تكريم شاعر الحب في ذكراه المئوية

يقول هذا الشاب البالغ من العمر 50 عامًا ممازحًا، والذي يعيش في دبي مع أسرته منذ بضعة عقود: "ربما أكون الرجل العربي الوحيد الذي لم يستخدم قصائد أبي الرومانسية لجذب زوجته".

بعد استطلاع ما يفضله معجبو نزار قباني من قصائده، تم نشر مختارات شعرية مبوبة من خلال داري نشر نوفل وهاشيت في بيروت قبل سنة، وطبعت في أربعة مجلدات، هي: لا شيء إلا العشق، هي في قصائده، عاشق الكلمات، نار الثورة.

يعطي كل عنوان لمحة عن تلك القصائد المختارة في كل مجلد. كما قدَّم الكتب مؤلفون وشعراء أحبوا نزار قباني، ومنهم: الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي، والشاعرة البحرينية بروين حبيب، والمغنية اللبنانية ماجدة الرومي، والشاعر المصري هشام الجخ. هذه القصائد ليست جديدة، إلا أنها مجموعة مختارة من شعر قباني الخالد. يقول الناشر: "لقد ترك الشاعر الراحل وراءه العديد من الأعمال التي مثلت مرجعية وتراثًا لجميع العرب".

تتضمن المجموعة مجلدًا مخصصًا للقصائد التي تدور حول النساء، والتي قدمته المطربة الأسطورية ماجدة الرومي، حيث غنَّت بعض أعمال الشاعر الراحل. الذي قال عنها: "أحببت أفكارَها وصفاءَ ذهنها قبل أن أحبَّ صوتَها، تُشبهُني في أعماقي كثائر. تشعرُ بالكلمة وتفهمُها على نحوٍ لافت".

ولد أمير الشعراء الأسطوري في دمشق في 21 مارس 1923 (وهي مدينة غالبًا ما يشار إليها باسم "أمه")، وتوفي متأثرًا بالمرض في لندن، عن عمر يناهز 75 عامًا، في 30 أبريل 1998، بعد سفره طوال حياته كدبلوماسي وفنًان وشاعر وكاتب.

تم تكريم قباني في عام 2016 في يوم ميلاده من قبل موقع غوغل، كشعار مبتكرٍ على صفحتها، ومن المثير للانتباه أن هذا اليوم هو يوم الأم كذلك في العالم العربي. كما يُعرف الشاعر السوري أيضًا باسم "شاعرة المرأة" و"شاعر الحب". ومن زاوية أخرى، كان يحمل قضايا مهمة، مثل: الدين، والتاريخ، والقومية العربية، وقد أضحت كلماته الحكيمة كصدىً، لها وقعها وأثرها اليوم، فسُطِّرت مثلًا:

يقول عمر عن واحدة من الأشياء المقربة إليه بفضل تأثير أبيه: "الضوء أكثر أهمية من المصباح"، كما يقول: "ألتقي على الدوام بأشخاص يخبرونني كيف ألهمهم شعر والدي، ولامس قلوبهم، وساعدهم على رؤية الحب بشكل مختلف، وحتى القليل ممن استخدموه؛ ساعدهم على إغواء زوجاتهم قبل الزواج"، ثم  يضحك: "إن قصائده تضرب على وتر حساس وتبقى صالحة لكل زمان، لأن والدي حرّر الحب، إذ لم يكن الحديث عن الشهوة في ذلك الوقت ممكنًا، كان شيئًا من العار، ولم يكن الإعجاب الجسدي إلا في الخفاء، لذا قام والدي بتحريرمعنى الحب كشيء جميل".

جاءت إحدى نقاط التحول في حياة الشاعر عندما كان يبلغ من العمر 15 عامًا، لحظة انتحار أخته في الخامسة والعشرين من عمرها، رافضة الزواج من رجل لا تحبه.

انطلاقًا من هذه الحادثة، ولدت بعض أشهر أقوال قباني: "إنّ الحبّ في العالم العربي سجين وأنا أريد تحريره، أريد تحرير الحس والجسد العربي بشعري، إنّ العلاقة بين الرجل والمرأة في مجتمعنا عقيمة".

هي أشعار بسيطة صارت في متناول جمهور واسع، مع مزيج من الإحساس العميق والفهم الراقي، كما تتخلل تلك الكلمات فلسفة العقل، كما تفانت كلمات نزار قباني في تغيير العالم من حولها. إنها تلهم شعور الحب للذات وللآخرين، وفيها تقدير عميق لأبسط الأشياء، كرائحة زهر الياسمين...

لقد خلَّد نزار بأشعاره الياسمين وعطره، ورسم بكلماته ما يساعدنا على الرؤية من خلال أحاسيسنا المختلفة. استطاع من خلال قصيدة واحدة، تتويج زهرة حيِّ متواضعة، وجعلها سفيرة عطر خالدة لعاصمة سوريا، لتعرف باسم (مدينة الياسمين).

يتذكر عمر: "كان والدي يستيقظ في منتصف الليل، يكتب بعض الأسطر الشعرية على علبة المناديل على سبيل المثال، ثم يعود إلى النوم". أحب والده الطبيعة، كما أحب الاستماع إلى مجموعة متنوعة من الموسيقى مثل الكلاسيكيات والجاز، وحظي باستكشاف مختلف مطابخ الطعام العالمية.

عمر هو نجل زوجة الشاعر الثانية بلقيس، التي قتلت في انفجار عبوة ناسفة في بيروت عام 1981، وكان يبلغ من العمر عندها 10 سنوات. لديه أخت اسمها زينب، وأخ غير شقيق اسمه توفيق، وأخت غير شقيقة اسمها هدباء، من زواج الشاعر الأول من زهرة.

وقد ألَّف مجموعة قصائد تعدّ الأكثر حزنًا وألمًا على ذكرى استشهاد زوجته العراقية: "نامي بحفْظِ اللهِ.. أيَّتُها الجميلَةْ، فالشِّعْرُ بَعْدَكِ مُسْتَحِيلٌ".

يقول عمر أن والده كان شاعرًا حتى في وصيته، وهو في سرير مستشفى في لندن، كتب أنه يتمنى دفنه في دمشق، التي وصفها في وصيته: " ادفنوني في الرّحم الذي علمني الشعر، الذي علمني الإبداع، والذي علمني أبجدية الياسمين".

ويستطرد عمر: "من اللافت أن اسم نزار يعني الشخص الحساس والثمين والنادر، وهذا ما كان عليه والدي حقًا."

نترككم هنا مع بضعة أسطر من إحدى قصائده الرائعة.

"أريدُ أن أصنع لكِ أبجديّة

غيرَ كلّ الأبجدياتْ.

فيها شيء من إيقاع المطرْ

وشيء من غبار القمرْ

وشيء من حزن الغيوم الرماديّة

وشيء من توجّع أوراق الصفصاف

تحت عَرَبات أيلول".
 

تعرفوا على نزار قباني، وجددوا محبتكم له، فما أحوجنا اليوم إلى كلماته، في عالم عجول ينسى التوقف لاحتضان الحب، والإبقاء عليه.