موسيقى الأفلام، إلهام المشاعر والذكريات
المؤلف الموسيقي بيتر عطا، مع خلفية مشروعه الأخير لإثراء "حادي العيس"
قصة حياة الإنسان هي الوثيقة الحقيقية للزمن.
إن جيناتنا مذهلة فعلًا، إذ كيف لشخص يافع أن يكون حافلًا بكل هذا التاريخ؟
يبدو أن حياتنا لم تعد خاصة بنا بعد الآن. كما لو كان هناك وعي عميق يوجِّه كل شيء. نعم، التجسيد المادي يتغير من وقت لآخر، ومن جيل لجيل. لكن الهدف والمعنى يبقيان على حالهما لكي تتكشف الروح بوعي وتتطور! يبدو أنه وعي يتحدث إلينا ومن خلالنا في جميع الأوقات.
كان لي شرف إجراء حوار واستكشاف تجليات الروح الحاضرة في عصرنا، الروح التي تعيش لتعبر عن ذاتها. والتعبير أعظم هبة في كل الأوقات، هي فرصة حقيقية واعية للمشاركة في تأثير الحياة على شخصيتنا لتظهر تكوينها ومحصلاتها. إنها طريقة قيمة للمشاركة كما يزعم البعض. وهذا يذكرنا، أن الغاية ليست مجرد تحقيق هدف، إنما العيش بشكل أصيل هي الطريقة التي تحقق بها هدفك.
"بالنسبة لي الفنّ هو الحياة مع العاطفة والحب، وترجمتها لشيء ملموس يمكن للغير تجربته والاحساس به".
بيتر عطا، ملحن ومنتج موسيقي، فنّان يؤمن أن الجميع فنّانون. حتى لو لم يكونوا موسيقيين أو رسامين، فكل شخص هو شكل من أشكال التعبير والتأثير والإلهام، هذا هو كل ما يتعلق بالفنّ بالنسبة لبيتر.
ترعرع بيتر بين عائلة فنّية؛ والدته معلمة موسيقى، ووالده منتج موسيقي، كما كتب وأخرج مسرحيات موسيقية للأطفال. بالنسبة إليه، الموسيقى هي حياته. حدثنا كيف كان الأطفال في سنه يلعبون بالألعاب والكرات، بينما كان هو يلعب على الآلات ويختبر أصواتها. حتى الاجتماعات العائلية والاجتماعية عادة ما تتحول إلى جلسات تعجُّ بالمحبة والحياة. كما وضّح أيضًا كيف بدأت علاقته بالموسيقى قبل ولادته بفترة طويلة، وقال: "حقيقة ممتعة، عندما كانت والدتي تتوقعني، اعتاد والدي العزف لنا على الجيتار. حسنًا، لا أعرف ما إذا كان لذلك تأثير علي، ولكن هذا ما أخبروني به".
شعور بالحنين إلى الماضي طغى على حديثه، والذي بدأ يصبح منطقيًا كلما عرفنا أكثر عن بيتر. ولد بيتر ونشأ في لبنان، وهنا بدأت علاقته بالموسيقى. عندما كان يبلغ من العمر 15 عامًا تقريبًا، اعتاد على كسر القواعد في أثناء دروس البيانو، حين أراد تعديل أو إضافة شيء خاص به إلى المقطوعات الموسيقية الكلاسيكية. ذات مرة، اضطر والده للذهاب في رحلة عمل عندما كان بيتر في سن السابعة عشر. لذلك، طلب من بيتر أن يكون مسؤولاً عن الاستوديو الخاص به، وأن يخبر عملاءه أنه في رحلة عمل، وهذا كل شيء. حينذاك، لم يكن بيتر يعمل مطلقًا في الاستوديو. وأثناء غياب والده، وجد نفسه يقضي المزيد والمزيد من الوقت في تجربة الموسيقى. ذات يوم، تلقى بيتر مكالمة من عميل جديد، وبدلاً من إخباره أن والده في رحلة عمل كما طُلب منه، قال له: "إي نعم، كيف ممكن أساعدك؟"... وهكذا، قام بيتر بتأليف أول مقطوعة موسيقية له، لرقصة تم عرضها في مدينة زحلة حيث مسقط رأسه. كانت القطعة عبارة عن تكوين أوركسترالي معاصر، وهكذا وقع في حبِّ هذا النوع من العمل.
من وجهة نظر بيتر عطا، فإن تأليف الموسيقى كأنك تعيش على كوكب مختلف. حالة من التدفق! يقول على حد تعبيره: "إنها ضوضاء إلى أن تكون شيئًا ما"، بالنسبة له كانت الموسيقى مخصصة دائمًا للتعبير، لكن في الآونة الأخيرة، لم يكن الأمر كذلك: "لقد كانت أداة للتغيير". لطالما حلم بيتر بإقامة حفلات موسيقية كبيرة في لبنان والمملكة العربية السعودية، لكنه أوضح: " لديّ الآن وقت أقل للتركيز على نفسي، ووقت أكثر لتقديم المشاريع".
