله على أسطوانة شمعية. كذلك كان من المهم تضمين تسجيل من مسجد السلطان في سنغافورة، والذي يعتبر أول مسجد يستخدم مكبرات الصوت لتضخيم الأذان في ثلاثينيات القرن الماضي. هناك أيضًا تسجيلات من أماكن أخرى بعيدة مثل غابة في كاجا في اليابان، أو زاوية شارع في هامترامك، ميشيغان، في الولايات المتحدة الأمريكية.

عند التفكير في كيفية تثبيت الصوت في مساحة المعرض، أردت التركيز بصريًا على المادة والتكنولوجيا المستخدمة لتضخيم صوت الأذان. لذلك بحثت في أنواع مكبرات الصوت التي تستخدمها المساجد في الغالب وكيفية تركيبها، وفي النهاية قررت استخدام مكبرات صوت ذات قطر كبير، يبلغ عرض كل منها نصف متر. تم وضعها جنبًا إلى جنب وعلى ارتفاع يسمح للمستمع بتجربة خاصة وفريدة، كما يمكن للناس الوقوف بجانب المكبرات والاستماع إليها عن قرب والشعور بها. ويتم وضع هذه المكبرات دائمًا في مكان مرتفع، فوق المآذن أو فوق الأسطح، وذلك لزيادة مساحة تضخيم الصوت المتوقعة. لذا كان من المهم أن يكون الناس على اتصال وثيق بها لخلق مساحة إنصات خاصة بهم.

ما هو الدور الذي يلعبه الصوت في عملك، وكيف تشعر أن الصوت يؤثر على الزائرين؟

يتضمن التركيب الصوتي 18 محطة، مع تصميم يسمح بتشغيل هذه التسجيلات من خلال مكبرات الصوت الخاصة بها. كما أن هذه التصاميم مدمجة بطريقة تعمل على إسماع كل صوت على حدة في ذات الوقت، وكذلك تسمح بدمج الأصوات ككل. وتبعًا للتصميم المنعكس على المكبرات الصوتية، كهيئة قوس بمساحة تسعة أمتار، فإنه يمكن للناس التراجع وسماعها جميعًا معًا، أو الاقتراب والسير على طول مكبرات الصوت لسماع كل واحدة على حدة، مما يخلق متعة مختلفة من التجربة.

كان من المهم أيضًا أن تغدو بين أجواء البيئة وأصواتها؛ هي ليست مجرد أصوات عادية فقط، إنما تشمل أصوات المدينة أو الغابة أو البحر أو فرقعة أسطوانة الشمع الأرشيفية، تلك المكبرات الصوتية على اختلافها هي انعكاس لبيئتها ومجتمعها.

"نسمة كونية"، عمل الفنان جو نعمة، 2023.
عن الفنان

س1: ماذا يعني لك الفن؟

بصفتي فنانًا اجتماعيًا، فأنا مهتم بشكل خاص بالكيفية التي يمكن للفنّ أن يجمع الناس معًا بطرق جديدة، وكيف يمكن للفن أن يتحدث عن تاريخنا وذكرياتنا ومكنوننا الفكري، بينما يرسخنا أيضًا في الحاضر ويسمح لنا بتخيل مستقبل بديل.

س2: حدثنا عن علاقتك بالموسيقى!

بدأت العزف على الطبول عندما كنت صغيرًا، وتعلمت الموسيقى العربية الكلاسيكية، ودرست أيضًا موسيقى الجاز والآلات الثقيلة. لم أتحول إلى الفنون البصرية إلا في وقت لاحق في الجامعة، إلا أن الموسيقى كانت دائمًا أساس ممارستي الفنية، وكوني قادم من عوالم موسيقية متنوعة وغنية، فإن أسلوبي العميق في صنع الفن يعرفُ سواء كان مرئيًا أو صوتيًا. باعتقادي أن الموسيقى هي ضوضاء منظمة؛ صوت له معنى، إذ يمكن لموقع البناء أن يكون عبارة عن أصوات موسيقية، كذلك صوت زامور سيارة، أو هسيس الرياح. من خلال ممارساتي الفنية، فإني أهتم غالبًا بتعقيدات الترجمة من لغة إلى لغة، وانتقال الألحان من النوتة الموسيقية إلى أصوات لحنية مسموعة، وكيفية تحفيز الحركة عبر دقات الطبول إلى رقصات متناغمة، هي كلها تؤدي إلى روابط بشرية.

