طارق عبدالحكيم، فنّان وموسيقار سعودي
الفنان والموسيقار طارق عبدالحكيم
طارق عبدالحكيم فنان وموسيقار سعودي
هل تعرفون من هو مطور الموسيقى الوطنية بدءًا من المارش العسكري وحتى النشيد الوطني؟ ومن هو مجدد التراث الشعبي الذي ساهم في حفظه من النسيان؟ ومن كان له الفضل بنقل الموسيقى السعودية من مرحلة اللحن السماعي إلى مرحلة النوتة الموسيقية المكتوبة على أسس علمية صحيحة؟ ومن هو أول من أسس الفرقة الموسيقية للجيش السعودي، والمتحف الموسيقى العسكري في الرياض، ومعهد الموسيقى والتربية البدنية التابع للأمن العام، والجمعية العربية للفنون، وغيرها من المعاهد والجمعيات والفرق الثقافية؟
أو كيف كانت بدايات الموسيقى الحديثة بالمملكة، ومن كان وراء أغاني سعودية خالدة مثل: (أبكي على ما جرا لي يا هلي)، أو أغنية (لنا الله)، أو أغنية (يا ريم وادي ثقيف)؟
نشأت البدايات على يد ثلة من كبار الفنانين الطموحين بمواهبهم المتعددة، كانوا بشغفهم وإبداعهم المتواصل يضعون لبنة الأساس للموسيقى السعودية الأصيلة. وعلى قمة هؤلاء المبدعين ابن الطائف طارق عبدالحكيم الطويرقي (1918-2012)، كان مُلحّنًا ومُغنيًا وباحثًا في الموسيقى ومؤلفًا ومؤرخًا يجمع الوثائق والآلات الموسيقيّة، ومُهتمًا بالفنون الفلكلورية وقائدًا لفرقة موسيقية، من مواليد 1918، وأحد أعمدة الفن على الساحة السعودية والعربية أيضًا، كما ذاع اسمه على مستوى العالم، حيث حصد جائزة اليونسكو الدولية للموسيقى عام 1981، وبذلك يعد سادس رجل عربي يحصل على هذه الجائزة؛. ويعود إليه الفضل في إنجاز التوزيع الموسيقي الجديد للنشيد الوطني السعودي. كما شغل الطويرقي منصب رئيس المجمع العربي للموسيقى في جامعة الدول العربية لمدة دورتين متتاليتين.
تعود بدايات أعمال طارق عبدالحكيم الفنية لباكورة الدولة السعودية الثانية، حيث بدأ حياته المهنية في الجيش أثناء تدربه في مصر، مما جعلها نقطة مفصلية في مسيرته المهنية، كان قرار التحاقه بالجيش في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي، هو بداية التحول في مهنته لينطلق نحو شغفه الأول في الموسيقى السعودية. على الرغم من عدم حماسته حينها للعمل العسكري، إلا أنها كانت المدخل الوحيد لكي يبدأ دراسة الموسيقى، وبفضل ذلك أصبح أول وكيل مدفعية سعودي يجيد قراءة السلم الموسيقي وأول سعودي يدرس الموسيقى العسكرية، بعد أن ابتعثه وزير الدفاع “منصور بن عبد العزيز” لدراسة الموسيقى في مصر عام 1952. وبعد أن تخرج طارق عبد الحكيم من معهد الموسيقى العربية في مصر، أمضى أثمن أوقاته في تلك البلد، ليشهد الكثير ويتعلم الكثير من الموسيقيين المصريين، حتى أنه التقى بـأم كلثوم في إحدى المرات.
وبعد أن عاد إلى بلده، قدَّم أعمالًا زاخرة في مجال الموسيقى العسكرية، من ضمنها توزيعًا جديدًا لألحان السلام الوطني، وأسس معهدًا موسيقيَّا للجيش، وشكّل فرقًا موسيقية عسكرية تعزف على النوتة وتلحن الأناشيد الوطنية، إضافةً لتأسيسه “متحف الموسيقى العسكرية” في الرياض، ومعهد موسيقى الأمن العام، والجمعية العربية للفنون، كما عُيّن مشرفًا عامًا على موسيقى الإذاعة.
يعود الفضل لطارق عبد الحكيم في تطوير الأغنية السعودية بشكلها الفنِّي، ليحطم بذلك أرقامًا قياسية تاركًا أثرًا لا يمكن تجاوزه. أنجز عبدالحكيم خلال مسيرته ما يقارب من ال 500 لحن، وغنَّى منها ما يقارب 104 مطربًا ومطربة من كافة أنحاء العالم العربي، كأمثال: هيام يونس، وديع الصافي، نجاة الصغيرة، وصباح. وأثمر تعاونه مع قرابة 157 من الشعراء والكتّاب، وقدم حوالي 104 أناشيد وطنية، مع إضافة تعديلات وتحسينات على ألحان السلام الملكي السعودي، كذلك قدم 36 نشيدًا عن حرب الخليج، و17 أوبريتًا تاريخيًا ودينيًا، و10 سمفونيات، و11 مقطوعةً موسيقية. هذه الإنجازات لم تكن مجرد أرقام عابرة، لكنها كانت الأساس المتين لتأسيس وتشكيل الأغنية السعودية الحديثة.