عندما سُئل عن مثله الأعلى، كان رحمن من بين أسماء عديدة ممن ألهموا بيتر، وذلك "للطريقة التي يبرز بها أيضًا تراثه الهندي في موسيقاه"، وأيضا الأسطورة هانز زيمر، "لأنه دائمًا ما يغرد خارج الصندوق الرتيب، وخلق مسارات جديدة ليتبعها العديد من مؤلفي الأفلام.
إنه ليس من المؤلفين الكلاسيكيين للموسيقى، إنما يصنع عوالم جديدة، وهذا ما أحاول تعلمه وصنعه بنفسي. إنه يلهم مؤلفي الموسيقى الحديثين، ومن بينهم أنا، كون موسيقاه، وأصواته أو تقنياته ليست عادية، وهذا هو التغيير الذي أود أن أكونه وأراه". يعمل بيتر الآن على فيلم روائي طويل مشوق، وذلك من خلال استكشاف طرق لصنع قطعة موسيقية تشويقية والتي لا تشبه الموسيقى العادية. مشيا على خطى هانز زيمر، يقوم بيتر بتجربة استخدام قوس الكمان على العود لتحقيق غايته.
بيتر عطا
بالطبع يتطلب الأمر كسرًا للقواعد حتى تصبح مؤلفًا موسيقيًّا. ولما سألناه عن شعاره في الحياة، شاركنا قوله: "على الصعيد المهني: تعلم القواعد كأنك محترف حتى تستطيع كسرها مثل الفنّان- بيكاسو؛ أي بمعنى لا تقم بفعل الأمور العادية، التي يظنها الناس أنها الصواب، إنما أضف لمساتك، افتح طريقًا جديدة، واصنع شيئًا مختلفًا، مع ذلك، تحتاج إلى تعلم القواعد حتى لا تقلل من أهمية الحرفة وتاريخها".
وأضاف: "أما على الصعيد الشخصي: كن التغير الذي ترجوه في هذا العالم. جرب خطوة واحدة من التغيير على نفسك، وسيكون تأثيرها مضاعفًا. كل ما يمكنك فعله لدعم فكرتك، فقط افعله! ويمكن أن يكون ذلك على صعيد المهنة أيضًا. فكّر على سبيل المثال، أنا التغيير الذي يحدث في المملكة العربية السعودية والشرق الأوسط، لفتح طريق جديد لجيل المستقبل، كيف؟ حسنا، الدَّحة لها موسيقاها التراثية المعزوفة بطريقة معينة وانتهى! لم يسمعها أحد مع الأوركسترا في موسيقى حديثة. نعم إنها من التراث ونحن سنحترمها، ولكن يمكننا كذلك إغناؤها وإضافة قيمة إليها".
في الوقت الراهن، ثمانون بالمئة من عملاء بيتر يقصدونه لهذا الهدف. وأضاف: "حتى مع النشيد الوطني"، "لطالما كنت فخورًا لأن أتيحت لي الفرصة لإعادة ترتيب النشيد الوطني السعودي أكثر من 15 إلى 20 مرة حتى الآن لمشاريع مختلفة وكل منها مختلف تمامًا.
داخل الاستوديو الموسيقي لبيتر عطا.
فنٌَ، وعمل، ومقتنيات، من داخل منزل بيتر عطا.
لكن إحداها على وجه الخصوص كانت مهمة جدًا بالنسبة لي، لأنها كانت المرة الأولى التي أعمل فيها مع أوركسترا فيلهارمونية كاملة في أوروبا، وكان ذلك لحفل افتتاح كأس المملكة العربية السعودية في عام 2021، والذي أقيم بحضور صاحب السمو الملكي؛ الأمير محمد بن سلمان آل سعود، ولي العهد ورئيس الوزراء السعودي. وهذا يدل على مدى استعداد السعودية لتخطي الحدود بامتنان! مع أنه لم يكن هذا الحال في عام 2016 حين كنت أعيش في المملكة العربية السعودية. كم أحب العمل مع ثقافتنا وشعبنا، وهذا ما دفعني للعودة والعمل مع السعوديين. على الرغم من أنني مقيم في الولايات المتحدة الآن، إلا أن 90٪ من عملي قائم في المملكة العربية السعودية ومساهم معها. لا أستطيع تجاهل هويتي وموطني. الموسيقى العربية بداخلي وهذه هي ميزة تحسب لي. لذا، أنا لست مثل أي ملحن في هوليوود، لا يقدم الكثير من الناس ما أقدمه، مما يدفعني أكثر للقيام بالمزيد".
وفقًا لبيتر، مع تلقي صناعة السينما الكثير من الاستثمار في المملكة العربية السعودية، ستنشأ العديد من الفرص للموسيقيين ومنتجي الموسيقى والملحنين ومهندسي الصوت والمصممين وجميع أنواع الوظائف الأخرى. كما أشار إلى ظهور استوديوهات مثل مرواس ومهرجانات مثل ميدل بيست، حيث يشرح كيف يتغير المشهد الموسيقي في المملكة العربية السعودية. ينصح بيتر الموسيقيين الشباب بمراقبة مثل هذه الفرص، ولكن الأهم من ذلك، أن يتذكروا أن العمل الجاد والتفاني وتقدير العلاقات هو المفتاح الحقيقي لأي نجاح.