س3: حدثنا عن نفسك، ومتى قمت بتأليف أول قطعة موسيقية؟

تعلمت قرع الطبول لأول مرة من والدتي عندما كنت صغيرًا. علمتني العزف على الطبلة العربية والتي نطلق عليها اسم دربكة أو دمبيك أو طبلة. وكلما تذكرت مؤلفاتي القديمة، وجدت أنها كانت في الواقع مجرد ارتجالات وأنماط إيقاعية أصنعها على الطبلة وأحفظها، حتى أني لم أكن أدونها. لم أفهم إلا في وقت لاحق، أثناء دراستي رسميًا للتأليف الموسيقي في الجامعة، أن تلك الأنماط المبكرة كانت في الواقع شكلاً من أشكال التأليف. هناك العديد من الطرق التي يمكن للمرء أن يؤلف فيها، أفكر في ذلك عند الاستماع إلى ابن أخي البالغ من العمر 4 سنوات وهو يؤلف الأغاني أثناء العزف؛ ويبدو له كأمر طبيعي.

س4: حدثنا عن فنّك أكثر، وعن المواضيع التي ترغب باستكشافها.

إن مهنتي لها طابع تعاوني كبير، وترمز إلى الفن الاجتماعي. غالبًا ما تركز على القيمة الاجتماعية للموسيقى والصوت، وفي بعض الأحيان تكون  مشاريعي بحثية مكثفة، وتتكشف أطوارها على مدار سنوات. على سبيل المثال، أعمل حاليًا على درجة الدكتوراه في جامعة أكسفورد التي تبحث في تاريخ دور الأوبرا وصداها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. في الواقع، هناك تاريخ طويل وغني في هذا الجانب في المنطقة، ولست مهتمًا كثيرًا بالموسيقى التي تعرض في هذه المسارح، لأنها تتعلق أكثر بالمباني نفسها، وعلاقتها بالمدن والثقافة التي هي جزء منها.

س5: ما هي بعض أعمالك التي قدمتها سابقًا وتشعر أنها تركت أثرًا؟

أشغل حاليًا مهنة فنان لدى London Borough of Barking & Dagenham، أعمل داخل الحكومة لبدء محطة إذاعية مجتمعية. هذا هو المكان الذي قابلت فيه سمية، المنسقة الداخلية في جناح سيربانتين، التي صممتها في عام 2021؛ كما قامت بتضمين 5 قنوات بثِّية للجناح الذي سيقدم في مواقع مختلفة في جميع أنحاء لندن، كان مقر أحدهم في مكتبة عامة في داغينهام، تسمى محطة بث Becontree، والتي أقوم بإعدادها وتشغيلها. كان التأثير هائلاً، حيث إنني أعمل بين المجتمع والحكومة المحلية، لتقديم ورش عمل للتدريب على المهارات للأشخاص المهتمين بإنشاء الإذاعة أو البودكاست، وكذلك تسليط الضوء على المناسبات المحلية والأحداث المهمة، وابتكار منصة مفتوحة للتعبير المجتمعي.

