نحن نعد شيئًا رائعًا من أجلك.

صوتُ البَحْرِ
واحاتٌ فنية

صوتُ البَحْرِ

صوتُ البَحْرِ

الهيرات، عمل الفنان منير الحِجّي، بإذن من الفنان.

بقلم حسن الباذر
March 20th, 2023
"قلب الإنسان يشبه البحر إلى حدٍ كبير، له عواصفه ومدّه وجزره، وفي أعماقه قد تجدُ لآلئه أيضًا".

فينسنت فان جوخ

قديمًا، كانت لقمة العيش مقتصرةً على أن يحمل النّاس أفئدتهم بين ظهرانيهم ويقدّموا أثمن التّضحيات. عندما حبس أجدادنا أنفاسهم على ساحل الخليج العربي متحدّين الطبيعة الصمّاء رغم الصعاب. مبتعدين لفترات طويلة عن أحبتهم وعائلاتهم، باحثين عن أرزاقهم تحت حرارة الشمس والأمواج المتلاطمة في خليج مضطرب.

شرعوا وهم في مقتبل العمر باحثين عن ثروات تفوق قدراتهم، ونادرًا ما ارتقت المكافأة إلى مقدار التضحية. قاموا بالغطس بين لجج البحر وارتموا إلى أعماقه تحت حرارة الطقس وفي نَفَسٍ واحد، التقطوا ما يمكنهم العثور عليه من الأصداف الحاملة للذهب الأبيض. يقوم الغواص بالغطس تحت الماء لـ50 مرة في اليوم الواحد في حال كان الجو مناسبًا، أما إذا كان الماء شديد البرودة، فيتراوح عددها من 10 إلى 20 مرة.

 يؤخذ اللؤلؤ وقت ذاك ليتم بيعه في السوق الحرة في الهند وأوروبا، مزيّنًا أعناق النبلاء والأثرياء دون الالتفات إلى الآلام التي تركها ورائه. وهكذا غنّ القلوب المفطورة لرجالها وأبنائها الذين خرجوا إلى البحر عندما يحل موسم (القِفال) وهم لما يعودون:  

 

النّهام، عمل الفنان منير الحجي، بإذن من الفنان
الفرضة، عمل الفنان منير الحجي، بإذن من الفنان
الطوّاش، عمل الفنان منير الحجي. بإذن من الفنان.

يا نوخذاهم لا تصلّب عليهم
وترى حبال الغوص قصص ايديهم
و يا ليتني دهينه وادهّن ايديهم
و يا ليتني خيمه واخيّم عليهم

اغنية توب توب يابحر
اغنية توب توب يابحر

عودة المهنّا من الفيلم الكويتي بس يا بحر (1972)

الرَّكْبة ، عمل الفنان منير الحجي، بإذن من الفنان. 
القِفال، عمل الفنان منير الحجي، بإذن من الفنان. 

انسدلت الكلمات من أعماق القلوب المجروحة في ألحانٍ يحاكي إيقاعها هدير البحر، متبوعة بالتصفيق الذي يعكس طقطقة المياه على سطح السفينة. في حفيفٍ حزين من الأمنيات، تنطلق الأغنيات بعذوبة وصفاء من صدور الأحبة والأمهات المنتظرين الذين يتوسلون البحر العاتي ألا يسلب حياة أعزائهم، ويستميلون قباطنة السفن أن يكونوا أكثر لينًا مع أبنائهم اليافعين الذين خرجوا إلى البحر، على الرغم من نعومة أظفارهم في هجير صيف حارق، موسم اللؤلؤ الكبير على شواطئ الخليج يبدأ في مايو وينتهي في سبتمبر.

ارتفع سعر اللؤلؤ خلال القرن التاسع عشر، ومعه توسعت التجارة، وازداد الطلب على الغواصين المهرة إلحاحًا، ولا ضير إن كانوا عبيدًا أو محليين أحرار. تضاعفت نسبة صادرات البحرين من اللؤلؤ إلى أكثر من 800% بين عامي 1872 و1906م. وتشير التقديرات إلى أنه في ذروتها في عام 1912م والذي سُمّي بعام (الطّفحة)، لكثرة اللؤلؤ وتجاوز المتوقع من أرباحه، كان ما يقارب ربع السكان في جميع أنحاء ساحل الخليج العربي يرتبطون بتجارة اللؤلؤ.

المرسى، عمل الفنان منير الحجي، بعدسة حسن الباذر.
الغوص، هو شجون وثروة من القصص، لم نعايشها داخل البحر كالأجداد وإنما رويت لنا وحملناها في وجداننا.
منير الحِجّي
الفنان منير الحجي. بعدسة حسن الباذر.

وهنا نلتقي بالفنّان المحلي القدير وغزير الإنتاج، الأستاذ منير الحِجّي، والذي أبحر في غِمار الفن، بعيدًا عن ملوحة المياه وتلاطم الأمواج. فاستوعب بأعماله تراث أجداده وأقاربه وجيرانه، وتشرّب أصداء حكاياتهم وهمسات تجاربهم في قطعٍ فنّيةٍ خالدة. حيث تمثلت تلك اللحظات المتواترة بين القاطنين على شواطئ الخليج العربي في أعماله، فكانت تذكارًا لمن قضى حياته بأكملها رهن عطائه من غواصين، وبحارة، والأهالي، الذين واكبوا كفاح الخارجين إلى لجج البحار بما دفعوه من لهفة صلواتهم وباهظ صبرهم وانتظارهم. ليحيي الأستاذ منير ذكراهم وتراث مسقط رأسه وجذور صيد اللؤلؤ فيها بما حملته من آلام وثروات وعلاقته العذريّة بشواطئ الخليج العربي.

قال منير عن البحر "هو جزء من حياتي. منذ أن وعينا على هذه الحياة؛ خلفنا النخيل وأمامنا البحر".

نشأ منير على ساحل القطيف، ولديه ذكريات جميلة وثمينة عن الرمال الذهبية الناعمة والأمواج الكسلى. يحمل في صدره رائحة البحر المنعشة، وذكريات الطفولة السعيدة عندما اقتطف ثمار المانغروف مع أقرانه للعب. ينظر إلى البحر كجزءٍ ثابتٍ من هُويّته وكينونته. أنفاسه نسيمٌ عذب، وزُرقتهُ حياة، وأسماكه خيرٌ ونعمة، ولؤلؤه ثروةٌ وجمال. انضموا إلينا لنستعرض بعض أعماله الفنية الرائعة، ونتأمل في تفاصيلها معًا.

سالفة الغوص، إحدى اعمال الفنان منير الحجي، بعدسة حسن الباذر    
ورشة عمل الفنان منير الحجي. بعدسة حسن الباذر.   
إعادة تعيين الألوان