نجح طارق عبدالحكيم في اكتشاف الأغنية السعودية التي بدأت من انطلاقة تاريخية، حيث ألحان السلام الملكي السعودي، لتصبح فيما بعد اللحن الخاص بالسلام الوطني لمؤلفه ابراهيم خفاجي في عام 1984.
لم يكن طارق عبدالحكيم مؤلفًا وملحنًا ومغنيًا فقط؛ لكنه كان مدرسة موسيقية بحد ذاته، فكان بمثابة الأب الروحي لفناني المملكة الرواد الذين تتلمذوا على يديه وتعلموا منه الكثير، مثل: طلال مداح، ومحمد عبده، الذين أصبحا بدورهما أسماء خالدة في الثقافة السعودية الموسيقية.
كان طارق عبدالحكيم محبًا لثقافته بشتى أنواعها فتعددت مواهبه وإسهاماته الفنية والثقافية، لم تكن انجازاته في إنتاج الموسيقى فقط، إنما أثرى مجال الموسيقى السعودية بالكتب والدراسات التي نشرها لتوثيق ودراسة الموسيقى بالمملكة، فقام بتأليف 10 كتب معنية بدراسة التراث الموسيقي والفلكلوري بالمملكة العربية السعودية، مثل كتاب: "أشهر الفلكلورات الشعبية بقواعدها ونظرياتها الموسيقية في المملكة العربية، 1980"، وكتاب: "الأنغام الخفية في الصحراء العربية، 1971"، وكتاب: "قواعد الموسيقى ونظرياتها،1981".
طارق عبدالحكيم من مؤسسي الثقافة الموسيقية بالمملكة، تركت أغانيه وإسهاماته أثرًا طويلًا لا يمكن للحركة الفنية الموسيقية أن تنشأ من دونها. فكانت أغانيه أكثر من مجرد أغاني عادية، كونها تحمل عناصر مهمة من تكوين الهوية السعودية الحديثة.
تغنى عدة أجيال بأغانيه وتبنى ألحانه الكثيرون حتى يومنا هذا، وأصبحت أغانيه خالدة واستثنائية لكل فرد سعودي.
كانت أغاني طارق عبدالحكيم وما زالت، جزءًا من الذاكرة الصوتية في المملكة. عاش شغوفًا بالموسيقى والطرب السعودي الأصيل، فهو من مؤسسي الأغنية السعودية والمروجين لها حول العالم، حتى في أيامه الأخيرة كانت وصيته لا تخلو من حرصه على الثقافة الموسيقية بالمملكة، فكتب في وصيته: "أهدي مكتبتي الفنية الموسيقية لأبناء بلدي من الفنانين والموسيقيين، وللمهتمين بالحقل الفني الموسيقي من أبناء العالم العربي، وأوصي أبنائي بالمحافظة على التقاليد العربية والإسلامية، والإبقاء على كل ذكرى عطرة تركتها لهم، والمحافظة على مؤلفاتي التي هي جزء مني، وللتاريخ أقول إن الفنّ مرآة الشعوب، ولا تُعرف أمّة إلا بموسيقاها، كما أرجو أن تبقى إدارة الفنون الشعبية علامة بارزة في خطة رعاية الشباب التي غرس تطورها مولاي جلالة الملك فهد بن عبدالعزيز".
وتكريمًا له وتخليدًا لذكراه ولإرثه الفني العظيم، قررت وزارة الثقافة افتتاح متحف يحتوي على مقتنياته من أرشيف ومتعلقات طارق عبدالحكيم الشخصية، من آلات موسيقية، وأسطوانات لتسجيلاته، وألبومات صور، وبعض المقطوعات الموسيقية لكبار المطربين العرب، مثل: أم كلثوم، وعبد الوهاب.
إلى جانب الوثائق البصرية والصوتية لطارق عبدالحكيم وهو يقدم مؤلفاته مع آخرين، تم استعراض مؤلفاته الموسيقية من الأناشيد الوطنية وغيرها. ينقسم المتحف إلى قسمين رئيسيين أولهما يستعرض التاريخ الشخصي للفنان الراحل، والثاني سيكون مركزًا للأبحاث الموسيقية وسيشمل مقالات وكتابات عن الموسيقى السعودية بالإضافة إلى بحوث عن موسيقى العالم العربي، كما سيخدم الباحثين الموسيقيين الذين يتطلعون إلى توسيع معرفتهم بالموسيقى العرقية والقومية.
من المقرر افتتاح المتحف في قلب البلد التاريخي بجدة، ليصبح جزءًا من البيوت الثقافية الأخرى في المنطقة، والتي تحتفي بتراث المملكة وفنونها المتنوعة.