س6: ما هي خططك المستقبلية، والمشاريع الحالية التي تود أن تخبرنا عنها؟
أعمل غالبًا على مشاريع بحثية طويلة، فقد استمر مشروع الأوبرا الخاص بي منذ عام 2017. وهناك مشروع آخر بعنوان Automobile، وهو عرض بدأته في عام 2011 في بيروت باستخدام سيارات مزودة بأنظمة صوت مخصصة ومجهزة. نقوم فيها بجمع حوالي 10 سيارات أو أكثر في موقع مخصص، ونوصلها جميعًا بواجهة صوتية، حيث يسمح تصميها بعمل مزيج صوتي مباشر من خلال أنظمة صوت السيارة، مع تشغيل صوت كل سيارة على حدة بشكل متزامن، فيخلق تجربة صوتية غامرة من 10 قنوات مع أنظمة صوتية ثقيلة. لقد أجريت حتى الآن 9 تجارب لهذا الأداء في مدن مختلفة حول العالم، في بيروت، مانهايم، ألمانيا، مونتريال وتورنتو، كندا، لندن، المملكة المتحدة، جوانجو، كوريا الجنوبية، أبو ظبي، ومؤخرا في الشارقة في نوفمبر الماضي. كما أعمل حاليًا على الإصدار العاشر لبروكسل الذي سينطلق في مايو القادم.

"نسمة كونية"، عمل الفنان جو نعمة، 2023.

س7: ما هو شعارك الذي تحيا به؟

"الأمواج تلوح بالفعل..." هي واحدة من الاقتباسات المفضلة لدي الآن من قبل الملحن بولين أوليفيروس، قرأته على أنه يتعين علينا الاستفادة من التيار المحيط بنا، وأن نكون أكثر تعاطفًا مع بعضنا البعض ومنجذبين لبيئتنا، مدركين لهذا الكوكب، مع تناغمه الواقعي. هناك الكثير من الضوضاء والمشتتات التي تمنعنا، لذا استخدم كل ما تستطيع إيجاده لمساعدتك في فهم هذا التناغم.

س8: هل هناك من تقتدي به وعمل على إلهامك؟
 

كنت محظوظًا لأن لدي الكثير من النماذج الرائعة في مساري كفنّان، وغالبًا ما أفكر في أولئك الذين مهدوا الطريق لي لأقدم ما أفعله. أدين بشكل خاص للملحن المصري الأمريكي اللامع حليم الضبه، عراب الموسيقى الإلكترونية الأفريقية. لقد أثر فيَّ كمرشد، له أسلوب صوتي خاص ترك أثره الذي ظهر في أعمالي. كانت طريقة تفكيره في الموسيقى والصوت ثورية للغاية وسابقة لعصره. يُنسب إليه الفضل في اختراع أول مقطوعة موسيقية إلكترونية عام 1944 في القاهرة. واصل إبداعه وابتكاره حتى وافته المنية في عام 2017. لقد كنت محظوظًا لأنني تمكنت من الوصول إلى أرشيفه على مدار السنوات القليلة الماضية، والتي تعدُّ مصدر إلهام دائم ومدهش لمؤلفاته وملاحظاته ورسوماته.

س9: ما النصيحة التي تقدمها للموسيقيين؟

أنا أتعلم منهم! أهم شيء أود التأكيد عليه هو أهمية الترابط الاجتماعي.

س10: كيف تغير المشهد الموسيقي في الشرق الأوسط خلال العقود القليلة الماضية؟ في المملكة العربية السعودية تحديدًا؟

هذا هو السؤال المهم. كفنان أعمل مع الصوت كفن، والآداء في بيئة الفنون البصرية بشكل أساسي، يظهر لي أن المشاهد الأصلية للفن المعاصر تغيرت بسرعة كبيرة. لست متأكدًا إن كان هذا أمرًا جيدًا، لكن هذا ما أصبح الفن عليه. ويبدو أن كل شيء يتغير بسرعة كبيرة، لا أبالي بإلقاء نظرة على التوجهات، يمكنني فقط أن أفعل ما أستطيع فعله، ولا يمكن لي أن أكون أي شيء آخر سواي! 

بينما يلهمني كل جديد من الموسيقى ومن أعمال الفنانين أيضًا، واحدة من عيوبي المفضلة الآن هي مشاهدة عازفي الطبول على تيك توك. أقوم بمتابعة برنامج إذاعي شهري على راديو الحارة، يسمى إيقاع x إيقاعي، مخصص لطبلة تيك توك وجلسات قرع الطبول العربية التي ينشرها الناس، باعتقادي أنه هذا هو مستقبل الموسيقى، ولا أمانع هذه الفكرة أبدًا.

إعادة تعيين الألوان